العقارات البريطانية بعد جائحة كورونا توفر فرصاً لصائدي الصفقات

18 مايو 2020
شقق فاخرة وسط لندن تنتظر المشترين (Getty)
+ الخط -



بعد مرور شهرين من إغلاق السوق العقارية في بريطانيا، تفتح بعض الوكالات العقارية في لندن أبوابها لاستقبال الباحثين عن شراء المساكن والشقق.

وتوقع مركز الأبحاث الاقتصادية والتجارية بلندن، أن تدفع جائحة "كوفيد 19" أسعار العقارات البريطانية للتراجع بنسبة 13% خلال العام الجاري.

وتأتي التوقعات على خلفية ما تواجهه السوق العقارية من تحديات بسبب تراجع دخول الأفراد والعائلات، ومستقبل النمو الاقتصادي، وعدم اليقين بشأن الوظائف وقدرة الاقتصاد على جذب الاستثمارات الأجنبية. 

ويرى محللون أن مستقبل السوق العقاري بعد جائحة كورونا سيعتمد إلى درجة بعيدة على الكيفية التي سيخرج بها الاقتصاد البريطاني من فترة الإغلاق والعزل الاجتماعي. فإذا تمكنت الدولة من السيطرة على الفيروس ودارت عجلة النشاط الاقتصادي بشكل سريع، فإن ذلك سينعكس بالإيجاب على السوق العقاري، وإن تباطأ النشاط الاقتصادي، فإنه سينعكس سلباً على مبيعات الشقق والمساكن.

في هذا الشأن، قال مركز الأبحاث الاقتصادية والتجارية في لندن، "السوق العقارية تعاني في الوقت الراهن من عدم اليقين في المستقبل وانخفاض الدخل المالي للأفراد والأسر".

ومعروف أن شراء المسكن من بنود الالتزامات المالية طويلة الأجل التي يحتاج فيها المشتري إلى ثقة في مستقبل النمو الاقتصادي والأمان الوظيفي.

وبالتالي ربما سيكون تحسن السوق العقاري بطيئاً ويأخذ وقتاً قبل أن يعود السوق لامتصاص العدد الضخم من الشقق السكنية والمساكن المعروضة منذ شهور في السوق ولا تجد مشترين بسبب تداعيات "بريكست"، وما سببته من عدم اليقين لمشتري العقارات حتى قبل تفشي جائحة كوفيد 19. فالسوق العقارية ظلت لأكثر من ثلاث سنوات تعاني من عدم القدرة السياسية على حسم موقع بريطانيا في أوروبا.
لكن بعض الوكالات العقارية في لندن بدت أكثر تفاؤلاً في تقديراتها لمستقبل السوق العقاري، وتعتقد أن نسبة تراجع أسعار العقارات البريطانية خلال العام الجاري ستكون أقل من تقديرات مركز الأبحاث الاقتصادية والتجارية (13%).

في هذا الشأن، ترى وكالة "نايت فرانك"، كبرى الوكالات العقارية في لندن، أن أسعار العقارات في بريطانيا ستتراجع ربما بنسبة 7% خلال العام الجاري، معدلة بذلك تقديراتها المتشائمة السابقة.

كما تقدر " نايت فرانك"، أن تخسر سوق المساكن البريطانية حوالي نصف مليون صفقة عقارية خلال العام الجاري بسبب جائحة كوفيد 19، وأن هذه الخسارة ستساهم في تدهور الأسعار. ولكنها تشير إلى أن أسعار المساكن ستعود للارتفاع في عام 2022.

أما وكالة سيفيل المنافسة لها في قطاع العقارات الفاخرة، فتعتقد أن الأسعار ستتراجع بنسب تتراوح بين 5 إلى 10%.

لكن يلاحظ أن أسعار المساكن البريطانية، خاصة في وسط لندن والمواقع الاستراتيجية واصلت الارتفاع لسنوات طويلة، وأنها ربما بحاجة إلى حركة تصحيحية كبيرة تتيح للشباب من خريجي الجامعات القدرة على الشراء.
ولأول مرة ومنذ شهرين ستفتح بعض الوكالات أبوابها للزبائن في لندن هذا الأسبوع، ولكن حتى الآن لا توجد حركة تذكر في الشوارع الرئيسية في العاصمة البريطانية، على الرغم من عودة بعض الموظفين للتنقل عبر قطارات الأنفاق إلى مراكز عملهم.

وفي تعليقات حول فتح المكاتب العقارية، قال الرئيس التنفيذي لوكالة ديكسترز، جيف دوبل، يوم السبت، إن الوكالة ستعيد فتح 70% من مكاتبها يوم الأربعاء المقبل.

وتنشط وكالة ديكسترز في لندن أكثر من نشاطها بالأقاليم. ولكن خبراء يرون أن الشهور المقبلة ستكون فترة اختبار لمدى مقاومة العقارات البريطانية للتداعيات السالبة لجائحة " كوفيد 19"، أكثر من أنها فترة لعقد الصفقات العقارية.

ويتساءل البعض في لندن، حول حكمة فتح الوكالات العقارية أبوابها للزبائن في وقت لا يزال فيه النشاط الاقتصادي مغلقا وعما إذا كان ذلك سيكبد الوكالات المزيد من الخسائر.

في هذا الشأن، تساءل رئيس اتحاد وكالات العقارية المتخصصة في الإيجارات ببريطانيا، ديفيد كوكس، "هل هنالك حاجة لفتح أبواب الوكالات العقارية بينما لا يوجد مارة في الشوارع الرئيسية؟".
وغطت الآثار السالبة لجائحة كورونا على تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وكانت بعض الوكالات العقارية المسجلة للتداول في سوق لندن المالي قد عانت خلال الشهور الأخيرة من انهيار أسعار أسهمها بنسب تجاوزت 50%.

من بين هذه الشركات العقارية، وكالة فوكستون التي تراجع سعر سهمها بنسبة 60% من 95 بنساً في فبراير/ شباط الماضي إلى 39.6 بنساً في مايو/ آذار الجاري، وفقاً للبيانات التي نشرتها صحيفة" فاينانشيال تايمز". واضطرت وكالة فوكستون لاقتراض 22 مليون جنيه إسترليني لتفادي نفاد السيولة.

ويرى محللون عقاريون، أن سوق العقارات الفاخرة ستكون الأكثر تضرراً خلال العام الجاري بسبب غياب شريحة كبيرة من أثرياء منطقة الخليج والصين وروسيا الذين تأثرت ثرواتهم بجائحة كورونا وأزمة انهيار أسعار النفط خلال الشهور الماضية. وبالتالي من المتوقع أن تكون شهور الصيف فترة ترقب وانتظار في سوق المساكن الفاخرة بلندن، أكثر منها فترة شراء وعقد صفقات.

ورغم التشاؤم الذي يحيط بعالم العقار في لندن بسبب جائحة كوفيد، فإن خبراء يرون أن التداعيات السلبية على قطاع العقارات ستكون أقل من تلك التي حدثت في أعقاب الأزمة المالية العالمية التي اندلعت قبل 12 عاما.

ويرى خبير العقارات بوكالة "رايت موف"، مايلز شيبسايد أن تداعيات جائحة "كوفيد 19"على العقارات البريطانية، تختلف عما حدث من كساد لسوق المساكن والشقق في عام 2008 الذي شهد أزمة المال العالمية.

إذ إن انهيار أسعار المساكن في أعقاب 2008، حدث جزئياً بسبب الإجراءات الصارمة التي فرضها البنك المركزي البريطاني "بنك إنكلترا"، على المصارف التجارية، خاصة من جهة القروض العقارية التي تمنحها لمشتري العقارات والضمانات ومقدم الدفع الضخم المطلوب من المشتري.
وكانت بعض البنوك تطلب من المقترض الراغب في شراء مسكن وقتها دفع مقدم نقدي يراوح بين 40 إلى 50% من قيمة المسكن قبل الموافقة على القرض. وهذه مبالغ كبيرة كان من الصعب توفرها للموظف في بريطانيا. وهي خطوة أدت إلى كساد السوق العقاري وقتها.

وتواكبت هذه الخطوة المثبطة للنشاط العقاري وقتها مع نسبة الفائدة المصرفية المرتفعة وارتفاع كمية الشقق والمساكن المنزوعة من أصحابها ويعرضها أصحاب المزادات أسبوعياً بأسعار منخفضة لصائدي الصفقات العقارية الرخيصة.

وهذه العوامل أدت إلى كساد السوق العقاري في أعقاب أزمة المال العالمية. ولكن الخبير بشركة " رايت موف" شيبسايد، يرى أن هنالك عوامل إيجابية قد تدفع سوق العقارات البريطانية نحو التوازن خلال شهور في أعقاب فك الإغلاق، مقارنة بالظروف التي عاشتها العقارات بعد أزمة المال.

وقال إن من بين العوامل الإيجابية الداعمة للسوق في هذه الأزمة، أن أسعار الفائدة المصرفية منخفضة جداً وقريبة من الصفر في بريطانيا.

وهنالك توقعات أن الفائدة المنخفضة ربما ستستمر طوال السنوات الخمس المقبلة. وأضاف أن المصارف التجارية ستكون متساهلة جداً هذه المرة في منحها القروض العقارية، متسلحة في ذلك بالضمانات التي يوفرها "بنك إنكلترا" لتنشيط الدورة الاقتصادية وتشجيعه للإنفاق وزيادة حجم المشتريات.

لكن سيعتمد أي سيناريو لعودة النشاط العقاري لطبيعته على الدورة الاقتصادية ببريطانيا بعد جائحة كورونا التي تشير التوقعات حتى الآن أنها ستكون بطيئة. 
في هذا الشأن قال روبرت تشوت رئيس مكتب الميزانية البريطاني يوم الأحد، إن اقتصاد بريطانيا سوف يتعافى ببطء على الأرجح ولن ينتعش سريعاً بعد توقف الأنشطة التجارية بسبب فيروس كورونا.

وأضاف تشوت الذي يصدر مكتبه التوقعات الخاصة بالميزانية أن التصور الذي نشره المكتب الشهر الماضي ويُظهر انتعاشة سريعة كان الهدف منه توضيحي فقط لإظهار مدى تضرر المالية العامة.
دلالات
المساهمون