في إطار الضغط الأميركي على الصين، واستمراراً للحروب التجارية بين الاقتصادين الأكبرين في العالم، فرضت الإدارة الأميركية يوم الجمعة الماضي قيوداً جديدة على صادرات قطاع التكنولوجيا المتقدمة، تمنع عملياً بيع منتجات القطاع لخمس من أكبر الشركات الصينية، المتخصصة في تقديم خدمات الجيل التالي من الحوسبة العالية الأداء.
وفي نفس الاتجاه، خفضت وزارة التجارة الأميركية عدد تصاريح العمل التي تمنحها للمواطنين الصينيين الراغبين في العمل لدى شركات التكنولوجيا الأميركية، العاملة في المشاريع الهندسية المتقدمة.
وعللت الإدارة الأميركية الخطوات التصعيدية، التي تأتي في أعقاب فرض عقوبات مشابهة على عملاق التكنولوجيا الصيني هواوي، بأنها تهدف لحماية التكنولوجيا الأميركية المتقدمة من السرقة بواسطة الشركات والمواطنين الصينيين.
لم يبال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أعلن قبل أيام قليلة تدشين حملته للترشح لفترة رئاسية أخرى في انتخابات 2020، بما يمكن أن تتسبب فيه قرارات إدارته الأخيرة من تعثر مباحثاته مع الرئيس الصيني شي جين بينغ الأسبوع القادم في اليابان، واستمر في الضغط بكل الأدوات المتاحة لديه، من أجل إجبار العملاق الصيني على الرضوخ لشروطه.
اقــرأ أيضاً
ومن ناحيةٍ أخرى، لم يهتم ترامب بالتأثيرات السلبية للقرارات الأخيرة، وما سبقها من قرارات تحت عنوان الضغط على الصين، على الشركات والمواطنين الأميركيين، إذ تعتبر الشركات الصينية أكبر عملاء مصنعي منتجات التكنولوجيا الأميركيين، كما غيرها من المنتجات الأميركية، في مختلف النشاطات الاقتصادية في الولايات المتحدة.
اعتمد ترامب على النجاحات "المبهرة" التي حققها الاقتصاد الأميركي خلال العامين الماضيين، إذ واصلت سوق الأسهم الأميركية تسجيلها مستويات غير مسبوقة، وواصل الاقتصاد انتعاشه للعام العاشر على التوالي، ولو استمر الانتعاش خلال يونيو/ حزيران الحالي، فسيسجل الاقتصاد الأميركي أطول فترة انتعاش في تاريخه، منذ بدء تسجيل المكتب الوطني لبحوث الاقتصاد لبيانات النمو عام 1854، كما انخفضت البطالة في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى لها في ما يقرب من نصف قرن.
اعتبر ترامب أن سياساته الاقتصادية كانت وراء تلك الإنجازات، ونسي أو تناسى التغيرات التي طرأت على الاقتصاد العالمي بفعل الابتكارات التكنولوجية الحديثة، وانفتاح الاقتصاد الصيني على العالم وتشابكه مع الاقتصاد الأميركي، وتطور وتعقد سلاسل التوريد للسلع الوسيطة، وتطور صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة بصورة أفقدت سوق النفط العالمية تأثيرها على الاقتصاد الأميركي، الأمر الذي ساهم في تأخر دخول الاقتصاد في ركود، واستمرار انتعاشه طوال تلك الفترة.
لكن واقع الأمر يشير إلى ظهور علامات تباطؤ الاقتصاد الأميركي، واقترابه من الركود، حتى إن جيرومي باول، رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، أشار إلى ذلك في بيانه بعد اجتماعات البنك الأسبوع الماضي، وأكد أن البنك الفيدرالي مستعد للتدخل إذا استدعى الأمر، أو ظهرت علامات تباطؤ الاقتصاد بصورة أكثر وضوحاً.
وترجمت أسواق المال في الولايات المتحدة، وعواصم المال الأخرى حول العالم، بيان البنك باعتباره تمهيداً لتخفيض معدلات الفائدة الأميركية قبل نهاية العام الحالي، وهو الموعد الذي يتوقع أغلب المحللين أن يشهد الاقتصاد الأميركي فيه الركود الذي طال انتظاره.
وفي مارس/ آذار الماضي، أعلن ترامب خطة لتعويض المزارعين الأميركيين المتضررين مما ترتب على فرضه تعريفات جمركية على المنتجات الصينية الواردة للولايات المتحدة، بقيمة تقدر بنحو 16 مليار دولار.
ويأتي هذا المبلغ بخلاف ما قدمه لهم ترامب العام الماضي، وتقدر قيمته بنحو 12 مليار دولار لنفس السبب، الأمر الذي يوضح حجم الأضرار التي تحملها الاقتصاد الأميركي من التعريفات التي فرضت على الصين.
وهذه المرة، ربما يلجأ ترامب لتعويض شركات تصنيع التكنولوجيا المتقدمة، إذ تسبب القرارات الأخيرة مشكلات كبيرة للعديد منها.
وعلى سبيل المثال، حصلت شركة آنتل الأميركية، ثاني أكبر مُصَنِّع لأشباه الموصلات في العالم، على أكثر من ربع إيراداتها الإجمالية، العام الماضي، من مبيعاتها في السوق الصينية، وتتوقع شركة AMD الأميركية أيضاً أن تضيف مبيعاتها للشركات الصينية ما لا يقل عن 600 مليون دولار لإيراداتها السنوية، وهو ما قد يسمح لها بالعودة إلى تحقيق الربحية، كما تستحوذ الصين على خمس مبيعات نفيديا الأميركية، التي تصمم وحدات معالجة الرسوم البيانية للألعاب وللأعمال على حدٍ سواء.
ومع طول فترات الانتعاش، تزداد عادةً قوة الركود الذي يليها، وخاصة مع ارتفاع معدلات الاقتراض الذي يحدث دائماً في فترات الانتعاش. والعام الحالي، بلغت نسبة ديون الشركات الأميركية، من غير المؤسسات المالية، إلى الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، وهي النسبة التي تستمر في الصعود في فترات الانتعاش، حتى يضرب الركود الاقتصاد، ما يقرب من 46%.
ولو أخذنا في الاعتبار النتائج المتوقعة لاستمرار سياسة العناد بين الولايات المتحدة والصين، والتوسع في فرض التعريفات والعقوبات، فلن تكون هناك خطوة تالية إلا أن يقوم مستثمرو أسواق المال الأميركية بترجمة النتائج السلبية إلى انخفاض في أسعار أسهم الشركات، وهو ما يتوقع أن يكون بداية ضرب الركود للاقتصاد الأميركي. ومع محدودية البدائل المتاحة لصناع السياسة النقدية في الولايات المتحدة، فقد تكون التأثيرات السلبية موجعة، أكثر مما يتوقع ترامب.
اقــرأ أيضاً
ويتمنى البيت الأبيض أن يظل الانتعاش على الأقل حتى انتهاء انتخابات 2020، لكن مع عدم وجود إمكانية لتخفيض معدلات الفائدة بصورة كبيرة، وانحسار تأثير الإعفاءات الضريبية التي تم إقرارها مطلع العام الماضي، وضعف احتمالات موافقة الكونغرس على زيادة الإنفاق الحكومي بصورة كبيرة مرة أخرى، وخاصةً مع وصول الدين العام الأميركي إلى أعلى مستوياته في التاريخ، متجاوزاً 22 تريليون دولار، ربما تكون النتيجة الحتمية هي اتخاذ الرئيس الأميركي قراراً ببدء حرب هنا أو هناك، وهو القرار الذي تُعدّ إيران أقرب المرشحين لتحمل تبعاته، من أجل صبّ بعض الوقود المطلوب في الاقتصاد الأميركي، في واحدة من أبشع صور تخلف الحضارة الإنسانية، التي أصبحنا نعاني منها مؤخراً.
وفي نفس الاتجاه، خفضت وزارة التجارة الأميركية عدد تصاريح العمل التي تمنحها للمواطنين الصينيين الراغبين في العمل لدى شركات التكنولوجيا الأميركية، العاملة في المشاريع الهندسية المتقدمة.
وعللت الإدارة الأميركية الخطوات التصعيدية، التي تأتي في أعقاب فرض عقوبات مشابهة على عملاق التكنولوجيا الصيني هواوي، بأنها تهدف لحماية التكنولوجيا الأميركية المتقدمة من السرقة بواسطة الشركات والمواطنين الصينيين.
لم يبال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أعلن قبل أيام قليلة تدشين حملته للترشح لفترة رئاسية أخرى في انتخابات 2020، بما يمكن أن تتسبب فيه قرارات إدارته الأخيرة من تعثر مباحثاته مع الرئيس الصيني شي جين بينغ الأسبوع القادم في اليابان، واستمر في الضغط بكل الأدوات المتاحة لديه، من أجل إجبار العملاق الصيني على الرضوخ لشروطه.
اعتمد ترامب على النجاحات "المبهرة" التي حققها الاقتصاد الأميركي خلال العامين الماضيين، إذ واصلت سوق الأسهم الأميركية تسجيلها مستويات غير مسبوقة، وواصل الاقتصاد انتعاشه للعام العاشر على التوالي، ولو استمر الانتعاش خلال يونيو/ حزيران الحالي، فسيسجل الاقتصاد الأميركي أطول فترة انتعاش في تاريخه، منذ بدء تسجيل المكتب الوطني لبحوث الاقتصاد لبيانات النمو عام 1854، كما انخفضت البطالة في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى لها في ما يقرب من نصف قرن.
اعتبر ترامب أن سياساته الاقتصادية كانت وراء تلك الإنجازات، ونسي أو تناسى التغيرات التي طرأت على الاقتصاد العالمي بفعل الابتكارات التكنولوجية الحديثة، وانفتاح الاقتصاد الصيني على العالم وتشابكه مع الاقتصاد الأميركي، وتطور وتعقد سلاسل التوريد للسلع الوسيطة، وتطور صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة بصورة أفقدت سوق النفط العالمية تأثيرها على الاقتصاد الأميركي، الأمر الذي ساهم في تأخر دخول الاقتصاد في ركود، واستمرار انتعاشه طوال تلك الفترة.
لكن واقع الأمر يشير إلى ظهور علامات تباطؤ الاقتصاد الأميركي، واقترابه من الركود، حتى إن جيرومي باول، رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، أشار إلى ذلك في بيانه بعد اجتماعات البنك الأسبوع الماضي، وأكد أن البنك الفيدرالي مستعد للتدخل إذا استدعى الأمر، أو ظهرت علامات تباطؤ الاقتصاد بصورة أكثر وضوحاً.
وترجمت أسواق المال في الولايات المتحدة، وعواصم المال الأخرى حول العالم، بيان البنك باعتباره تمهيداً لتخفيض معدلات الفائدة الأميركية قبل نهاية العام الحالي، وهو الموعد الذي يتوقع أغلب المحللين أن يشهد الاقتصاد الأميركي فيه الركود الذي طال انتظاره.
وفي مارس/ آذار الماضي، أعلن ترامب خطة لتعويض المزارعين الأميركيين المتضررين مما ترتب على فرضه تعريفات جمركية على المنتجات الصينية الواردة للولايات المتحدة، بقيمة تقدر بنحو 16 مليار دولار.
ويأتي هذا المبلغ بخلاف ما قدمه لهم ترامب العام الماضي، وتقدر قيمته بنحو 12 مليار دولار لنفس السبب، الأمر الذي يوضح حجم الأضرار التي تحملها الاقتصاد الأميركي من التعريفات التي فرضت على الصين.
وهذه المرة، ربما يلجأ ترامب لتعويض شركات تصنيع التكنولوجيا المتقدمة، إذ تسبب القرارات الأخيرة مشكلات كبيرة للعديد منها.
وعلى سبيل المثال، حصلت شركة آنتل الأميركية، ثاني أكبر مُصَنِّع لأشباه الموصلات في العالم، على أكثر من ربع إيراداتها الإجمالية، العام الماضي، من مبيعاتها في السوق الصينية، وتتوقع شركة AMD الأميركية أيضاً أن تضيف مبيعاتها للشركات الصينية ما لا يقل عن 600 مليون دولار لإيراداتها السنوية، وهو ما قد يسمح لها بالعودة إلى تحقيق الربحية، كما تستحوذ الصين على خمس مبيعات نفيديا الأميركية، التي تصمم وحدات معالجة الرسوم البيانية للألعاب وللأعمال على حدٍ سواء.
ومع طول فترات الانتعاش، تزداد عادةً قوة الركود الذي يليها، وخاصة مع ارتفاع معدلات الاقتراض الذي يحدث دائماً في فترات الانتعاش. والعام الحالي، بلغت نسبة ديون الشركات الأميركية، من غير المؤسسات المالية، إلى الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، وهي النسبة التي تستمر في الصعود في فترات الانتعاش، حتى يضرب الركود الاقتصاد، ما يقرب من 46%.
ولو أخذنا في الاعتبار النتائج المتوقعة لاستمرار سياسة العناد بين الولايات المتحدة والصين، والتوسع في فرض التعريفات والعقوبات، فلن تكون هناك خطوة تالية إلا أن يقوم مستثمرو أسواق المال الأميركية بترجمة النتائج السلبية إلى انخفاض في أسعار أسهم الشركات، وهو ما يتوقع أن يكون بداية ضرب الركود للاقتصاد الأميركي. ومع محدودية البدائل المتاحة لصناع السياسة النقدية في الولايات المتحدة، فقد تكون التأثيرات السلبية موجعة، أكثر مما يتوقع ترامب.