في ما يبدو أنه محاولة لكسب دعم المزارعين الأميركيين قبل الدخول في منافسات انتخابات الرئاسة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب استعداده لتقديم حزمة مساعدات مالية، للمرة الثالثة في أقل من خمسة عشر شهراً، للمزارعين المتضررين من انخفاض صادراتهم، أو ارتفاع تكلفة الإنتاج لديهم، من جراء الحرب التجارية المستمرة منذ ما يقرب من عامين، مع الصين.
لم يكتف ترامب بما تم توقيعه من اتفاقات تجارية جديدة، أو تعديل ما كان موجوداً بالفعل، وأعلن على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر يوم الجمعة الماضي إن الحكومة الفيدرالية ستقوم بتقديم مساعدات مالية للمزارعين الأميركيين إذا احتاجوا ذلك "حتى تؤتي الاتفاقات التجارية التي تم توقيعها مع كل من الصين وكندا والمكسيك ثمارها كاملة".
ووقعت الولايات المتحدة والصين اتفاقاً تجارياً "أولياً" منتصف الشهر الماضي، كان من ضمن بنوده قيام الأخيرة بزيادة مشترياتها من المنتجات الأميركية بما قيمته 200 مليار دولار على مدى العامين القادمين، من بينها 80 مليار دولار تخصص للمنتجات الزراعية، مقابل إيقاف تطبيق بعض التعريفات التي فرضتها واشنطن على المنتجات الصينية، وتخفيض نسبة جزء كبير منها.
لكن مع تفشي فيروس كورونا القاتل هناك، بصورة تسببت في تراجع معدلات الإنتاج، وتوقف العمل في العديد من الشركات العاملة في الصين، بدا واضحاً أن وفاء الصين بالتزاماتها ربما يواجه بعض الصعوبات، على الأقل في المدى الزمني الذي تم الاتفاق عليه.
وبعد فرض ترامب تعريفات مضاعفة على المنتجات الواردة من الصين، لإجبارها على تخفيض عجز بلاده التجاري معها، وعلى مراجعة قوانينها التجارية لمنع سرقات التكنولوجيا الحديثة من الأميركيين، وفتح السوق الصينية أمام الشركات الأميركية، ردت الصين بفرض تعريفات انتقامية، وحثت شركاتها على البحث عن بدائل للمنتجات الزراعية الأميركية في دول أخرى.
ومثلت الخطوة الصينية ضغطاً كبيراً على ترامب، من خلال تحميل المزارعين الأميركيين خسائر مادية ضخمة، على ما يمثلونه من كونهم أحد أهم القطاعات الداعمة له في الانتخابات.
وقبل نهاية الأسبوع الماضي، توقعت وزارة الزراعة الأميركية تسجيل ديون المزارعين مستوى قياسياً جديداً في العام 2020، يبلغ 425 مليار دولار، بعد أن كان 415 مليار دولار العام الماضي 2019، لتبقى نسبة ديونهم إلى الأصول التي يمتلكونها عند أعلى نقطة لها في الخمسة عشر عاماً الأخيرة.
والعام الماضي، قفزت معدلات الإفلاس في شركات القطاع الزراعي الأميركي إلى 24%، على الرغم مما قدمته لها الحكومة الأميركية من معونات ودعم، بلغت قيمتهما 28 مليار دولار، تم بالفعل صرف ما لا يقل عن 19 مليار دولار منها للمزارعين قبل انتهاء 2019.
ومع كل تلك الخسائر، لم يجد ترامب بداً من صرف تعويضات حقيقية جديدة للمتضررين، من أجل وضع حد لمعاناتهم، وفي نفس الوقت ضمان أصواتهم وذويهم في انتخابات الرئاسة القادمة.
ومع توالي الانتقادات من بعض الاقتصاديين بخصوص ضخامة المبالغ المخصصة لتعويض المزارعين، والتي رآها مؤيدو الحزب الديمقراطي تحمل أهدافاً انتخابية، أكد ترامب أن "المبالغ المقدمة للمزارعين سيتم تدبيرها مما يتم جمعه من تعريفات جمركية".
وبعد الإعفاءات الأخيرة التي قدمتها بموجب الاتفاق الذي تم توقيعه مع الصين، تشير التوقعات إلى وصول ما تتحصل عليه الولايات المتحدة من تعريفات إلى ما لا يقل عن 80 مليار دولار سنوياً.
ولم يكن توجه ترامب نحو إرضاء المزارعين، خلال الشهور الأخيرة، هو الخطوة الوحيدة التي تأخذ في الاعتبار أصوات الناخبين من بعض الفئات المؤثرة في الولايات المتحدة، حيث سبق أن أعلن، قبل ما يقرب من عشرة أيام، دعمه لاستمرار تصدير محركات الطائرات التجارية وأشباه الموصلات وكافة منتجات التكنولوجيا الأميركية الحديثة للصين، عملاً على كسب رضاء جماعات المصالح من منتجي ومصدري تلك المنتجات، التي تعد الصين أكبر مستورد لها على الإطلاق.
وقال ترامب إنه يريد أن يسهل تعامل دول العالم مع الولايات المتحدة، وشراءهم منتجاتها.
لم يقم ترامب بتوزيع كراتين انتخابات، على غرار ما يحدث في بعض بلدان وطننا العربي، ولم يدفع مبالغ نقدية بصورة عشوائية للمواطنين لحثهم على التوجه لصناديق الاقتراع والتصويت لصالحه، ولم يتذكر أصوات الناخبين في آخر أسبوع أو أسبوعين قبل الانتخابات، وإنما عمل منذ وصوله إلى البيت الأبيض، في أول أيام ولايته الأولى، على إرضاء الفئات التي يعتمد عليها في الانتخابات، بصورة عملية تحقق مصالحهم، وتساعدهم على العمل والإنتاج والتصدير.
التقرب لبعض الفئات، ومحاولة استرضائها، هو عمل مشروع، بشرط أن يكون من خلال سياسات تفيد الناخبين، وتحقق طموحات الشركات والمشروعات والفئات المستهدفة.
أما الرشاوى الانتخابية، المباشر منها وغير المباشر، فلا يمكن اعتبارها من ضمن السياسات المقبولة، ولا يفترض أن تسود في أي دولة تحترم مواطنيها، وتساعدهم على تحقيق أحلامهم، بصورة تحافظ على كرامتهم.
خاطب ترامب المزارعين الأميركيين، ومنحهم التعويضات عن الخسائر، ولم يغلق أبواب أكبر أسواق العالم أمام صادراتهم، وأمام زملائهم من مصنعي رقائق الحاسب الآلي وأشباه الموصلات، وجاب العالم شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً للترويج للأسلحة الأميركية، واتفق على بيع ما قيمته مليارات الدولار للعديد من الدول.
ولن تكون الهند، التي وقعت يوم الإثنين الماضي على صفقة أسلحة تقدر قيمتها بثلاثة مليارات دولار، أثناء زيارة ترامب لها، آخر تلك الدول، حيث سبقتها دول كثيرة، في عقد صفقات تخدم بالأساس شركات وعمال إنتاج الأسلحة الأميركية. وأخيراً، لم يقطع ترامب لقاءاته مع مُصنعي السيارات الأميركية، وسائقي الشاحنات.
ترامب يخطب ود كل تلك الفئات، ويطمع في الحصول على ودهم، وفي سبيل ذلك، يبذل كل المجهودات التي تضمن لهم زيادة الطلب على منتجاتهم، فتُخلق الوظائف ويزداد عدد العاملين ويرتفع أجرهم؛ بينما يكتفي المرشح في بلادنا بكرتونة، أو كرتونتين، يتم منحها للناخب، وللأسف، فإن معدلات الفقر والبطالة والحرمان، تسمح لهذه الكراتين بعمل المعجزات في مواسم الانتخابات، ويظل المواطن العربي يجري في مكانه لعقود.