أكد وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني طارق الحموري، في مقابلة مع "العربي الجديد"، أن بلاده حريصة على تحفيز الاستثمارات، وأن الحديث عن هروب الأموال خلال الفترة الأخيرة غير دقيق، لكنه أشار إلى وجود صعوبات حقيقية يعانيها الاقتصاد.
وإلى نص المقابلة:
ـ تظهر العديد من المؤشرات، خاصة ما يتعلق بمعدلات النمو والبطالة والفقر، أن هناك مشكلات مستمرة يعانيها الاقتصاد الأردني منذ بضع سنوات، فما الذي اتخذتموه من إجراءات لمواجهة هذه التحديات؟
بالفعل، الأردن يعاني من العديد من التحديات، لكن الاضطرابات التي شهدتها وما تزال العديد من الدول العربية كان لها دور كبير في هذه التحديات التي ألقت بظلال سلبية على أداء الاقتصاد الأردني من مختلف الجوانب.
فقد تحمّل الأردن أعباء كبيرة نتيجة انحسار، بل وتوقف، صادراته لعدة سنوات إلى أهم أسواقه التقليدية، خاصة السوق العراقي، وتوقف تجارة الترانزيت التي كانت تمر من خلال الأراضي السورية، وكذلك توقف توريد الغاز المصري، الذي كنا نعتمد عليه لتوليد الكهرباء ما كلف شركة الكهرباء الوطنية الأردنية خسائر كبيرة بلغت أكثر من 8 مليارات دولار.
وكان لابد من اتباع سياسات اقتصادية تأخذ بعين الاعتبار كل هذه التحديات وغيرها، بما يساهم في تحقيق معدلات نمو قياساً إلى تلك التحديات والعمل على معالجة المشكلات الأساسية، خاصة البطالة والفقر.
وكان آخر تلك السياسات إطلاق الحكومة، خلال الأشهر الأخيرة، أربع حزم تحفيزية، استهدفت تحريك الوضع الاقتصادي من خلال دعم العديد من القطاعات المحركة للنمو والقادرة على توفير فرص العمل وتنشيط بيئة الأعمال، خاصة في قطاعات العقارات والصناعة والتجارة والسياحة وغيرها، إضافة إلى تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين وزيادة قدراتهم الشرائية، من خلال زيادة رواتب العاملين في الجهاز الحكومي والمتقاعدين، ما يؤدي أيضا إلى زيادة نشاط السوق التجاري.
ـ لكن هناك من يرى أن النتائج المحققة ما تزال متواضعة؟
حققنا نتائج جيدة خلال العام الماضي رغم التحديات المحلية والإقليمية، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي للأسعار الثابتة بنسبة 1.9 في المائة في نهاية الربع الثالث من 2019، مقارنة مع الفترة ذاتها من 2018.
وبلغت الصادرات الكلية ما قيمته 6.9 مليارات دولار خلال العشرة أشهر الأولى من العام الماضي، بنمو بلغت نسبته 8.6 بالمائة عن نفس الفترة من 2018، حيث بلغت قيمة الصادرات الوطنية 5.82 مليارات دولار، بارتفاع نسبته 8.2 بالمائة، في حين زادت قيمة السلع المعاد تصديرها بنسبة 10.7 بالمائة لتتجاوز المليار دولار.
أما الواردات، فقد سجلت 15.93 مليار دولار خلال العشرة أشهر الأولى من العام الماضي، بانخفاض بلغت نسبته 5.5 بالمائة، مقارنة مع الفترة المناظرة من 2018، وبذلك انخفض العجز في الميزان التجاري بنسبة 14 في المائة، ليبلغ نحو 10 مليارات دولار تقريباً.
كما حقق قطاع السياحة نمواً واضحاً، فيما تشير توقعات وزارة السياحة إلى ارتفاع الإيرادات لأكثر من 5.6 مليارات دولار بنهاية 2019، من خلال زيارة نحو 5.5 ملايين سائح.
ـ ما تحدثتم عنه من مؤشرات لا يتوافق كثيراً مع رؤية العديد من المستثمرين، فهناك من يشكو من تعقيد الإجراءات، كما أن هناك أنباء عن هروب رؤوس أموال إلى الخارج، فما تعليقكم؟
أنجزت الحكومة العديد من المتطلبات اللازمة لتحفيز البيئة الاستثمارية، وقد تم إصدار قانون جديد للاستثمار أنشئت بموجبه هيئة الاستثمار، ويجري العمل حالياً على إكمال مشروع رحلة المستثمر الذي سيعالج كافة المعيقات التي تواجه المستثمر وتسهل الإجراءات.
وتشتمل رحلة المستثمر على تعزيز وتطوير منظومة بدء الأعمال في الأردن لتبسيط الإجراءات التي يمر بها المستثمر منذ البدء بالعمل مروراً بعمليات التسجيل والترخيص وانتهاء بالخروج من النشاط، وتصميم وتنفيذ نافذة لتكون (نقطة اتصال واحدة) متكاملة عبر الإنترنت للوصول إلى تقديم الخدمات المتكاملة للمستثمر خلال العامين القادمين.
كما تم إلغاء الموافقات المسبقة لغايات تسجيل الأنشطة الاقتصادية مع 14 دائرة، بهدف الانتقال بجميع الموافقات المسبقة إلى اشتراطات لغايات التسجيل، وجار العمل أيضا على اعتماد التوثيق والتوقيع الإلكتروني.
وتم كذلك إصدار قانون الإعسار، بهدف إيجاد إطار تشريعي لمعالجة إعسار المدين، سواء كان شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً، وتشجيعه على تصويب وضعه المالي، وتمكينه من الخروج من حالة التعثر التي يتعرض لها، وتأمين آليات فاعلة للتعامل مع المدين المعسر.
وبالنسبة لما يتردد عن هروب استثمارات من الأردن، فهذا غير دقيق، فمن الطبيعي أن تغادر استثمارات إلى بلدان أخرى، وهذا موجود في كافة البلدان، والوضع لدينا ليس بالصورة التي يدّعيها البعض، وباستمرار نشهد ولادة استثمارات جديدة في مختلف القطاعات.
ونتوقع ولادة استثمارات مهمة خلال العام الحالي والسنوات اللاحقة، وتجري الترتيبات حالياً للإعلان عن مشاريع استثمارية كبرى وذات أهمية سينتج عنها ارتفاع في الصادرات وتوفير فرص عمل بأعداد كبيرة.
- هل هناك نتائج للحزم التحفيزية الأربع التي جرى إطلاقها خلال الأشهر الأخيرة؟
هذه الحزم جاءت في إطار أربعة محاور تتعلّق بتنشيط الاقتصاد الوطني وتحفيز الاستثمار والإصلاح الإداري والمالية العامة وتحسين المستوى المعيشي للمواطن وتحسين جودة الخدمات المقدّمة للمواطنين، ويجري تقييم أثرها. والحكومة ملتزمة ومستمرة في إطلاق المزيد من الحزم، بما يسهم في تنشيط الوضع الاقتصادي وتوفير فرص العمل والحد من البطالة، وصولاً إلى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
واستنادا إلى البيانات الصادرة مثلا عن دائرة الأراضي، وفق ما أعلنه رئيس الوزراء عمر الرزاز مؤخرا، فإنه بمقارنة الفترة من 21 أكتوبر/تشرين الأول إلى 19 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، فقد حقق قطاع العقارات نمواً بنسبة كبيرة منذ إطلاق الحزم التحفيزية، وكذلك زيادة النشاط التجاري، ونتوقع كذلك أن تواصل الصادرات نموها خلال العام الحالي.
ـ لكن هناك من يرى أن الشراكة مع القطاع الخاص بحاجة إلى دعم أكبر؟
الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص من الأولويات التي نركز عليها دائما، إيمانا بأهمية القطاع الخاص. فتحقيق التنمية وزيادة معدلات النمو لا تتم بمنأى عن هذا القطاع، الذي يلعب دوراً مهماً في مجمل النشاط الاقتصادي، من حيث توفير فرص العمل، والحد من مشكلة البطالة، وزيادة الصادرات، وتنشيط بيئة الأعمال، وغير ذلك.
وفي وزارة الصناعة والتجارة والتموين، لدينا حلقات حوار مستمرة ولقاءات في الميدان مع مختلف فعاليات القطاع الخاص، ويتم التشاور حول السياسات والقرارات والتشريعات الاقتصادية، وكذلك بحث المعيقات ومطالب كل قطاع والعمل على حلها.
ـ هل هناك مبادرات لتعزيز الصادرات وفتح أسواق جديدة؟
تم إعفاء أرباح الصادرات اعتباراً من العام الحالي، وذلك ضمن حوافز تشجيعية للأعوام المقبلة، بالإضافة إلى تأسيس شركة الصادرات الأردنية برأسمال موزع بين الحكومة والغرف الصناعية، بهدف تنشيط الصادرات وتمويل المشاريع الصغيرة والترويج الاستثماري.
وسيتم توحيد كافة الأنشطة المسؤولة عن الترويج ودعم الصناعة الوطنية تحت مظلة هذه الشركة، حتى لا يكون هناك تشتت في العمل، وضمان التنسيق، بما يحقق الغاية والفكرة من إنشاء هذه الشركة.
وتعمل الحكومة على توسيع قاعدة الأسواق التصديرية للمنتجات الأردنية نحو أسواق واعدة، من خلال تأطير علاقات الأردن التجارية مع عدد من الدول العربية والأوروبية وبعض الدول الأفريقية، حيث يتم العمل على هذا الأساس بالتنسيق مع القطاع الخاص، خاصة غرف الصناعة والتجارة.
ـ توصلتم مع العراق قبل نحو عام إلى تفاهمات لتعزيز التعاون الاقتصادي، لكن النتائج متواضعة جداً، فما السبب؟
نأمل خلال الفترة المقبلة تطوراً واضحاً في مستوى التعاون مع العراق، حيث تولي الحكومة أولوية لتسهيل نفاذ المنتجات الوطنية إلى الجانب العراقي، لينعكس بشكل مباشر على الصناعي والمُصدر الأردني.
والظروف التي مر ولا يزال يمر بها العراق، حالت دون العودة بمستوى التبادل التجاري إلى سابق عهده، لكن نتوقع أن تتحسن الأمور في الفترة المقبلة. وخلال 2019 حققت العلاقات التجارية المتبادلة قفزات نوعية، تمثلت في تخفيض العوائق الفنية أمام انسياب البضائع بين الجانبين، أهمها بدء العمل بنظام النقل (Door to Door) للسلع والبضائع سريعة التلف والمنتجات النفطية بين البلدين، كذلك السماح لشاحنات البلدين بالدخول فارغة من دون الحاجة إلى تصاريح، والاتفاق على تسهيل منح السائقين تأشيرات لمدة ستة أشهر ولعدة سفرات لسائقي الشحن في البلدين، إضافة إلى إعفاء واردات العراق من خلال ميناء العقبة بما نسبته 75 في المائة من الرسوم.
كما تم الاتفاق على تفعيل قرار مجلس الوزراء العراقي المتخذ عام 2017 القاضي بتنفيذ إعفاءات جمركية للكثير من السلع الأردنية، والعمل مستمر على تقديم مقترحات لتجاوز العقبات التي تواجه انسياب السلع والخدمات بين البلدين، فضلا عن إنشاء المنطقة الصناعية المشتركة على حدود البلدين.