افتتح الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، خط أنابيب "السيل التركي"، لنقل الغاز الطبيعي الروسي بإجمالي 31.5 مليار متر مكعب سنويا منها 15.75 مليارا إلى تركيا، فيما يصدّر 15.25 مليارا إلى دول جنوب وشرق أوروبا عبر أنابيب ناقلة تمر من البحر الأسود.
وفي كلمة ألقاها خلال مشاركته في افتتاح المشروع، أكد أردوغان أن مشروع السيل التركي لنقل الغاز الروسي إلى تركيا وأوروبا، تاريخي في ما يخص العلاقات الثنائية وخارطة الطاقة.
وأوضح أردوغان أن الدولتين أنجزتا مشروع السيل التركي خلال 2019 وفق الخطة المرسومة مسبقا، مضيفا أن تركيا اشترت من روسيا خلال السنوات الـ33 الماضية، 400 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
وتابع قائلا: "15.75 مليار متر مكعب من أصل 31.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي ستصل إلى تركيا مباشرة، بفضل "السيل التركي" دون وجود أي بلد وسيط".
وأردف قائلا: "تجاوزنا التحديات التي تطاول تعاوننا مع روسيا في مجال الطاقة وباقي المجالات، وهناك زيادة منتظمة في التبادل التجاري بين البلدين".
من جانبه، قال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، فاتح دونماز، إن مشروع "السيل التركي" سيساهم في تخليص أنقرة من مخاطر العبور (مرور الغاز عبر أراضي بلاده)، بجعلها المشتري الأول للغاز الطبيعي.
ويبلغ إجمالي طول الخط 1160 كيلومترا، 930 كيلومترا تحت قاع البحر الأسود، و180 كيلومترا في البر التركي، فضلاً عن 50 كيلومترا في البر الروسي، بقيمة استثمارية تعادل 11.4 مليار يورو (قرابة 12.9 مليار دولار).
وفي هذا السياق، قال المحلل الاقتصادي التركي، أوزجان أونصال، لـ"العربي الجديد" إن تركيا ستتحرر جزئياً من عبء استيراد الطاقة/ لأنها تستورد نفط سنوياً بنحو 120 مليون طن، والتاسعة عالمياً باستهلاك الغاز الطبيعي، حيث تستورد منه نحو 50 مليار متر مكعب سنويا.
وأضاف: "يأتي مشروع السيل ليؤمن تقريباً ثلث الاحتياجات التركية، ما سيعزز استقلالية قراراتها الاقتصادية والسياسية"، مشدّدا على أن بلاده ستفرض نفسها كقوة في سوق الطاقة العالمي رغم أنها ليست بلدا منتجا له، وذلك عن طريق تجميع خطوط الإمداد في أراضيها لتصبح ممرا استراتيجيا للغاز والنفط إذ تعمل تركيا على بناء حوض ضخم من الغاز عبر ربط خطوط الأناضول وجنوب القوقاز والبحر الأدرياتيكي المارة من أراضيها بعضها ببعض".
وأوضح أونصال أن أنقرة خلال السنوات الثلاث المقبلة، ستبدأ باستخراج الغاز من شرقي المتوسط، ضمن مياهها الإقليمية والحدود القبرصية الشمالية، ما يعني برأيه، أنها ستخفف من فاتورة استيراد الطاقة التي تزيد عن 40 مليار دولار سنوياً، ليتم تسخير تلك الأموال نحو المشاريع الاستراتيجية.
ويرى محللون أتراك أن مشروع السيل، حوّل تركيا إلى واحد من أهم ممرات الطاقة باتجاه أوروبا، فضلاً عمّا سيعود عليها من فائدة اقتصادية بمعدل 35% من قيمة الغاز الروسي المصدر إلى القارة الأوروبية.
ولا تقتصر أهداف مشروع "السيل التركي" لنقل الغاز الروسي على تزويد المستهلكين في تركيا وجنوب أوروبا بـ"الوقود الأزرق" فحسب، بل يحمل في طياته رسائل جيوسياسية في ظل سعي موسكو لتنويع شراكاتها في مجال الطاقة والحد من اعتمادها على أوكرانيا في ترانزيت الغاز، حسب مراقبين.
وفي هذا الإطار، يعتبر نائب مدير صندوق أمن الطاقة الوطني في موسكو، أليكسي غريفاتش، أن "السيل التركي" يشكل مشروعا طويل الأجل لنقل الغاز الروسي إلى تركيا وجنوب أوروبا، وكان ضروريا للحد من مخاطر الترانزيت عبر أوكرانيا.
ويقول غريفاتش لـ"العربي الجديد": هذا مشروع مخصص للتشغيل على مدى عقود طويلة لتوريد الغاز إلى تركيا وبلدان جنوب شرقي أوروبا، وربما وسط أوروبا بعد استكمال البنية التحتية اللازمة في بلغاريا وصربيا والمجر، لمدة لا تقل عن 50 عاما.
وحول الدوافع الجيوسياسية لاستثمار روسيا في مد "السيل التركي"، يضيف: "كان هذا المشروع لازما للحد من المخاطر وزيادة إمكانيات الإمدادات لتوريد الغاز الروسي إلى المنطقة مع أخذ مخاطر الترانزيت عبر أوكرانيا في الاعتبار. كان يجب الاتفاق على الترانزيت الأوكراني بشروط ترضي الجانبين، واستبعاد احتمال أي ابتزاز من قبل كييف".
من جانب آخر، ووسط تزايد المنافسة بسوق الغاز الأوروبية، يرى الشريك في شركة "روس إينرجي" للاستشارات، ميخائيل كروتيخين، أن أهداف موسكو من تحقيق مشروع "السيل التركي" كانت سياسية بامتياز لمعاقبة أوكرانيا بتقليل حصتها في ترانزيت الغاز الروسي.
ويقول كروتيخين لـ"العربي الجديد": "بالنسبة إلى روسيا كان ذلك مشروعا سياسيا بامتياز كلف مليارات من اليوروهات، أهدرت بهدف معاقبة أوكرانيا. لكنه قد يجدي نفعا اقتصاديا على الجانب التركي، كونه سيعزز موقفه في المفاوضات مع الموردين بشأن أسعار الغاز، بما في ذلك مع شركة "غازبروم" الروسية نفسها".
ويقلل الخبير الروسي من آفاق تحول تركيا إلى مركز إقليمي لعبور الغاز بعد تدشين "السيل التركي"، مضيفا: "قد بدأ بالفعل ترانزيت الغاز الروسي عبر تركيا إلى بلدان جنوب أوروبا، لكن الاتحاد الأوروبي لن يسمح بإقامة مجمع للغاز خارج أراضيه وغير خاضع لقوانينه".
وانطلقت فكرة مشروع نقل الغاز الروسي إلى أوروبا، عبر تركيا أول مرة، في مطلع ديسمبر/كانون الأول عام 2014، خلال زيارة بوتين إلى تركيا، بقوله خلال اجتماع مع أردوغان: "هناك تدهور لعلاقاتنا مع بعض الدول الأوروبية، لذا أصبحت ثمة حاجة ماسة لمشروع جديد ينقل طاقتنا عبر تركيا كبديل لمشاريع الخطوط السابقة".
إلا أن التوتر الروسي التركي الناجم عن واقعة إسقاط قاذفة "سوخوي-24" الروسية من قبل سلاح الجو التركي على الحدود السورية التركية في نهاية عام 2015، أدى إلى تعليق تحقيق كافة المشاريع المشتركة الكبرى بين البلدين.
لكن بعد اعتذار أردوغان عن الواقعة وحدوث انفراجة في العلاقات بين البلدين في منتصف عام 2016، مضت موسكو وأنقرة بخطوات متسارعة وسلسلة من الزيارات واللقاءات على أعلى مستوى لاستكمال إجراءات التعاقد والمصادقة وبدء أعمال مد الخط في عام 2017. وتولت شركة "أولسيز" السويسرية أعمال مد القسم البحري من الخط.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت "غازبروم" عن الاستكمال الفعلي لأعمال بناء "السيل التركي"، بينما قُدرت تكلفة المشروع بـ7 مليارات يورو.
وبذلك، تمكنت روسيا وتركيا من استكمال المشروع قبل دخول العقوبات الأميركية على خطوط أنابيب الغاز الروسية في أوروبا حيز التنفيذ في نهاية العام الماضي، وذلك على عكس مشروع "السيل الشمالي-2" الذي توقفت أعمال بنائه بسبب العقوبات، مما دفع موسكو إلى إبداء مرونة أكبر في مفاوضاتها مع أوكرانيا وإبرام عقد ترانزيت الغاز لمدة خمس سنوات.