القروض المتعثرة والركود يفاقمان أزمة السيولة في الجزائر

18 مارس 2020
تراجع عائدات النفط أثّر على الوضع المعيشي (Getty)
+ الخط -

 

تعيش بنوك الجزائر وضعية مالية صعبة، جراء الركود الاقتصادي، وارتفاع عدد القروض المتعثرة، التي استفاد منها رجال أعمال مقربون من نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ما يفاقم أزمة السيولة لدى القطاع المصرفي.

وتواجه البلاد ضغوطاً مالية متزايدة في ظل تراجع عائدات تصدير النفط، وتآكل احتياطي النقد الأجنبي، بينما جاء قرار الرئيس عبد المجيد تبون مؤخرا منع طباعة النقود أو الاستدانة الخارجية، ليزيد من التحديات التي تواجهها البنوك.

وكشف عضو جمعية البنوك بغداد عمار في تصريح خاص لـ"العربي الجديد" أن " نسبة العجز في السيولة بلغت 49 في المائة"، مشيرا إلى أن النسبة قفزت خلال العام الماضي فقط بنحو 20 في المائة.

وعزا عمار ارتفاع العجز في السيولة إلى ارتفاع حجم القروض المتعثرة بشكل مستمر خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث بلغت 10 في المائة عام 2015، لتزيد إلى 13 في المائة في العام التالي و17 في المائة في 2017 ثم 20 في المائة في العام اللاحق قبل أن تقفز إلى 25.2 في المائة خلال العام الماضي 2019.

وأضاف أن "أحد رجال الأعمال المسجونين، استفاد من قروض بلغت 1.2 مليار دولار من بنك القرض الشعبي الوطني العمومي، دون احتساب رجال الأعمال الآخرين، ما جعل البنك يعيش وضعية مالية صعبة".

وتقدر الحكومة حجم القروض المتعثرة لدى البنوك في السنوات العشر الأخيرة، بما يعادل 85 مليار دولار بالعملة المحلية، 40 في المائة منها غرامات تأخير في السداد.

وليست الديون المتعثرة وحدها وراء أزمة السيولة، التي تعصف بالبنوك، فغياب الثقة بينها وبين الفاعلين الاقتصاديين، ظهر جليا منذ بداية الحراك الشعبي في الأشهر الأولى من العام الماضي، حيث تراجع إقبال المقاولين والشركات وحتى المستوردين على البنوك، بفعل الغموض السياسي الذي خيم على البلاد حتى نهاية 2019 الذي شهد اختيار رئيس جديد.

وقال مدنى غملال، المسؤول في أحد البنوك العمومية لـ"العربي الجديد" إن "هناك تراجعاً في وتيرة التعاملات البنكية بشكل مخيف، ربما بفعل الانكماش الاقتصادي الذي تمر به البلاد أو لخوف الجزائريين من التعامل مع البنوك، لا سيما في فترات التوتر".

وأضاف غملال: "هذا الجمود أثر سلبا على السيولة التي باتت تتعرض لضغط كبير، ويمكن أن تنهار إلى ما تحت مستوى الأمان، لذا يجب على البنوك أن تتحرك وألا تنتظر الحلول من الحزينة العمومية، من خلال تقديم عروض تستميل بها رؤوس الأموال القابعة خارج القطاع المصرفي والتي تقدر بنحو 40 مليار دولار".

وتشير بعض التقديرات إلى أن 60 في المائة من الجزائريين يكتنزون أموالهم في البيوت ويرفضون إيداعها البنوك، حيث يفضل هؤلاء اقتناء خزانة الأموال الحديدية التي ذاع صيتها خلال السنوات الأخيرة ووضعها في مكان آمن بالبيت.

ويتكوّن القطاع المصرفي من 29 مؤسسة مصرفية، منها 7 مصارف عمومية (حكومية)، وأكثر من 20 مصرفاً أجنبياً من دول الخليج، وأخرى فرنسية ومصرف واحد بريطاني.

ولا تملك البنوك هامش مناورة واسعاً، في ظل توقف التمويل غير التقليدي، الذي سمح بضخ ما يعادل 60 مليار دولار من العملة المحلية في الخزينة العمومية، والبنوك العمومية، بالإضافة إلى انهيار احتياطي النقد الأجنبي.

وحسب الخبير الإقتصادي نبيل جمعة فإنه "يمكن للبنوك أن تتجه للاحتياطي الإلزامي المقدر بنحو 12 في المائة، ويمكن تخفيضه إلى 8 في المائة أو حتى 6 في المائة لتوفير السيولة المطلوبة، إلا أن هذا القرار بيد البنك المركزي الذي يحدد دوريا نسبة الاحتياطي الإلزامي حسب سيولة البنوك".

وأضاف جمعة لـ"العربي الجديد" أنه "بالرغم من توجه الحكومة إلى التمويل غير التقليدي في نهاية 2017، ما سمح لها بطبع الأموال، غير أن المشكلة لا تزال قائمة، لأن تلك الأموال وجهت على شكل سندات دين عام من المركزي إلى الخزينة العمومية".

وكان بنك الجزائر المركزي، قد رفع نسبة الاحتياطي الإلزامي للبنوك في مارس/آذار 2019، من 8 في المائة إلى 12 في المائة، وبرر قراره آنذاك باستقرار السيولة المالية في السوق، بعد الانخفاضات المسجلة في 2015 و2016، بالتزامن مع أزمة هبوط أسعار النفط.

وتُعد تلك المرة الثالثة التي يقرر فيها المصرف المركزي الجزائري التدخل لتعديل سقف الاحتياطي الإلزامي لدى المصارف العمومية والخاصة خلال 18 شهراً، إذ سبق أن أمر في أغسطس/ آب 2017، البنوك بخفض هذا الاحتياطي من 8 في المائة إلى 4 في المائة لضخ سيولة أكبر في الأسواق، بينما أعاد رفعها مرة أخرى إلى النسبة السابقة في سبتمبر/ أيلول 2018.

والجزائر من الدول الأكثر تضررا من تهاوي أسعار النفط منذ عام 2014. وخسرت خلال العام الماضي فقط نحو 6 مليارات دولار، في فاتورة الصادرات، بعدما تراجعت إلى 35 ملياراً مقابل 41 ملياراً في 2018، بانخفاض بلغت نسبته نحو 25%، حسب إحصائيات رسمية.

وهوى احتياطي النقد الأجنبي من نحو 200 مليار دولار في 2012 إلى أقل من 77 مليار دولار نهاية العام الماضي، وسط توقعات حكومية بهبوطه إلى 50 ملياراً بنهاية العام الجاري 2020.