عادت نبرة "الاقتصاد المقاوم"، إلى تصريحات المسؤولين الإيرانيين، فيما تزايدت الاستعدادات لمواجهة أي عقوبات جديدة في ظل موقف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يميل للانسحاب من الاتفاق النووي، بينما تشهد الأسواق الإيرانية ارتباكاً، وسط قلق من عودة الصعوبات السابقة للاقتصاد.
وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني، في تصريحات على هامش مشاركته، اليوم الثلاثاء، في معرض للطاقة بالعاصمة طهران: "من المحتمل أن تحدث ظروف استئنائية في أي وقت، أي أن يأتي شخص ما إلى سدة الحكم في دولة ويخلق ظروفاً معينة، ومن المحتمل أن نواجه مشاكل لفترة شهرين أو ثلاثة لكننا سنعبر منها على أي حال".
ونقلت وكالة مهر للأنباء عن روحاني قوله: "ينبغي علينا الوقوف على أقدامنا، سواء تعرضنا للحظر أم لم نتعرض، وأن نحمل الأعباء على أكتافنا، فهذا الأمر ضروري ومهم لبلادنا". وأشار إلى أهمية صناعة النفط والغاز، باعتبارها تشكل قوة وطنية للبلاد على الصعيد الداخلي والخارجي والدبلوماسي، مضيفا أن "إيران لم تعتبر النفط قضية اقتصادية يوماً من الأيام بل هي مسألة سياسية بشكل أساسي".
وأكد ضرورة الاستفادة المثلى من الإمكانات وتحديث التكنولوجيا وإدارتها بصورة صحيحة، لافتا إلى أن إحدى مميزات النفط أنه قادر على استقطاب الاستثمارات أكثر من غيره من المجالات. وقال: "مصادرنا النفطية مشتركة في الكثير من الأماكن مع الدول الجارة ومن المهم جدا بالنسبة لشعبنا أن نسرع في توظيف الاستثمارات في هذه المجالات".
وفي 2015، وقعت إيران، مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (روسيا والولايات المتحدة وفرنسا والصين وبريطانيا) بالإضافة إلى ألمانيا، اتفاقًا حول برنامجها النووي.
وينص الاتفاق على التزام طهران بالتخلي لمدة لا تقل عن 10 سنوات، عن أجزاء حيوية من برنامجها النووي، وتقييده بشكل كبير، بهدف منعها من امتلاك القدرة على تطوير أسلحة نووية، مقابل رفع العقوبات عنها.
لكن الموقف الأميركي الأخير، أثار الكثير من القلق في الأوساط الاقتصادية في إيران، فيما يبدو أن طهران تحاول تحييد الجانب الأوروبي في محاولة للإبقاء على ما جرى التوصل إليه من اتفاقات تجارية واقتصادية على مدار العامين الماضيين.
وتشير تقارير اقتصادية، إلى أن الاقتصاد الإيراني حصد فوائد الاتفاق النووي بدرجة كبيرة، على الرغم من عقبات تطبيع العلاقات الإيرانية مع المصارف الغربية.
ووفق تقرير لصندوق النقد الدولي، في مارس/آذار الماضي، فإن الاقتصاد الإيراني شهد عودة قوية للنمو، في أعقاب رفع الحظر الغربي. وبالتالي، فإن العقبات أمام الاتفاق، حتى وإن كانت من الجانب الأميركي فقط، سيكون لها عواقب سيئة على النمو الاقتصادي في إيران.
ولم يقتصر الحديث عن الاقتصاد المقاوم على الساسة والقائمين على قطاعات الأعمال، وإنما دعا آية الله ناصر مكارم شيرازي المرجع الديني في ملتقى اقتصادي إلى "ضرورة اعتماد خطة الاقتصاد المقاوم"، واصفا هذه الخطة وفق ما نقلته وكالة أنباء فارس، أمس الإثنين بـ"الآلية الوحيدة القادرة على مواجهة الحرب الاقتصادية التي يشنّها الأعداء".
ونقل موقع وزارة النفط الإيرانية على الإنترنت عن مسؤولين كبار قولهم، إن صناعة النفط الإيرانية ستواصل تطورها، وإن طهران ستعتبر الاتفاق النووي سارياً ما دامت تستطيع بيع النفط.
لكن محللين في شركة "آر.بي.سي كابيتال ماركتس"، توقعوا انخفاض صادرات إيران بواقع 200 ألف إلى 300 ألف برميل يوميا نتيجة القيود الأميركية. وسجلت صادرات إيران من النفط والمكثفات نحو 2.6 مليون برميل يومياً في المتوسط خلال الفترة من 21 مارس/آذار 2017 حتى العشرين من الشهر ذاته 2018، وفق تقرير نشره موقع وزارة النفط في مارس/آذار.
وبرزت إيران من جديد كإحدى الدول الكبرى المصدرة للخام في يناير/كانون الثاني 2016، عندما جرى تعليق العقوبات الدولية بمقتضى الاتفاق النووي، حيث قال أمير زماني نيا، نائب وزير النفط الإيراني في تصريحات صحافية في فبراير/شباط الماضي إن بلاده تسعى إلى زيادة طاقتها الإنتاجية إلى 4.7 ملايين برميل يومياً خلال السنوات الأربع المقبلة، بزيادة تبلغ نحو مليون برميل يوميا عن المستويات الحالية.
ومنذ حديث ترامب في يناير/كانون الثاني الماضي، عن انسحاب أميركا من الاتفاق النووي، شهد الاقتصاد الإيراني مجموعة من العقبات، من بينها التراجع الكبير الذي شهده الريال من 42 ألفا مقابل الدولار الواحد إلى نحو 70 ألف ريال مقابل العملة الأميركية، بانخفاض يصل إلى 66.6%.
ودعت هذه الأجواء الحكومة إلى إصدار قرار في إبريل/نيسان الماضي بتحديد سعر الدولار بنحو 42 ألف ريال وصدور قرار قضائي يقضي بمحاسبة المخالفين.
وأكد محافظ البنك المركزي الإيراني ولي الله سيف، اتخاذ حزمة تدابير تحصن اقتصاد البلاد من الخلل إزاء أي خطوات أميركية، مشيرا إلى أن اقتصاد بلاده ماض وفق البرنامج المحدد.
وأشار سيف في حديث لوكالة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، نقلته وكالة أنباء فارس، اليوم الثلاثاء، إلى وفرة احتياطي العملات الأجنبية لتغطية استيراد السلع الأساسية والمواد الأولية للمصانع والمصاريف العائلية.
لكن الأسواق بدت مرتبكة خلال الأيام الماضية، وأغلقت غالبية محلات الصرافة أبوابها أو علّقت عملها، باستثناء تلك الموجودة في مكاتب إدارية داخل المباني وليست في شوارع رئيسة مكشوفة، وفق تقرير نشرته "العربي الجديد"، أمس، كما شهدت أسعار بعض السلع المستوردة ارتفاعا للضعف، وبدت محال الملابس والسلع المنزلية خاوية من الزبائن، وسط ترقب شديد للأيام المقبلة.