فتح قرار الحكومة الأردنية بإلغاء وتصفية شركة الكهرباء النووية التي أنشئت عام 2016 الباب أمام المطالبات بمحاسبة المسؤولين عن فشل برنامج الطاقة النووية الأردنية الذي كلّف الدولة مبالغ طائلة ولم يحقق أياً من نتائجه.
وطالب خبراء اقتصاد وأعضاء في مجلس النواب الأردني، في حديثهم لـ"العربي الجديد"، بإجراء تحقيق شامل في البرنامج وتحديد مسؤولية القائمين عليه والأسباب التي أدّت إلى فشله ومحاسبة المتسببين في عدم نجاح المشروع.
وأكدوا أهمية عدم التهاون في تقديم المسؤولين عن البرنامج إلى المحاكمة، كونهم تسببوا في هدر مبالغ طائلة تقدّر بمئات الملايين من الدولارات، في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الأردني من أزمة حادة وغير مسبوقة كانت سبباً في تفجر احتجاجات واسعة في مايو/ أيار الماضي.
وقرر مجلس الوزراء الأردني، مؤخراً، تصفية الكهرباء النووية، مرجعا ذلك إلى عدم وضوح الرؤية في ما يتعلق بمشروع المحطة النووية الأردنية. وحسب القرار سيتم العمل على تصفية الشركة اختياريا من الهيئة العامة للشركة، وفق الأسس القانونية المعمول بها في قانون الشركات رقم 22 لسنة 1997 وتعديلاته.
وقالت هيئة الطاقة الذرية إن إجمالي ما تم إنفاقه على البرنامج النووي كاملاً للفترة 2008 إلى 2017 بلغ حوالي 150 مليون دولار، فيما يرى خبراء أن الكلفة أعلى من ذلك بكثير.
إلى ذلك، قال النائب في البرلمان الأردني وعضو لجنة الطاقة النيابية جمال قموه لـ"العربي الجديد" إن مشروع الطاقة النووية الأردني أثبت فشله الذي توج بإلغاء وتصفية شركة الكهرباء النووية التي أنشئت قبل سنوات عدة وأنفقت عليها مبالغ كبيرة لكن من دون جدوى.
وأضاف أن المشروع كلّف خزينة الدولة مبالغ ضخمة، ومن المرجح أن تكون الخسائر أكثر مما أعلنته الحكومة التي لم تحقق أياً من نتائج البرنامج النووي الذي تم تسويقه على أنه المنقذ للأردن من أزمة الطاقة وسيحسّن الوضع المالي للدولة.
وقال قموه إن الحكومات السابقة لم تنتبه إلى تحذيرات الخبراء والمختصين من عدم إمكانية نجاح البرنامج النووي وأن كلفته ستكون كبيرة على الوضع الاقتصادي وسوف تستنزف مبلغاً ضخماً من الخزينة التي تُعاني من ارتفاع العجز بالموازنة.
وأضاف أنه إزاء فشل المشروع، يجب أن يتم فتح تحقيق ومحاسبة المسؤولين عن فشله وتحميلهم وزر الخسائر التي تحققت من ورائه.
وحسب النائب في البرلمان الأردني فإن لجنة الطاقة في مجلس النواب سوف تناقش أسباب تصفية شركة الكهرباء النووية وتطالب بدراسة واقع البرنامج النووي كاملاً وتحديد أسباب فشله ومحاسبة المسؤولين عنه.
وقال الوزير الأسبق والمختص في مجال الطاقة إبراهيم بدران لـ"العربي الجديد" إن الحكومة أحسنت صنعاً حين اتخذت قراراً بتصفية شركة الكهرباء النووية، ما يوجب إعادة النظر في الملف النووي الذي بدأ عام 2007 وما زال يراوح مكانه.
وأضاف أن الأردن لا يحتاج إلى المشروع، لا سيما في ظلّ انخفاض كلفة وسعر الكهرباء المولدة من الطاقة المتجددة، وهي أرخص بكثير من تلك المولّدة من الطاقة النووية ومن دون أضرار بيئية، وكونها أكثر أماناً أيضاً.
وكانت الحكومة قد ألغت أيضاً اتفاقيتها مع شركة روس اتوم الروسية لبناء أول محطة نووية تحوي مفاعلين بقدرة (1000) ميغاواط كهرباء لكل منهما، وكان سيُشغَّل الأول عام 2024 ومن ثم يليه الثاني بعد عامين، بكلفة قدرت بنحو 10 مليارات دولار.
وكان من المتفق أن يمتلك الجانب الأردني 50.1 % من المشروع، في حين يمتلك الشريك الاستراتيجي (الجانب الروسي) 49.9 % منه.
وقال الخبير الاقتصادي مازن مرجي لـ"العربي الجديد" إنه في ظل محاربة الفساد المالي والإداري يجب أن تنظر الحكومة في فشل مشاريع كبرى مثل مشروع الطاقة النووية الذي كبد الدولة خسائر كبيرة، إذ كانت الدولة سابقاً تأمل تعزيز مصادر الطاقة وتخفيض فاتورتها عبر هذا المشروع.
وأضاف أن المشروع من الأصل لم يكن مدروساً بشكل جيد، وأمام إصرار الحكومة والجهات ذات العلاقة على تنفيذه فقد أصبحنا اليوم أمام حقائق تؤكد فشل البرنامج النووي الأردني وبكلفة باهظة على الاقتصاد الأردني تحملها المواطن الذي يعاني من ظروف معيشية صعبة.
وحسب المرجي فإن محاسبة المسؤولين عن البرنامج هي أقل ما يمكن اتخاذه من إجراءات حالياً، لا سيما أن هذا المشروع ليس الأول الذي يفشل ويتحمل نتائجه المواطن وخزينة الدولة.
وقالت هيئة الطاقة النووية إنها تعمل حالياً على إجراء دراسات جدوى للمفاعلات الصغيرة المدمجة (SMRs)، ومن ضمنها مفاعلات (HTR) بكلف منخفضة نسبياً، والتي لا تحتاج إلى تطوير الشبكة الكهربائية لأنها تنتج أحمالاً كهربائية أقل من المفاعلات الكبيرة وبما يتناسب مع قدرة الشبكة.
وقال رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية خالد طوقان، في تصريحات صحافية مؤخراً، إن مستجدات قطاع الطاقة والتوسع بمصادر الطاقة المحلية، خاصة المتجددة، أعطى الأولوية للتوجه نحو المفاعلات النووية الصغيرة وتأجيل النظر في بناء محطة نووية كبرى إلى العقد المقبل.
وأضاف أن المفاعلات الصغيرة تحتاج إلى تمويل أقل وأن الاستعداد الدولي لتمويل هذه المفاعلات أكبر من المحطات الكبيرة.