تكافل اقتصادي.. معونات شعبية تبعد الجوع عن معلمي اليمن

08 مايو 2017
مخاوف من توقف الدراسة (أحمد الباشا/فرانس برس)
+ الخط -
اضطر عبد القوي أحمد، مدرس اللغة الإنكليزية في إحدى المدارس الحكومية في ريف مدينة تعز (جنوب غرب اليمن)، إلى ترك طلابه ومدرسته بعد ستة أشهر من توقف الرواتب وانتقل للبحث عن عمل في العاصمة المؤقتة عدن (جنوب). ومنذ شهرين أصبح عاملاً يحمل الطوب وأكياس الإسمنت. 

وقال أحمد لـ"العربي الجديد": "لم تكن لدي خيارات وأنا أرى أطفالي يتضورون جوعاً ولا أستطيع إطعامهم. لقد نفدت مدخراتي من النقود وانتهى مخزون البيت من الغذاء. اضطررت لاستلاف مبلغ مالي على أمل أن أرده حين وصول الراتب، لكن الرواتب توقفت بلا أمل، وبعد ستة أشهر من المعاناة قررت التحرك للبحث عن عمل وتركت أسرتي وتلاميذي".

إذ أغلقت الكثير من المدارس أبوابها، والتي لا تزال تعمل منها تعاني من كثافة كبيرة في عدد التلاميذ ونقص في عدد المدرسين. وهناك أكثر من 166 ألف مدرس في اليمن، نحو 73% منهم لم يتلقوا أي أجور منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، الأمر الذي أثر سلباً على 78% من المدارس في أنحاء اليمن، بحسب اليونيسيف.

تبرعات للمعلمين

وأطلق مواطنون ومغتربون يمنيون بدول الخليج وأميركا مبادرات لدعم المعلم من خلال جمع تبرعات تهدف إلى تأمين رواتب المعلمين في بعض المناطق وتأمين استمرار الدراسة. ولا تزال المبادرات مستمرة ومناطق جديدة تدخل كل يوم في التنافس لدعم المعلمين باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

وجمع مغتربون يمنيون في الولايات المتحدة والسعودية مليوني ريال (8 آلاف دولار) تبرعات لدعم المعلمين في المدارس الحكومية بمسقط رأسهم في منطقة (ملاح)، بمحافظة البيضاء (وسط اليمن). وتولت لجنة مجتمعية شكلها الأهالي تسليم المبالغ لحوالي 70 مدرساً بواقع 25 ألف ريال شهرياً (100 دولار) لكل مدرس ولسبعة أشهر، ويبلغ راتب المدرس 80 ألف ريال شهريا (320 دولاراً).

وفي منطقة أخرى في محافظة البيضاء، أطلق الناشط علي المسوع نداء على موقع التواصل الاجتماعي، لدعم استمرار التعليم في منطقته. وقال: "توقف العملية التعليمية في مدارسنا مقلق ويهدد مستقبل أطفالنا ومشكلة يجب علينا التعاون لحلها، وندعو لحملة جمع تبرعات للمعلمين بمدارس (الطفة) لكي تستمر عملية التعليم".

ومنذ مطلع إبريل/ نيسان، جمع أبناء قبيلة آل عبيد بن عزان بمحافظة البيضاء، وعبر ملتقاهم الخيري، تبرعات للمعلمين بقيمة 5 ملايين ريال (20 ألف دولار) لـ52 معلماً، وسلمت لهم رواتب كاملة عن السبعة أشهر الماضية التي توقفت فيها الرواتب.

وأعلنت الإدارة العامة للمشاركة المجتمعية بمحافظة ذمار (100 كلم جنوب صنعاء)، في 20 إبريل/ نيسان، عن نجاح مبادرتها لدعم استمرار الدراسة، وأكدت أنها ساهمت في مواجهة الظروف المعيشية للمعلمين والمعلمات من خلال توزيع مبالغ نقدية وسلال غذاء وأنظمة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في ظل انقطاع الكهرباء منذ إبريل 2015.

وأعلن ناشطون في مديريات بمحافظة أب (160 كلم جنوب صنعاء)، عن حملات لدعم استمرار التعليم وعن إنشاء صندوق تبرعات للمدرسين تمكنهم من تأدية مهامهم، ووجدت هذه المبادرات تجاوباً كبيراً من المغتربين بالخارج وحتى من السكان، فقد بادرت نساء إلى بيع مدخراتهن من المصوغات الذهبية دعماً لاستمرار الدراسة.

تحذيرات ومخاوف

وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، الثلاثاء الماضي، من أن الحرب المستمرة منذ عامين في اليمن قد تحرم جيلاً من الأطفال من التعليم، ما يجعلهم أكثر عرضة للزواج المبكر أو التجنيد للقتال في الصراع الذي يدخل عامه الثالث دون توقف، وأدى إلى تدمير الاقتصاد وتوقف الموارد المالية.

ودعت "يونيسيف" كافة السلطات التعليمية في مختلف مناطق اليمن للعمل جنباً إلى جنب لإيجاد حل فوري ودفع رواتب جميع المعلمين والمعلمات والتربويين حتى يتمكن الأطفال من مواصلة تعليمهم.

وأكد محمد الأسعدي، المتحدث باسم يونيسيف في اليمن، لـ"العربي الجديد": "كنا نتحدث عن 350 ألف طفل حرموا من العودة إلى مدارسهم بشكل مباشر في العام الدراسي الماضي، لكن العملية التعليمية اليوم باتت مهددة بالتوقف بسبب انقطاع الرواتب، وهو ما يعرض 4.5 ملايين طفل للتوقف عن الدراسة في 13 محافظة". ‏

وأوضح أن هناك مدارس قد أغلقت أبوابها أمام الطلاب بسبب عدم قدرة المعلمين على الوصول للمدارس وانشغالهم بالبحث عن بدائل العيش لأسرهم وأطفالهم.

ووجه نقيب المعلمين اليمنيين عبد العزيز سلطان، في إبريل/ نيسان الماضي، مناشدة للرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس الوزراء أحمد بن دغر، لصرف رواتب المعلمين كون تأخرها يهدد بتوقف العملية التعليمية بشكل كامل. وقال إن هناك الآلاف من الأسر التي تعتمد كلياً على الراتب، وتفاقمت معاناتها نتيجة توقف الرواتب منذ سبعة أشهر.

ونظم المعلمون في مدينة تعز احتجاجات مستمرة منذ نهاية مارس/ آذار، للمطالبة بصرف الرواتب قبل إعلان الإضراب والتوقف عن التدريس، وأدى ذلك إلى شلل كلي في المدارس الحكومية.

وبتعبير أدق فإن توقف المعلمين عن التدريس ليس إضراباً بالمعنى الحرفي، لقد وصل المدرسون إلى مرحلة العجز عن توفير الغذاء ويكافحون لإطعام عائلاتهم، وقد غادروا مدارسهم للبحث عن أعمال توفر لهم لقمة العيش، وفق استطلاع أجرته "العربي الجديد" لآراء العديد من المعلمين في مناطق متفرقة.

ويتسلم المعلمون في مناطق الحكومة رواتبهم بانتظام لكنهم لا يشكلون سوى 17% من إجمالي المعلمين على مستوى البلاد، حيث يتركز معظمهم في العاصمة صنعاء وبقية المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

فصل جماعي

وفي مواجهة إضراب المعلمين بالمدارس الحكومية في العاصمة صنعاء، بدأت السلطات الموالية لجماعة الحوثيين وحلفائهم من أنصار الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، بمحاولة فرض جبايات على الطلاب من خلال فرض مبلغ 1000 ريال على كل طالب لتقديمها للمدرسين وتأمين استمرار الدراسة، لكن طلباتهم لاقت رفضاً من الآباء، بحسب مصادر تربوية.

ومنذ منتصف مارس/ آذار الماضي لجأت سلطات صنعاء إلى استقدام مئات المدرسين من "الموالين" للحوثيين وصالح وبدأت في إحلالهم مكان المعلمين المطالبين برواتبهم. وبات حوالي 20 ألف مدرس حكومي مهددين بالفصل ومن إسقاطهم من كشوف الرواتب والدرجات الوظيفية.

وأكدت مصادر نقابية في قطاع التعليم أن مكاتب التربية والتعليم بالعاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين وصالح شكلت لجاناً متخصصة لتغطية العجز في المدارس الحكومية، عبر إسقاط المضربين من كشوف موظفي الخدمة المدنية.
المساهمون