يضع التوتر السياسي والتجاري والاقتصادي الجاري بين بكين وواشنطن الشركات الغربية الكبرى، خاصة متعددة الجنسيات والمصارف الغربية، في مأزق حقيقي بين مخاطر التعرض للحظر الأميركي أو الحرمان من السوق الصيني الضخم. وهما خياران أحلاهما مر، في حال إشهار إدارة الرئيس ترامب للدولار سلاحاً جديداً في معركة بناء "النظام العالمي" الجديد مع بكين.
وحتى الآن لم تستخدم إدارة ترامب سلاح الدولار في الحرب التجارية، ولكن هناك مشروع قانون لإدخال العملة الأميركية في المعركة، كما أن خبراء ينصحون واشنطن بذلك ويعتقدون أن استخدام الدولار كوسيلة لمحاصرة التمدد الاقتصادي والتجاري الصيني ستكون فعالة مقارنة بوسائل الرسوم والتقنية.
لكن في المقابل فإن استخدام الورقة الخضراء سيكون سلاحاً ذا حدين بالنسبة للشركات والمصارف الغربية وحتى ربما سيضعف مركز الدولار نفسه في النظام المالي العالمي.
في هذا الشأن، يعد الكونغرس الأميركي لمشروع يقضي بفرض عقوبات ضد المصارف الصينية للضغط على بكين وإجبارها على الحفاظ على الوضع الخاص لجزيرة هونغ كونغ وعدم ضمها للبر الصيني، كما يتناول مشروع القانون كذلك جوانب أخرى تخص سرقة الصين التقنية الأميركية.
وحسب مشرعين فإن مشروع القانون يجري الإعداد له في واشنطن من قبل السيناتور الديمقراطي، كريس فان هولين وزميله الجمهوري، بات تومي، وقد طرح المشروع رسمياً في الكونغرس للنقاش يوم الخميس الماضي.
وكانت محكمة أميركية قد أدانت ثلاثة مصارف صينية في العام الماضي بخرقها لقانون الحظر على كوريا الشمالية.
وفي حال إقرار مشروع القانون الأميركي المقترح، فإن المصارف الصينية ستتعرض لأضرار مالية باهظة جداً، إذ إنها توسعت خلال السنوات الأخيرة في عمليات الإقراض العالمية في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية.
وحسب إحصائيات بنك التسويات الدولية، فإن لدى البنوك الصينية قروضا خارجية تقدر بحوالى 2.215 تريليون دولار، وأن 63% من هذه القروض مقيمة بالدولار. كما أن لدى المصارف التجارية الصينية قروضاً في البر الصيني وهونغ كونغ وسندات وديوناً مصدرة بالدولار تقدر قيمتها بحوالى 321 مليار دولار، وربما ستحتاج الشركات التي استدانتها إلى إعادة تمويل عبر الاقتراض بالدولار.
وبالتالي فإن المصارف الصينية ستتعرض لخسائر ضخمة، وربما يتعرض بعضها للإفلاس إذا نفذت إدارة الرئيس ترامب لحظر المتاجرة بالدولار وحظر استخدامه بواسطة البنوك الصينية في إصدار السندات والتسويات.
لكن في المقابل، فإن مثل هذه العقوبات لن تكون بلا ثمن، إذ إن كلفتها ستكون باهظة للمصارف الغربية. وتتخوف الشركات الغربية وعلى رأسها المصارف من الرد الصيني بحرمانها من المتاجرة في السوق الصيني في حال اتخاذ واشنطن لخطوة حظر استخدام الدولار.
وكانت الحكومة الصينية قد هددت مصرف " أتش أس بي سي" الشهر الماضي من أنه قد يستبدل في الصين ويحرم من المتاجرة في البر الصيني، إن لم يدعم بشكل واضح الإجراءات الأمنية الجديدة التي اتخذتها بكين في هونغ كونغ.
وكانت النتيجة خضوع مصرف " أتش أس بي سي" للضغط الصيني، إذ أصدر رئيس البنك في آسيا، بيتر وقنغ، بياناً يؤيد فيه الإجراءات الأمنية الصينية في هونغ كونغ. ولكن رغم ذلك تواصلت التهديدات غير الرسمية للبنك عبر الصحف المحسوبة على الحكومة.
ووصف وزير الخارجية الأميركي بومبيو التهديدات التي تعرض لها البنك، في بيانه الثلاثاء الماضي بأنها "مؤشر تحذير للشركات والحكومات التي تتعامل مع الصين".
وما يخيف المصارف الغربية، أن لدى الصين نظاما مصرفيا ضخما هو الأكبر في العالم، يقوده 18 بنكاً تجارياً كبيراً، إضافة إلى مجموعة منالشركات المالية والمصارف الصغيرة في الأقاليم.
ويقدر حجم أصول المصارف التجارية في الصين بنحو 35 تريليون دولار أو ما يساوي ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الصيني. وفقاً لدراسة أجراها الباحثان، يوجينو سيروتي، مدير وحدة الأبحاث بصندوق النقد الدولي والدكتور هونان زوهو المحاضر بجامعة برنستون الأميركية.
من جانبه يقدر مصرف "سوسيتيه جنرال" الفرنسي سوق الإقراض في الصين بحوالى 150 ترليون يوان " 21.6 ترليون دولار". وبالتالي فإن مثل هذا الحجم من السوق يسيل له لعاب المصارف الغربية، وربما ستقاتل المصارف الغربية حكوماتها من أجل المحافظة عليه.
وكانت المصارف التجارية الكبرى في الولايات المتحدة قد حصدت أرباحاً ضخمة من السوق الصيني في السنوات التي تلت الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في سبتمبر من عام 2008، إذ حصلت على تمويلات مجانية من مصرف الاحتياط الفيدرالي، وكان سعر الفائدة وقتها منخفضاً جداً، تحت الصفر، في أوروبا، وقريباً من الصفر في الولايات المتحدة.
وبالتالي لم يكن سوق القروض المحلي مربحاً للمصارف الأميركية والأوروبية مقارنة بما تحصل عليه من فائدة تتراوح بين 5 و6% في السوق الصيني وقتها.
وبالتالي لم يكن سوق القروض المحلي مربحاً للمصارف الأميركية والأوروبية مقارنة بما تحصل عليه من فائدة تتراوح بين 5 و6% في السوق الصيني وقتها.