قصة صعود هوفينهايم من خباز التكتيك إلى محرز البوندسليغا

07 نوفمبر 2016
ناغلزمان مدرب عالمي قادم على مهل (العربي الجديد/Getty)
+ الخط -
"اسكت واجلس مكانك، هل تظن أنك اخترعت كرة القدم؟"، تعرض المدرب الألماني روجر شميدت للطرد والإيقاف لمدة مباراتين، بعد تفوهه بهذه الكلمات ضد المدرب الخصم، وذلك خلال مباراة باير ليفركوزن وهوفينهايم بالبوندسليغا. ولم تمر هذه القصة مرور الكرام في ألمانيا، ليس فقط لأن شميدت تجاوز حدوده خارج الخط، ولكن لأن الطرف الآخر للشجار كان أصغر مدرب في الدوري؛ إنه يوليان ناغلزمان، الفتى الصغير الذي يقود ثورة رياضية شاملة في الملاعب الألمانية خلال الفترة الأخيرة.


أصغر مدرب

في سن الثامنة والعشرين فقط، حصل يوليان على فرصته التاريخية لقيادة فريق هوفينهايم، وذلك بعد استقالة المدرب السابق هاب ستيفانز نتيجة مشاكل بالقلب، ليراهن مالك النادي على الفتى الصغير الذي يعمل ضمن الطاقم التقني، ويقود هوفينهايم سريعا إلى الهروب تماما من شبح الهبوط بالموسم الماضي، ويقدم انطلاقة تاريخية جعلته ضمن الأربعة الكبار حتى الآن.

اعتزل ناغلزمان الكرة سريعا بعد تعرضه لإصابة خطيرة أثناء لعبه في صفوف أوغسبورغ، النادي الذي كان يدربه توماس توخيل، مدرب دورتموند الحالي، ليستعين به المدير الفني بعد اعتزاله في مراقبة الخصوم ضمن عمل "السكاوت" الخاص بأوغسبورغ. انطلق بعدها المدرب الصغير إلى ميونخ 1860 ثم هوفينهايم، من فئات الشبان إلى الفريق الأول خلال

سنوات قليلة، بسبب الطفرة الكبيرة التي حققها مع فريق 19 سنة نتيجة قيادته له للفوز بلقب الدوري.

يقول عنه محلل البوندسليغا في صحيفة "ذا غارديان"، رافائيل هونغستين: "مثله مثل معظم المدربين الشبان في ألمانيا، تأثر يوليان بالمدرب رالف رانغنيك، ولعبة الضغط التي اشتهر بها في أكثر من فريق آخرهم لايبزيغ". لكن يوليان يرد في حوار سابق مؤكدا أنه يفضل دائما الجمع بين الضغط والاستحواذ، لأن فرقه يجب أن تؤدي بشكل جيد مع الكرة ودونها. وبالعودة إلى لغة الأرقام، فإن هوفينهايم تخطى حاجز 50% استحواذا خلال معظم مبارياته الأخيرة.

أنا مثل الخباز، أضع العديد من الأشياء داخل الفرن ثم أنتظر النتيجة، وداخل الملعب أستمر في البحث والمحاولة، حتى أحصل على ما أريد في نهاية المباراة. يوليان ناغلزمان متحدثا عن فلسفته في اللعبة.

التدريب أمتع

يؤكد الشاب في مقابلته التي أفردها الموقع التكتيكي "تقرير الكرة"، بأن "التدريب أفضل كثيرا من لعب الكرة، لأنك تكون مجبرا على تحسين أداء 22 لاعبا دفعة واحدة، وتفكر بالساعات في محاولة هزيمة خصمك خططيا وتكتيكيا قبل بداية المباراة وبعدها". ويشير إلى أن طريقة لعب فياريال تروقه بشدة، لأنهم مجموعة تضغط كوحدة واحدة في منتصف ملعب الخصم، كذلك يصنف نفسه كأحد المحبين لآرسنال وبرشلونة، بسبب الكرة الجميلة في كافة تفاصيل المباراة.

يمزج ناغلزمان في طريقة لعبه بين الكرة الهجومية والضغط، ليسير على خطى سابقيه باتباع استراتيجية "الكونتر برسينغ" أو الضغط العكسي، بمحاولة حصار المنافس في منتصف ملعبه، وغلق زوايا التمرير أمام لاعبيه، من أجل قطع الكرة وتنفيذ هجمة سريعة تنتهي بهدف، وفي حالة تعذر فعل ذلك، فإنه يحصل على اللعبة ويهاجم بهدوء دون خوف إذا تطلب الأمر، وبالتالي فإنه مرن إلى حد كبير دون تعصب لمسار واحد.

ليس مهما اللعب بـ4-4-2 أو 4-2-3-1 أو أي خطة أخرى، لأن هذا الرسم يتم مشاهدته فقط في بداية المباراة أو خلال 7-8 لقطات بالكثير، لكن في معظم فترات اللعب يتغيّر التمركز وفق المطلوب، لذلك يستخدم أكثر من خطة حسب ظروف كل مباراة، تجده يلعب بـ4-2-3-1 في مباريات يحتاج فيها إلى الهجوم المنظم، ويقلب سريعا إلى 5-4-1 حينما يرغب في الضغط على الخصم وحرمانه من بناء منظم وسلس للهجمة.

الهروب من الأليانز

قدم هوفينهايم مباراة كبيرة أمام بايرن في الأليانز أرينا، ودرس يوليان خصمه أنشيلوتي جيدا، ولعب على نقاط ضعف أصحاب الأرض منذ الدقيقة الأولى، بمحاولة استغلال تقدم دفاعهم إلى الأمام، وبعض الهفوات الناتجة عن التمريرات القادمة من خط الوسط إلى لاعبي الهجوم، لذلك حصل أميري على كرة خطيرة في الرواق، ليمررها إلى القادم من الخلف ديميرباي الذي يسددها بدوره صاروخية في مرمى نوير، ليستغل الفريق الضيف بطء ارتداد بواتينغ والفراغ الكبير خلف ألونسو.

حاول الفريق الصغير استمرار مغامرته، لكن ربما دفع ناغزلمان الثمن بصغر سنه، نتيجة اندفاعه بعض الشيء هجوميا بعد التقدم، ليترك مساحات شاغرة في وبين الخطوط، استغلها سريعا دوغلاس كوستا بالتبادل مع روبين وبمساعدة النيران الصديقة، ليحقق بايرن التعادل الذي استمر حتى نهاىة المباراة.

ويعتمد النادي القابع في المركز الثالث بالترتيب على كوكبة من أفضل النجوم الشبان، خصوصا المدافع الرائع نيكلاس شول، الذي يجيد اللعب في مراكز الدفاع، الظهير، والوسط، ليكون بمثابة همزة الوصل في التحول السريع إلى ثلاثي الخلف في أكثر من مباراة، بالإضافة إلى كاديرابيك، والثنائي الهجومي كراماريتش وساندرو، حيث يكمن الدور الرئيسي لهما في الضغط على دفاع الخصوم، والقيام بحماية خط الوسط قبل حتى التفكير في تسجيل الأهداف.

محرز البوندسليغا

لا يعتبر يوليان ناغزلمان الفائز الوحيد هذا الموسم في ألمانيا، بل فاجأ كريم ديمبرباي الجميع بأداء استثنائي بعدما التقطه هوفينهايم من ملاعب الدرجة الثانية. بدأ اللاعب التركي الأصل الألماني الجنسية مسيرته مع هامبورغ، لكنه لم يحصل على مكان أساسي، لينتقل بين أكثر من فريق، كدوسلدورف وكايزرسلاوترن، قبل أن يراهن عليه المدير الفني الصغير في الميركاتو الصيفي.

يلقب عشاق الدوري الألماني ديمبرباي بمحرز البوندسليغا، المقارنة هنا ليست بسبب المهارة التي يتفوق فيها الجزائري دون شك. ولكن بسبب رحلة الصعود الصاروخي للثنائي، فلاعب هوفينهايم صال وجال في دوري الدرجة الثانية كثيرا، وبمجرد حصوله على فرصة اللعب مع الكبار، انفجر وتحول إلى نجم فريقه الأول.

هو جناح صريح وجد نفسه في منطقة الوسط، إذ إنه يعرف كيف يستغل قدمه اليسرى جيدا، ويجيد بشدة القطع المستمر من المنتصف إلى منطقة الجزاء، مستفيدا من سرعته بالكرة ومهارته في هزيمة المدافعين، ليسجل 3 أهداف ويصنع هدفين في 8 مباريات شارك فيها بالدوري، مع صناعة 18 فرصة للتسجيل، كأفضل لاعبي هوفينهايم أمام المرمى.

يناسب كريم بشدة قواعد الكرة الألمانية، لأنه يجمع بين المهارة والقوة البدنية، لذلك يشغل عدة مراكز في المباراة الواحدة، ويستغل قدراته الفردية في خدمة الأداء الجماعي للفريق ككل، لذلك يستخدمه يوليان كلاعب جناح وارتكاز مساند، وصانع لعب وهمي في خطة 3-4-1-2، حيث يخرج المهاجمان إلى الرواق على الطرف، ويدخل لاعب الوسط إلى حافة المنطقة للتسديد، كما حدث في الرحلة الأخيرة إلى بافاريا.

المساهمون