يواصل الاتحاد العام التونسي للشغل حشد الجموع النقابية استعدادا لتنفيذ الإضراب العام المقرر في 24 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وسط حملات مضادة أطلقها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي للتحذير من مخاطر الإضراب على اقتصاد البلاد.
ويقود الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي الاجتماعات الميدانية في المؤسسات المعنية بالخصخصة، معوّلا على الثقل النقابي وحجم المؤسسات المستهدفة في النسيج الاقتصادي لإقناع العمّال بالاستجابة لدعوة النقابة في تنفيذ الإضراب الذي لم يبق عليه سوى نحو أسبوع وضمان أقصى حظوظ النجاح للقرارات النقابية.
وكرر الطبوبي تصريحاته بأن الاتحاد مستعد لإلغاء الإضراب متى سجّل استجابة من الحكومة للتخلي عن خطة التفويت (البيع) في مؤسسات القطاع الحكومي والزيادة في أجور العمال، مؤكدا أن النقابات لا تمانع المشاركة في إصلاحات هيكلية لمؤسسات الدولة وإعادة إنعاشها ماليا لكن دون إحالتها إلى القطاع الخاص.
ومقابل الحشد العمالي الذي يقوده الاتحاد العام التونسي للشغل، يقود نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي حملة مضادة لقرار الإضراب العام في القطاع العمومي محاولين خلق جبهة رفض بهدف إحراج المنظمة النقابية وإثنائها عن قرار الإضراب.
ويطالب منتقدو الإضراب بضرورة وضع حد لما اعتبروه "تغوّلا "نقابيا وإعلاء قيمة العمل، معتبرين أن وضع تونس الاقتصادي يتطلب مضاعفة الجهد وخلق الثروة بساعات عمل إضافية لا الإضرابات التي تشل الاقتصاد مستحضرين إضرابات سابقة في قطاع الفوسفات أفقدت الدولة عائدات بنحو 4 مليارات دولار.
وتشكّل جبهة الضغط على الاتحاد العام التونسي للشغل مصدر إحراج للمنظمة النقابية، التي تواجه التشكيك في حسن نواياها على مساعدة التونسيين للخروج من النفق المظلم والزيادات المتواترة لكلفة المعيشة التي أنهكت قدرتهم الشرائية.
وقال الهاني لـ"العربي الجديد" إن النقابيين يسعون لاستدرار تعاطف المواطنين الذين يسحقهم غلاء المعيشة لتمرير مخططهم، عوض مخاطبة عقول الناس وإفهامهم بأن إخراج تونس من أزمتها لا يتأتى إلا بمزيد من خلق الثروة والعمل.
وأضاف الهاني أن الزيادات في الأجور، التي حصل عليها الشغالون في القطاع الحكومي تحت الضغط النقابي منذ 2011، لم تحسّن من ظروفهم المعيشية بل زادت من معاناتهم، معتبرا أن زيادة الأجور دون صنع ثروة تقابلها، أدت إلى مزيد التداين وارتهان البلاد للخارج وفرض مزيد الضرائب مما أدى إلى مزيد من غلاء الأسعار وزيادة التضخم بحسب قوله.
وأشار إلى أن ارتفاع الدين الخارجي الذي فقز من 40 % إلى نحو 73 % من الناتج المحلي في السنوات التي تلت الثورة سيؤدي بالأجيال القادمة إلى مزيد من الديون، داعيا إلى إيقاف نزيف العبث، بحسب قوله.
وتسعى النقابات العمالية إلى إقناع المؤسسات بسلامة موقفها وإعلاء المصلحة الوطنية، والدفاع عن مطالب العمال لتفادي الاصطدام بالرأي العام الذي يرفض شل المؤسسات والمرافق الحيوية للبلاد.
وقال الأمين العام المساعد في الاتحاد العام التونسي للشغل حفيظ حفيظ في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن النقابة تأمل التوصل إلى اتفاقيات مع الحكومة لتجنب الإضرابات، مشيرا إلى أن هناك بوادر لانفراج الأزمة رغم عدم تلقي النقابة أي رد رسمي من الحكومة بشأن الملفات المطروحة.
وأكد حفيظ أن قرار الإضراب هو من أجل الدفع بالمفاوضات التي تدور بين الاتحاد والحكومة حول تدهور المقدرة الشرائية للمواطنين وللأجراء، وأن التحركات العمالية مرتبطة بتعهد الحكومة بعدم التفويت في مؤسسات القطاع العام المدرجة على لائحة الخصخصة.
وأضاف الأمين العام المساعد في اتحاد الشغل أن قرار الإضراب جاء احتجاجا على اتخاذ الحكومة قرارات أحادية الجانب في هذا الشأن، من دون الأخذ في الاعتبار وجهة نظر الاتحاد الذي قدم وصفة لمعالجة ضعف مساهمة هذه المؤسسات في النمو الاقتصادي وقدّم حلولاً لتحويلها إلى مؤسسات رابحة.
وخلال السنة الدراسية المنقضية، تسبب الإضراب الذي شنته نقابات التعليم ودام أكثر من شهر في تأليب الرأي العام ضد الاتحاد الذي واجه تهما بتغليب مصالح فئوية على مصلحة التلاميذ والطلاب والزج بهم في معركته مع الحكومة، ما منعهم من تحصيل العلم.
وبحسب بيانات رسمية، بلغ عدد الإضرابات القانونية خلال النصف الأول من العام الحالي، في القطاعين العام والخاص، 119 إضراباً.
وتميّزت المؤسّسات الخاصة خلال هذه الفترة من العام الجاري، مقارنة بنفس الفترة من 2017، بتراجع عدد الإضرابات بالقطاع الخاص بنسبة 13%. كما سجّل قطاع الوظيفة العمومية، خلال الربع الأول من العام الجاري، انخفاضاً في عدد الإضرابات بنسبة 31.5% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
ونتيجةً لهذه الإضرابات، تراجعت معدّلات الإنتاج بقطاع الصناعات المعمليّة التونسي، بنهاية النصف الأول من العام الجاري، بنسبة 1.2% على أساس سنوي، وفق بيانات للمعهد الوطني للإحصاء التونسي.