ثلاثة مخاطر تهدد أسواق المال... بينها مستقبل ترامب

31 اغسطس 2018
نيويورك عاصمة المال تترقب مفاجآت ترامب (Getty)
+ الخط -







يرى خبراء ومصرفيون أن هنالك ثلاثة مخاطر تهدد أسواق المال، خلال الفترة المقبلة، أكبرها النزاع التجاري مع الصين الذي يتحول تدريجياً إلى صراع "نفوذ جيوسياسي"، أكثر منه نزاعاً تجارياً، وذلك إضافة إلى مستقبل بقاء الرئيس دونالد ترامب في الحكم، وتأثير الدولار القوي على الاقتصاديات الناشئة.

وحسب خبراء، فإن أسواق المال لا تصدق بعد، احتمال رفع قضايا قانونية تنتهي إلى عزل الرئيس ترامب، ولكن تزايد حجم الديون العالمية وحدوث اضطراب في أسواق المال الناشئة في حال تواصل قوة الدولار، ربما يكون الخطر الذي سيفاجئ المستثمرين، وسط هروب الدولارات من الشركات والدول في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية.


بالنسبة لمستقبل ترامب، فإن مخاوف أصحاب الثروات لا تنصب على الشق الاقتصادي والنقدي من سياسات إدارته، لأن معظم خبراء المال والاقتصاد يرون أن السياسات التي كانت ترغب فيها الشركات قد نفذت حتى الآن، وأن عزله ربما يكون بداية لنهاية الحروب التجارية.

وبالتالي، فمخاوف المستثمرين تتركز على الجانب السياسي والأمني، واحتمال أن يؤدي العزل إلى حدوث اضطرابات في أميركا يحركها اليمين المتطرف الذي يدعم سياسات الحروب التجارية والهجرة وخروج أميركا من المؤسسات الدولية.

كما يتخوفون كذلك من أن يكون عزله مقدمة لصعود الديمقراطيين إلى الحكم، وعودة التشريعات المقيدة لحركة المصارف والشركات.

أما على الصعيد الاقتصادي والنقدي، فيرى الخبراء، أن عزل ترامب لن يؤثر كثيراً على سوق المال، كما زعم قبل أيام. وكان الرئيس ترامب قد قال، في لقاء مع قناة "فوكس نيوز"، الأسبوع الماضي، إن عزله سيقود إلى انهيار سوق المال الأميركي الذي ارتفع إلى مستويات غير مسبوقة في عهده.

في هذا الصدد، يرى البروفسور في علم الاقتصاد والقانون بجامعة شيكاغو، تود هندرسون، أن أسواق المال لم تتأثر بإدانة هيئة المحلفين للمدير السابق لحملة ترامب الانتخابية، بول مانافورت، بـ "الاحتيال" وجرائم مالية أخرى، واعتراف مايكل كوهين، المحامي الشخصي السابق لترامب، بأنه مذنب في سلسلة من التهم الجنائية، بما في ذلك انتهاكات تمويل الحملات الانتخابية التي قال إنه نفذها بالتنسيق مع ترامب.

وقال البروفسور هندرسون، في تعليقات على موقع قناة "سي إن إن" الأميركية، إن ذلك يشير إلى أن أسواق المال لا تصدق أن الرئيس ترامب سيعزل أو أن عزله لن يكون له تأثير مطلقاً على الأعمال التجارية في أميركا.
ومن هذا المنطلق، يلاحظ أن مؤشرات سوق وول ستريت واصلت الارتفاع. كما أشار الخبير هندرسون إلى أن المستثمرين يرون أن عزل ترامب سيكون مفيداً للأعمال التجارية، لأن من يأتي بديلاً له هو نائبه جورج بنس.

من جانبه، يرى عميد شعبة الاقتصاد في كلية "هولي كروس"، روب بومان، في تعليقات لقناة "سي إن بي سي"، أن ترامب قد نفذ السياسات الاقتصادية التي يريد تنفيذها، وأن الشركات قد استفادت منها، وأن عزله سيكون في صالح السوق المالي، لأن نهايته ستقضي على النزاعات التجارية.

ويقول في هذا الصدد "أشك في أن عزل ترامب سيؤثر كثيراً في الاقتصاد أو أسواق المال، لأن نائبه بنس سيصبح الرئيس، ومن غير المتوقع أن يغير كثيراً في السياسة النقدية". ويضيف "عزل ترامب سيرفع عبئاً ثقيلاً عن كاهل الشركات الأميركية التي تعاني من حروبه التجارية".

ويرى العديد من كبار المستثمرين في سوق وول ستريت، أن ترامب فعل ما تريده الشركات، وهو خفض الضرائب وإلغاء التشريعات المقيدة لقطاع المال. وكان هذا سبباً رئيسياً في الارتفاع المستثمر لمؤشر داو جونز والمؤشرات الأخرى في السوق الأميركية.

ويقول المستثمر بريان دي كوست، في ذات الصدد، إن عزله سينهي الحروب التجارية التي أضعفت ربحية الشركات. وتعاني العديد من الشركات الأميركية، خاصة شركات التقنية، من خسران السوق الصيني الضخم في حال استمرار الحرب التجارية الشرسة التي يشعلها ترامب حالياً ضد الصين.


أما يقلق السوق الأميركية، فهو تطور الحرب التجارية مع الصين التي تعد من أكبر الأسواق الاستهلاكية في العالم، حيث يتواجد بها أكثر من مليار نسمة. ومن المتوقع أن يعلن ترامب، خلال الأسبوع المقبل، عن رفع الضرائب على بضائع صينية قيمتها 200 مليار دولار.

أما خبيرة السياسة النقدية الأميركية، دي ما تينو بوث، فترى أن الخطر الأكبر الذي يواجه أسواق المال العالمية هو رفع نسبة الفائدة الأميركية وتأثير ذلك على قوة الدولار، وارتفاع أقساط الديون التي سيدفعها المقترضون في أميركا وخارجها.

وتعتقد الخبيرة بوث، في مقابلة متلفزة مع موقع "يو إس إيه ووتش دوع" الأميركية، أن مشكلة الديون العالمية التي ارتفعت إلى 250 ترليون دولار تمثل خطراً للمستثمرين في حال زيادة الفائدة الأميركية مرتين. وتقول إن هذه الأزمة يمكن أن تنفجر في أية لحظة وتعجز شركات ودول عن الإيفاء بالتزاماتها المالية.

ويذكر أن الديون العالمية كانت في عام أزمة المال تبلغ 170 ترليون دولار فقط. وترى بوث، أن رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي "البنك المركزي الأميركي"، جيروم بأول، سيرفع الفائدة، بغض النظر عما يحدث في السياسة، وعما إذا كان ترامب سيعزل أم لا.

ويشكل تواصل قوة الدولار وتأثيره السلبي على النمو الاقتصادي في الأسواق الناشئة، قلقاً للبنوك الأميركية والأوروبية التي زادت من إقراضها للدول الناشئة في سنوات حصولها على الأموال المجانية من البنك المركزي الأميركي. وكانت العديد من الدول الناشئة استدانت بكثافة في سنوات "الفائدة الصفرية" التي تلت أزمة المال. وستضطر هذه الدول إلى دفع فوائد أعلى حالياً في ظل الدولار القوي الذي لا تملكه.

فالدولار القوي سلاح ذو حدين بالنسبة للنفوذ الأميركي، فمن الناحية الإيجابية يزيد من جاذبية أدوات المال الأميركية، وعلى رأسها سندات الخزانة الأميركية طويلة الأجل، التي تعتبر من الأكثر مبيعاً في مزادات وزارة الخزانة الأميركية. ويعدّ الإقبال على هذه السندات مهماً جداً لواشنطن التي تفوق ديونها السيادية 20 ترليون دولار وتعتمد بقوة على الاستدانة لتمويل العجز في ميزانية 2019 الذي يقدّر بقرابة ترليون دولار.

ومن ناحية ثانية، فإن الدولار القوي يشكّل أزمة بالنسبة للصادرات الأميركية، إذ إنه يضعف من تنافسيتها في أسواق العالم، إذ يجعل البضائع الأميركية التي تباع بالدولار أغلى من منافساتها الأوروبية التي تباع باليورو الرخيص أو الصينية التي تباع باليوان الذي يتدهور يوماً بعد يوم، في وقت يمتنع فيه البنك المركزي الصيني عن دعمه.

وعلى صعيد النفوذ السياسي، فإنه الدولار القوي يضعف النفوذ الأميركي عالمياً ويزيد من التمدد الجيوسياسي الصيني، خاصة في دول الاقتصادات الفقيرة والاقتصادات الناشئة.

فالدولار القوي يشكّل أزمة مالية في هذه الدول، ثم احتجاجات شعبية على الغلاء، لتتحوّل تدريجياً إلى أزمة سياسية. وبالتالي، فإن الدولار القوي يرفع من معدل التضخم ويزيد من خدمة الديون السيادية في العديد من اقتصادات العالم، ثم يدفع تدريجياً العديد من هذه الدول إلى الارتماء في أحضان الصين ضمن رحلة البحث عن طوق للنجاة من الاضطرابات الشعبية.

ويلاحظ أن الدولار تراجع قليلاً في تعاملات أمس الخميس، في ظل انحسار مخاوف الصراعات التجارية، لكن الخسائر جاءت محدودة بفعل تدني التداولات المعتاد نهاية الشهر. وظل مؤشر العملة الأميركية عند أدنى مستوياته في شهر، حيث بلغ 94.52، مع مراهنة المستثمرين على أن اتفاق تجارة مرجحا بين الولايات المتحدة وكندا سيقلص تدفقات الأموال على الدولار التي كانت مدفوعة في الأيام الأخيرة ببواعث القلق من تصاعد في النزاع التجاري.
المساهمون