صحت صنعاء ومدن يمنية أخرى على وقع أزمة وقود خانقة مفاجئة وطوابير طويلة من السيارات متكدسة أمام المحطات التي اضطر بعضها إلى الإغلاق لنفاد الكمية المتوفرة لديها من البنزين، بينما استعانت أخرى بقوات أمنية لتنظيم الطوابير الطويلة والعشوائية.
ولا تزال أزمات الوقود الخانقة التي شهدها اليمن، العام الماضي، مثل التي حدثت في سبتمبر/ أيلول الماضي، التي تعتبر الأكثر حدةً وتأثيراً، عالقة في أذهان اليمنيين الذين يعيشون على وقع أزمات معيشية متتالية منذ ما يزيد على خمس سنوات وسط ترد كبير في الخدمات العامة وتوقف الرواتب وانعدام الدخل ومحدودية توفر الأعمال.
وقال المواطن وأئل الأسدي، وهو سائق باص أجرة، من وسط أحد الطوابير أمام محطة تعبئة في شارع الستين، شمال غرب صنعاء، إن الأزمات المعيشية المتلاحقة التي ضربت السائقين أثرت عليهم في تكوين مخزون كاف من الوقود حتى ليومين على أقل تقدير، حسب حديثه لـ"العربي الجديد".
ويرد نبيل محمد، وهو صاحب شاحنة نقل بضائع بين المحافظات، هلع الناس إلى الخوف من فقدان لقمة العيش، إذ يعتمد غالبية اليمنيين على الأجر اليومي لتوفير احتياجاتهم الغذائية مثل السائقين لسيارات وباصات النقل والأجرة، لذا يتأثرون بشكل سريع مع ظهور أي أزمة خصوصاً في الوقود.
وفي بيان، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، أكدت شركة النفط اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين أنه في ظل اتساع دائرة المعاناة الإنسانية نتيجة استمرار الحصار المفروض على سفن المشتقات النفطية، وصولا إلى حرمان المواطنين من الاستفادة من الانخفاض العالمي في أسعار النفط، يقوم التحالف باحتجاز خمسة عشر سفينة محملة بالمشتقات النفطية قبالة ميناء جيزان لفترات متفاوتة تصل إلى ما يزيد على 78 يوماً رغم استكمالها لإجراءات آلية التحقق والتفتيش في جيبوتي وحصولها على التصاريح الأممية للدخول إلى ميناء الحديدة.
واعتبرت ذلك مؤشراً خطيراً يبين درجة التصعيد الراهن وخطورة التداعيات المُحتملة في حال استمرت "القرصنة" بهذه الوتيرة نظراً لما لهذا التعسف من آثار كارثية على المستوى الإنساني، خاصة في ظل تفشي جائحة كورونا وضرورة تأمين كامل احتياجات القطاعات الخدمية من المشتقات النفطية وعلى رأسها قطاعات الصحة والنظافة والمياه.
وحملت الشركة ما وصفتها بـ"قوى العدوان" مسؤولية التداعيات الناجمة عن الحصار الجائر والقرصنة البحرية المُستمرة وكافة النتائج المُترتبة على سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها منذ عدة سنوات في إطار حربها الاقتصادية المسعورة وصولاً إلى محاولة تكوين بؤر وبائية عبر صناعة أزمات تموينية تدفع المواطنين إلى التخلي عن الإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا والازدحام الاضطراري أمام المحطات البترولية للحصول على احتياجاتهم من المشتقات النفطية.
وأفاد مصدر مسؤول في شركة النفط اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين "العربي الجديد"، بأن عملية توزيع الوقود سيتم تغييرها بشكل كامل إلى نظام اَخر سيكون بحسب أرقام لوحات السيارات في المحطات البترولية لتغطية احتياجات أهم القطاعات الخدمية المرتبطة بمعيشة المواطنين وبحسب الإمكانيات التموينية المتاحة.
وبموجب اتفاق استوكهولم في شقه الاقتصادي، تم نقل آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش من جيبوتي إلى ميناء الحديدة للتفتيش والإشراف على السفن التي تصل إلى الميناء، لكن مصادر ملاحية في ميناء الحديدة أبدت استغرابها من تجميد هذا القرار حتى الآن رغم مرور أكثر من عام على اتفاق استوكهولم واعتبار هذا البند محورا رئيسيا في الاتفاق.
وقال الناطق باسم شركة النفط، أمين الشباطي، إن التحالف (السعودية والإمارات) يتحمل بدرجة رئيسية أزمات الوقود في اليمن، لأن آلية التحقق والتفتيش للأمم المتحدة تأخذ أكثر من ثلاثة أيام، وبعد ذلك تقوم بحرية التحالف باحتجاز السفن لفترات طويلة بشكل تعسفي.
وأشار الشباطي في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن عدد الشاحنات التي احتجزها التحالف تزيد على 127 شاحنة نفطية خلال سنوات الحرب والحصار المفروض على اليمن، إذ تبلغ غرامات تأخير تلك الشاحنات نحو 60 مليون دولار.
من ناحيته، ندد المجلس الاقتصادي الأعلى في الحكومة اليمنية بما اعتبرها حملة التضليل الحوثية حول أزمة الوقود وإعاقة سفن الغذاء والانقلاب على اتفاق صرف رواتب المدنيين ونهبها للمبلغ المخصص لذلك من الحساب الخاص بها في فرع البنك المركزي في الحديدة والذي يخضع لرقابه مكتب المبعوث الدولي ـ المكتب الفني التابع للمجلس الاقتصادي، وذلك بعد قيامهم بإجراءات إعاقة تدفق الغذاء والوقود إلى ميناء الحديدة.
وذكر بيان صادر عن المجلس، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، أن إجراءات الحوثيين تتسبب في معاناة إنسانية للمواطنين وتعزز السوق السوداء وتخلق المبررات في رفع الأسعار.
وكشف المجلس الاقتصادي عن الإيرادات المتراكمة في الحساب البنكي بفرع البنك المركزي في الحديدة، والتي بلغت 45 مليار ريال، مشيراً إلى أن الحكومة تنتظر استكمال النقاش للوصول إلى اتفاق حول صرف رواتب المدنيين من ذلك الحساب.
ونفى مصدر حكومي مسؤول، فضل عدم ذكر اسمه، القيام بأي إجراءات، سواء من قبل الحكومة اليمنية أو التحالف بخصوص السفن المحملة بشحنات الغذاء التي تخضع بشكل مباشر لإجراءات التفتيش التي تقوم بها الأمم المتحدة.
أما في ما يتعلق بالسفن المحملة بالوقود، قال المصدر الحكومي لـ"العربي الجديد"، إنها تخضع لإجراءات الفحص المصرفي والفني والقانوني المتفق عليه مع مكتب المبعوث الأممي والأمم المتحدة بهدف تطبيق الضوابط الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتجفيف اقتصاد الحرب والحد من التجارة غير القانونية للنفط في اليمن، إذ أدت تلك الإجراءات إلى توفر الوقود والغذاء في مناطق الحوثيين بكميات تتجاوز الاحتياج.
وكانت الحكومة اليمنية قد قررت، مطلع العام الحالي، اعتماد اَليات جديدة لاستيراد المشتقات النفطية إلى اليمن، وإسناد المهمة الإشرافية على عمليات الاستيراد إلى المجلس الاقتصادي الأعلى بدلاً من اللجنة الاقتصادية، لضمان استمرار توفر الوقود وفقا للمواصفات والمقاييس المعتمدة عبر تحويلات بنكية ومصرفية طبقا لمعايير الامتثال وآليات استمرار تطبيق قراري الحكومة 75 لعام 2018 والقرار 49 لعام 2019، والترتيب لورشة خاصة بهذا الشأن بما يساعد على استيعاب الأفكار المناسبة لتطوير آليات العمل.