الضرائب تطوّق المصريين وتشعل الأسعار

09 يونيو 2016
تفاقم الأعباء المعيشية للمصريين (فرانس برس)
+ الخط -
تتجه الحكومة المصرية إلى زيادة الموارد المالية عبر ضريبة القيمة المضافة المرتقب إحالتها لمجلس النواب خلال أيام، بهدف مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد، وحسب تصريحات محللين لـ"العربي الجديد"، ستؤدي الضريبة الجديدة إلى موجة غلاء جديدة وأزمات معيشية إضافية.
وكان مجلس الدولة انتهى من مراجعة مشروع قانون القيمة المضافة وإرساله إلى مجلس الوزراء منتصف الأسبوع الجاري، تمهيداً لإحالته إلى المحطة الأخيرة في البرلمان لمناقشته وإقراره، حسب وزارة المالية.
وحسب المحللين، ستوفر الضريبة الجديدة موارد مالية إضافية للحكومة، إلا أنها ستحمل المواطنين أعباءً ستفاقم أوضاعهم الاقتصادية المتأزمة. وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي صلاح الدين فهمي، لـ"العربي الجديد"، إن إقرار القيمة المضافة في الوقت الحالي، سيزيد من حصار المواطنين معيشياً، مشيراً إلى زيادة البطالة والفقر الفترة الماضية.
وأضاف فهمي، أن تطبيق القانون سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات بنسبة متفاوتة، في ظل أزمات اقتصادية متتالية أثقلت كاهل المواطنين. وأشار إلى أن الوضع الحالي يشهد فرض ضرائب على عدد محدود من الخدمات وبأسعار ضريبية مختلفة بمتوسط 10%، أما ضريبة القيمة المضافة المقترحة فستفرض على كل السلع وكل الخدمات وبنسبة أكبر تصل إلى 14%، ما سينتج عنه موجة كبيرة من التضخم سيتحملها المواطن البسيط.
وأوضح أن السوق المصرية لا تحتمل زيادة جديدة في الأسعار، نتيجة لارتفاع الدولار المتواصل أمام الجنيه المصري، مطالبا بضرورة تأجيل القانون لحين استقرار اقتصاد البلاد. وأشار إلى أن التوسع في الضريبة لتتضمن الخدمات المهنية كالمحاسبين والأطباء والمحامين والمدرسين، ستضاف على عاتق المواطن في حالة الإصرار على إصدار فاتورة لهذه الخدمات.
والقيمة المضافة هي ضريبة يتم فرضها على جميع السلع والخدمات ومستلزمات الإنتاج سواء كانت محلية أم مستوردة، باستثناءات طفيفة. ويتم احتساب الضريبة على الفرق في قيمتها بين المدخلات والمخرجات وإضافتها إلى فاتورة البيع أو تأدية الخدمة في بند مستقل من قبل المكلف بتحصيلها (البائع أو مؤدي الخدمة) وتوريدها إلى مصلحة الضرائب في مواعيد محدّدة.
ومن جانبه أكد الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، رشاد عبده، لـ"العربي الجديد"، أن المنتجين والمستوردين سيحملون أعباء زيادة التكلفة للمستهلك من خلال رفع السعر النهائي للسلعة أو الخدمة.


وأشار إلى أن الوقت الحالي ليس مناسباً لتطبيق ضريبة القيمة المضافة، حيث ستؤدي إلى مزيد من الاحتجاجات الجماهيرية، مستنكرا إقدام الحكومة على تلك الخطوة في وقت يطرح فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مبادرات لتخفيض الأسعار، وتقليل فاتورة الاستيراد.
وكان السيسي قد طلب من القوات المسلحة والحكومة أكثر من مرة خلال الفترة الأخيرة التدخل من أجل خفض الأسعار عبر طرح سلع مخفضة للمواطنين.
وأضاف عبده: "نحن ندعم كل الإصلاحات التي ستقدم النفع للدولة، ولكن ينبغي ألا يكون المواطن هو الشخص الوحيد المتحمل لأعبائها".
وأوضح أن التجربة اليابانية تبقى شاهدة على فشل نظرية القيمة المضافة، حيث تراجعت الحكومة عن تطبيقها، بعد أن تسببت في معاناة كبيرة لليابانيين.
وأوضح عبده، أن اتجاه الحكومة لتطبيق ضرائب جديدة يرجع إلى رغبتها في زيادة مواردها، التي تراجعت بحدة في الفترة الأخيرة، لكن يجب علي الدولة اختيار توقيت مناسب لتطبيق الضريبة.
وقال نائب وزير المالية للسياسة الضريبية، عمرو المنير، في تصريحات صحافية سابقة، إن تطبيق ضريبة القيمة المضافة سيعمل على زيادة الحصيلة الضريبية بحوالي 30 مليار جنيه مصري (3.4 مليارات دولار) سنوياً، لافتاً إلى أنه سيؤثر بشكل طفيف على محدودي الدخل، وتوقع ارتفاع أسعار السلع بنحو نصف في المائة على الفقراء ونحو 2% على الأغنياء.

وأوضح أن الحكومة أعفت السلع الأساسية من الخضوع للضريبة حتى لا يتأثر محدودو الدخل، مشيرا إلى أن تطبيق القانون سيساهم في دعم إيرادات الدولة للتوسع في الإنفاق على البرامج ذات الأولوية.
وتعاني مصر من أزمة مالية خانقة رغم المساعدات الخليجية التي بلغت نحو 60 مليار دولار، في ظل تراجع مصادر الدخل الرئيسية (الصادرات وتحويلات العاملين في الخارج والسياحة وقناة السويس والاستثمارات الأجنبية)، ما أدى إلى تهاوي الجنيه المصري بنسبة 26% خلال العامين الأخيرين حيث ارتفع سعر الدولار من 7.14 جنيهات إلى نحو 8.88 جنيهات في السوق الرسمية، في حين يبلغ حالياً في السوق السوداء نحو 11 جنيهاً.
كما ارتفع عجز الموازنة إلى نحو 319.5 مليار جنيه في الموازنة المالية المقبلة في ظل زيادة المصروفات وتراجع حاد في الإيرادات.
وفي المقابل، اعتبر صناع أن ضريبة القيمة المضافة إيجابية وستؤدي إلى زيادة حصيلة الدولة من الضرائب وتحويل دخل الاقتصاد الموازي إلى الاقتصاد الرسمي، وقال رئيس لجنة الضرائب باتحاد الصناعات المصرية، محمد البهي، لـ"العربي الجديد"، إن مشروع قانون القيمة المضافة جاء ليحل محل قانون الضريبة العامة على المبيعات ولن تكون له آثار سلبية على الاقتصاد.
وأوضح أن الضريبة على القيمة المضافة تعتبر عادلة يتناسب عبؤها مع قدرات المواطنين المتفاوتة على الإنفاق، فكلما زاد الإنفاق زادت الضريبة والعكس صحيح، مشيراً إلى أن ضريبة القيمة المضافة مطبقة في أكثر من 150 دولة في العالم.
غير أن البهي، طالب بأن تظل نسبة الضريبة 10% كما هي حالياً في ضريبة المبيعات وليس 14% كما تريدها الحكومة، قائلا: "كلما انخفضت قيمة الضريبة زاد الالتزام بها وارتفعت الحصيلة".
وأشار إلى أن القيمة المضافة ستؤدي إلى انخفاضات في أسعار 12 قطاع صناعي ستدفع ضرائب أقل من الذي تدفعه حالياً، ومن هذه السلع مستحضرات التجميل والنجف والسيارات وشاشات التلفزيون وغيرها، لكن هناك قطاعات سترتفع أسعارها قليلاً مثل الحديد.
وأضاف أن فرض هذه الضريبة سيوفر رقابة على حجم أنشطة المشروعات الاقتصادية، ما يؤدي إلى إحكام تحصيل الضريبة العامة وخفض حالات التهرب التي تفاقمت بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة.
وقدرت وزارة المالية، إجمالي الإيرادات الضريبية المستهدفة في مشروع الموازنة العامة للعام المالي المقبل 2016/ 2017 بنحو 433.3 مليار جنيه، مقابل 362.511 مليار جنيه خلال العام المالي الحالي.

المساهمون