وتتعدد الأسباب التي تدفع عدداً كبيراً من اللبنانيين إلى رفض الحكومة الجديدة، منها ما هو سياسي، ربطاً بعدم تمثيل عدد من الأحزاب الوازنة بسبب الخلافات على المحاصصات الطائفية والسياسية للمقاعد الوزارية، فيما يؤكد عدد من المشاركين في "انتفاضة 17 تشرين" أن الرفض أساسه عدم اختيار وزراء مستقلين عن الأحزاب من جهة، وضعف خبرة الوزراء الذين تسلموا حقائب اقتصادية من جهة أخرى، لإخراج لبنان من أزمة مالية ونقدية، هي الأسوأ في تاريخه.
أولى الانتقادات طاولت وزير المالية الجديد غازي وزني، وهو كان مستشاراً مالياً لوزير المالية السابق علي حسن خليل، وتابع لحركة أمل التي تسيطر عبر رئيسها نبيه بري على رئاسة البرلمان منذ 28 عاماً.
وآخر تصريحات وزني "الاستفزازية"، حسب الشارع، كانت الثلاثاء بعد تعيينه، حين أعلن أن "انخفاض سعر الدولار إلى ألفي ليرة دليل على أن الناس تمنح الثقة للحكومة".
ومن خلال متابعة الأزمة النقدية في لبنان، يتبيّن أنّ هذا التصريح، غير واقعي، إذ إنّ تراجع سعر الصرف جاء بضغط من مصرف لبنان، وحصل بعدما أعلنت نقابة الصرافين في بيان تثبيت سعر الدولار عند ألفي ليرة ظهر الثلاثاء، قبل إعلان الحكومة الجديدة مساءً.
وزير المالية الجديد يثير الجدل
وقال بيان نقابة الصرافين إن "مجلس النقابة قرر بالتوافق مع حاكم مصرف لبنان "المركزي" رياض سلامة، إعلان سعر شراء الدولار بألفي ليرة لبنانية كحد أقصى والتقيد به من قبل الصرّافين المرخصين بدءاً من صباح نهار الأربعاء، تحت طائلة إلحاق العقوبات الإدارية والقانونية بالمخالفين من قبل السلطات المعنية"، ليتجه بذلك لبنان - وفق التفسير الاقتصادي للسوق - نحو ثلاثة أسعار للدولار: الأول رسمي بسعر 1507 ليرات، والثاني لدى الصرافين المرخصين بسعر ألفي ليرة، والثالث سيكون الأعمّ لدى الصرافين غير المرخصين، وسيصل إلى مستويات مرتفعة وفق العرض والطلب. ولا يستبعد ألّا يلتزم الصرافون المرخّصون سعرَ "المركزي"، أمام موجة تجفيف الدولار من السوق، بعد حجبه من قبل المصارف التجارية ووضع سقوف قسرية للسحب منذ أكثر من ثلاثة أشهر، إضافة إلى ضخ المصرف المركزي المزيد من العملة المحلية في السوق، ما سيساهم في انهيار الليرة.
وتناقل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات لوزني، في عز الأزمة النقدية في لبنان في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حين قال إن حاكم مصرف لبنان "مستمر في سياسة تثبيت الاستقرار النقدي، ولديه القدرة على حماية هذا الاستقرار"، لافتاً إلى أن "احتياطي مصرف لبنان يصل إلى 38 مليار دولار، وهو كافٍ لتأمين الاستقرار النقدي".
وأنكر وزني في أيلول/ سبتمبر وجود أسباب لحصول أزمة نقدية، معتبراً أنها "مفتعلة"... وغيره من التصريحات التي تدفع إلى التشكيك في قدرته على إدارة أزمة كبرى يواجهها لبنان، فيما لم ينتقد السياسات النقدية والمالية التي أدت إلى حصولها، تمهيداً لاقتراح بدائل.
وقال وزير المالية اللبناني الجديد غازي وزني، مساء الثلاثاء بعد تعيينه، إن الأزمة المالية والنقدية التي تشهدها البلاد حالياً "غير مسبوقة". وذكر وزني في تصريحات تلفزيونية، أن أزمة السوق المحلية بحاجة إلى جهود داخلية وخارجية لتجاوزها، "لأن الاستمرار في الأزمة يعني أننا نتجه إلى الإفلاس".
وشدد وزني على ضرورة الحصول على دعم مستعجل من الخارج، إلى جانب وجود استحقاقات مالية بعد شهرين تتمثل باستحقاق "اليوروبوند" بقيمة 1.2 مليار دولار. وتابع قائلاً إن "الأزمة الحالية دفعت أصحاب الودائع إلى الوقوف أمام البنوك للحصول على أموالهم، وهذا ناتج من خوفهم من الأوضاع الحالية، وبالتالي خشيتهم على ودائعهم".
ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، احتجاجات شعبية أجبرت حكومة سعد الحريري على الاستقالة، في التاسع والعشرين من الشهر ذاته. ويطالب المحتجون بحكومة اختصاصيين غير حزبيين قادرة على معالجة الوضعين السياسي والاقتصادي.
وزير الاقتصاد من رحم المصارف
كذا، طاولت انتقادات الناشطين وزير الاقتصاد الجديد راوول نعمة. إذ في ظل الغضب الكبير الذي ينصبّ على المصارف التجارية نتيجة احتجاز أموال اللبنانيين والودائع الصغيرة والمتوسطة من دون أي سند قانوني أو دستوري، وفي ظل النقمة على القطاع المصرفي باعتباره فشل في الحفاظ على أموال اللبنانيين، عُيِّن نعمة وزيراً للاقتصاد، في حين أنه يشغل منصب المدير العام التنفيذي لبنك البحر المتوسط منذ منتصف عام 2018.
ويشغل نعمة رئاسة مجلس الإدارة التنفيذية لدى AstroBank Ltd (قبرص)، وهو بنك يضم بين مساهمين أولاد النائب جميل السيد، الذي يعتبر من أزلام النظام السوري في لبنان، وكذا يظهر بين المساهمين رئيس بنك الموارد مروان خير الدين، الذي يثير الكثير من الجدل بسبب تشدد مصرفه في خفض سقف سحوبات اللبنانيين إلى حدود متدنية جداً، إضافة إلى اتهامه من قبل الناشطين بأنه يقتل الحيوانات النادرة في سبيل المتعة.
كذا شغل نعمة منصب المدير العام لدى البنك اللبناني للتجارة، وعضوية مجلس إدارة USB Bank (قبرص).
ويعتبر نعمة مقرباً من علاء الخواجة، وهو متمول أردني - مصري مثير للجدل في لبنان، ومقرَّب من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري.
وزير الطاقة وصفقات البواخر المشبوهة
كذا يعتبر وزير الطاقة الجديد ريمون غجر، من الأسماء المثيرة للجدل وللشبهات في آن واحد، حسب متظاهرين. إذ إن غجر كان مستشاراً في وزارة الطاقة والمياه منذ عام 2008، وكان من مهندسي صفقة البواخر التركية، التي تشوبها الكثير من التساؤلات، التي استهدفها عدد من المسؤولين، معتبرين أنها صفقة سمسرات.
ويُعَدّ غجر من المقربين من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، علماً بأن التيار يتسلّم وزارة الطاقة منذ 12 عاماً، وأنفق مليارات الدولارات على مؤسسة الكهرباء ومشاريع أخرى لوزارة الطاقة، وبينها البواخر وشركات تقديم الخدمات، إلا أن أيّاً من هذه المشاريع لم يؤد إلى حصول اللبنانيين على الكهرباء 24/24 ساعة، فيما يعانون التقنين القاسي منذ سنوات طويلة.
وقال الوزير السابق جمال الجراح، في آذار/ مارس 2012: "لباسيل سجل حافل بالصفقات، وإصراره على صفقة البواخر يؤكد تورطه بصفقة مشبوهة". فيما أكد النائب سامي الجميّل، في نيسان/ إبريل من العام ذاته أن عمولة بواخر الكهرباء كانت 60 مليون دولار.
وكذا، في نيسان/ إبريل 2019، أكد الوزير السابق أشرف ريفي، أن قصة بواخر جبران باسيل تصلح لأن تدخل في كتاب غينيس لجهة حجم الفساد، ولجهة الخروج على القانون واحتقار للهيئات المعنية، من إدارة المناقصات، أو هيئات الرقابة من التفتيش المركزي إلى ديوان المحاسية. وكلَّفت البواخر 755 مليون دولار في السنوات الخمس الأولى من عام 2012 حتى عام 2017.
وكان النائب محمد قباني قد أعلن في إبريل 2017، أن "تلزيم بواخر الكهرباء غير شفاف".
وأشار إلى "أننا قلنا إن للشركة مشاكل كبيرة في باكستان والعراق. لم يأبه أحد. جرى التلزيم، ثم تبين أنْ لا مال لموضوع المراقبة، فطلبت الوزارة من المقاول كارادنيز أن يدفع لمكتب المراقبة، وبالتالي تولت شركة البواخر عملية تلزيم المراقبة".
وزير الزراعة: قضايا تهريب؟
إلى وزير الزراعة والثقافة عباس مرتضى، وهو مسؤول سابق للشؤون البلدية والاختيارية في إقليم البقاع في حركة أمل، ويقول عدد من أبناء البقاع، إن مرتضى من أكبر تجار المازوت في المنطقة.
وأثار دمج وزارتي الثقافة بالزراعة موجة سخرية واسعة بين اللبنانيين، لجهة عدم التناسق ما بين الوزراتين، فيما مرتضى حائز ماجستير في الحقوق، ما يعني أنه بعيد حتى عن الاختصاصين اللذين سيكون مسؤولاً عن إدارتهما. فيما يعتبر القطاع الزراعي من الانشغالات الأساسية للبنانيين حالياً، وسط مخاوف من تطور الأزمة، وصولاً إلى المجاعة التي حذّر منها غير مسؤول في الدولة.
كذا، استغرب العديد من المتابعين انتماء مرتضى إلى حركة أمل، في حين أن رئيس الحكومة الجديد أكد مراراً أن الوزراء سيكونون غير حزبيين.