قلق أسواق المال مستمر رغم استقرار الأسهم الأميركية

02 ديسمبر 2018
مخاوف استثمارية رقم ارتفاع الأسهم (Getty)
+ الخط -

أنهت الأسهم الأميركية يوم الجمعة واحداً من أعنف شهور العام على استقرار نسبي، إلا أن المؤشرات الثلاثة الأشهر ما زالت أقل من أعلى مستوياتها خلال العام بأكثر من 5%، الأمر الذي أكد استمرار قلق المستثمرين، على الرغم من تصريحات محافظ مجلس الاحتياط الفيدرالي ( البنك المركزي الأميركي) الداعمة لأسعار الأسهم يوم الأربعاء.

وشهد نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي تذبذبات عنيفة في سوق الأسهم الأميركية، صعوداً وهبوطاً، فيما يطلق عليه السفينة الدوارة، إلا أن المؤشرات الثلاثة أغلقت على ارتفاع. وزاد مؤشر أس آند بي بنسبة 1.8% خلال الشهر، وارتفع مؤشر داو جونز الصناعي 1.7%، بينما اكتفى مؤشر ناسداك بارتفاع 0.3%، بفعل انخفاض أسعار أسهم التكنولوجيا، وعلى رأسها سهم آبل، الذي انخفض 18%، ليكون الشهر الماضي هو الأسوأ له في أكثر من عقدٍ من الزمان.

ويواجه المستثمرون حيرة كبيرة لمعرفة إذا ما كانت التذبذبات الحالية في أسعار الأسهم، والتي شهدتها الأسواق على مدار الأسابيع الثمانية الأخيرة، ستؤول إلى قفزة في الأسعار، أم هي موجة تصحيحية أشد عمقاً، خاصةً مع تزايد المخاطر السياسية، في أكثر من بقعة على خريطة العالم، ومع ترقب لسياسات الاحتياط الفيدرالي، بالإضافة إلى المؤشرات الاقتصادية المعتادة للاقتصاد الأميركي والعالمي، حال الإعلان عن أيٍ منها.

وقال مارك هايفيلي، مسؤول الاستثمار العالمي ببنك "يو بي اس" السويسري، إن الأسهم الأميركية "تشهد حالياً موجة تصحيحية ضمن سوق صاعدة"، وأكد أن "المؤشرات التقليدية للركود لم تعط الضوء الأحمر بعد، وأن التضخم ما زال منخفضاً لدرجة تسمح بالرفع التدريجي لمعدلات الفائدة الأميركية".

وأشار هايفيلي إلى أن انخفاض أسعار أنواع شتى من الأصول المالية يعني تأثرها بالفعل بالنظرة المستقبلية غير المؤكدة. 
ويوم الأربعاء، ألقى جيرومي باول، محافظ مجلس الاحتياط، كلمة في النادي الاقتصادي بنيويورك، تسببت في ارتفاع مؤشر داو جونز بحوالي 600 نقطة، أو 2.4% تقريباً من قيمته، كما ارتفعت أسعار السندات، وقلت العوائد التي يطلبها المستثمرون لشرائها، وانخفض الدولار أمام العملات الرئيسية، عقب إعلان كلمة باول أمام النادي، رغم أنها لم تأت بجديد، بحسب مايك ريان، مسؤول الاستثمار للأميركتين ببنك يو بي اس.

وكانت العبارة الأساسية التي نالت اهتمام الأسواق هي التي قال فيها باول "ما زالت معدلات الفائدة منخفضة مقارنةً بمستوياتها التاريخية، وهي ما زالت أقل قليلاً من تقدير الأغلبية لمستوى الحياد بالنسبة للاقتصاد".

وعلى ما يبدو، فقد ترجم المتعاملون في الأسواق العبارة على أساس أنها تعني أن البنك المركزي لن يضطر لرفع معدلات الفائدة بعيداً عن المستويات الحالية. لكن ريان رأى أن باول لم يعبر عن رأي جديد في هذه العبارة، وقال "هو لم يقل إن البنك لن يرفع معدلات الفائدة خارج نطاق 2.5% - 3.5%، لكن بما أنه قبل ذلك كان يقول إن الأسعار بعيدة جداً عن الحياد، فإن تصريحات اليوم تشير إلى مستويات أقل مما كان متوقعاً قبل ذلك".

ورغم الاعتبارات السابقة التي ركز عليها أغلب المتعاملين خلال الأسبوع الماضي، فإن هناك العديد من المؤشرات التي سيتعين متابعتها عن كثب، من أجل معرفة توجهات الأسواق خلال الشهر الأخير من العام الحالي.

ويقول هافيلي "نحن الآن في مفترق طرق في كيفية تعامل المستثمرين مع المخاطر السياسية، البنك الفيدرالي، والمخاطر الاقتصادية. نحن نرى الآن توازن المخاطر على أنه يميل ناحية الأسهم العالمية على حساب الأسهم الأميركية، إلا أننا نراقب ما ستسفر عنه المتغيرات السابقة".

من جانبه، رجح الخبير الاقتصادي العالمي محمد العريان احتمالات تغيير البنك الفيدرالي سياسته المتعلقة برفع معدلات الفائدة في 2019، وغرد العريان على تويتر، معتبراً أن ما جاء في محضر البنك يشير إلى أن مسار رفع معدلات الفائدة سيتحرك باتجاه ما تتوقعه الأسواق.

وقال إن "هذا يمثل عودة إلى الظاهرة التي سادت في أعقاب الأزمة المالية العالمية"، وتوقع أن يكون توجه رئيس البنك إلى الكونغرس الأسبوع المقبل مؤثراً في رسم صورة أوضح لمسار معدلات الفائدة.

وقبل أيام، أصدر بنك الاستثمار العملاق غولدمان ساكس، تقريراً حذر فيه من تباطؤ النمو الاقتصادي في أميركا العام القادم من 2.9% إلى 2.5%، بفعل رفع معدلات الفائدة وتلاشي تأثير حزم التحفيز المالي التي تم إقرارها أوائل العام الحالي.

وتزامن تقرير البنك مع تقرير حديث لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تحدثت فيه عن توقعات نمو الاقتصادي العالمي، الذي رأت أنه "بدأ يفقد الزخم مع تصاعد المخاطر بفعل النزاعات التجارية بين الاقتصادات الأكبر في العالم".

وقال محللون إن تعاملات الغد الاثنين وباقي أيام الأسبوع ستتأثر بصورة كبيرة بما أسفرت عنه مباحثات الرئيسين الأميركي والصيني في بوينس أيرس، والتي ستوضح إلى أي مدى يمكن توقع حدوث انتعاش في الاقتصادين الأكبر في العالم، وبالتالي في الاقتصاد العالمي، وإلا فإن توقعات منظمة التعاون وبنك غولدمان ساكس ستكون هي الأقرب للتحقق.
المساهمون