أنا زلاتان (8).. ما الذي حدث في هذه الحياة؟

12 اغسطس 2015
+ الخط -

يستكمل "العربي الجديد" تقديم سلسلة مقالات (عصير الكرة) عن أفضل وأبرز ما كتب حول أسرار الساحرة المستديرة وعالم نجومها، ونستكمل سويّاً الكتاب الخاص بالنجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش.

قبل بداية الموسم، تومي سوديربيرغ، مدرب المنتخب الوطني حينها، توقع فوز مالمو ببطولة الدوري.. لكن الأمور مع انطلاقة الموسم لم تكن تُشير إلى ذلك.. مالمو انطلق في سلسلة خسائر وبات مهدداً بالهبوط لأول مرة منذ حوالي 60 عاماً.. الجماهير كانت قلقة وغاضبة وجميع اللاعبين القدماء في الفريق كان يقع عليهم ضغط لا يُعقل.. كانوا يعلمون بأن الأمر يتعلق بالمدينة بأكملها، وليس فقط بالنادي، إذا ما هبط الفريق للدرجة الثانية في ذلك الموسم، كانت ستكون مأساة.. لكن رغم ذلك، كنت سعيداً لأنني في الفريق الأول، ولأن لديّ الفرصة لأظهر نفسي.. كنت أريد ذلك، كنت أريد إظهار كل قدراتي أمام الجميع.. ربما لم يكن الوقت المناسب، لكنني لم أكن قادراً على التراجع عن هذه الفكرة في الحقيقة.

في اليوم الأول، جوني فيدل، حارس الفريق، صرخ فجأة أمامي: "أين الكرات اللعـينة".. ذلك التصرف أغضبني جداً، وخاصة أنني لاحظت أن الجميع ينظر لي، والجميع كان يتوقع مني أن أركض وأجلب له الكرة.. لكن لا، ليس في حياته! ليس وهو يتكلم بهذه الطريقة.. قلت له: "إذا كنت تريد الكرات، اذهب وأحضرها لنفسك".. ثم تركته.. لم تكن الطريقة المعتادة للرد في نادي مالمو.. لكن مرة أخرى تظهر نزعة الحي الذي ترعرعت فيه بداخلي.. لم يكن ذلك التصرف مألوفاً.. لكن أظن أنني كنت أحظى بدعم المدرب رولاند ومساعده.. حتى بالرغم من أنهم كانوا يفضّلون توني عليّ في الفريق.. فلقد لعب توني مع الفريق وسجل في أول ظهور له.. بينما كنت أجلس على الدكة.. كنت أنتظر وأريد اللعب، لكن الانتظار لم يكن يساعد على شيء.. ربما كان عليّ أن لا أتعجّل.. لكن هذه الطريقة لا تعمل معي. كنت أريد أن أحصل على فرصتي وأؤكد نفسي فوراً.

حتى طريقتي لم تعمل معي جيداً.. في 19 سبتمبر/ أيلول 1999، واجهنا نادي هالمستالد على ملعبه.. كانت مباراة مصيرية بالنسبة لنا، إذا حققنا الفوز أو التعادل فهذا سيعني أننا قمنا بضمان البقاء في الدرجة الأولى، وإذا خسرنا، كان هذا يعني بأننا سنستمر تحت تهديد الهبوط في الجولات المتبقية.. كل اللاعبين كانوا يشعرون بتوتر وضغط كبيرين.. بدأت المباراة، وفي بداية الشوط الثاني مهاجم فريقنا نيكلاس غودمنسون تعرّض للإصابة.. كنت أحلم بأن يمنحني المدرب الفرصة للدخول، لكنه لم يفكر حتى بإشراكي.. استمر اللقاء والنتيجة قبل النهاية كانت التعادل بهدف لمثله، وقبل نهاية اللقاء بـ15 دقيقة، تعرض قائد فريقنا هاس ماتيسين للإصابة أيضاً، وفوراً بعد ذلك سجل نادي هالمستاد الهدف الثاني!

الفريق كله أصيب بالإحباط.. والضغوط ازدادت.. حينها قام رولاند بإدخالي للملعب.. وعلى عكس الجميع، كنت أشعر بالأدرينالين ينفجر بداخلي.. كان مكتوباً على قميصي من الخلف "إبراهيموفيتش".. كان الأمر رائعاً. كنت أشعر بحماس كبير. كنت أشعر بأنهُ لا يمكن إيقافي.. وفوراً انطلقت في إحدى الهجمات وسددت كرة ارتطمت بالعارضة وخرجت.. بعد ذلك حدث شيء ما في الدقائق الأخيرة: حصلنا على ضربة جزاء! وبالتأكيد بإمكانكم أن تفهموا أن المسألة أصبحت حياةً أو موتاً.. لو تم تسجيل ضربة الجزاء، فشرف النادي سيتم حفظه، وإذا لم نفعل، فإننا سنخاطر بسمعة النادي في الجولات المقبلة.. رأيت التردد على وجوه معظم اللاعبين.. لم يتجرأ أحد منهم ليسدد ضربة الجزاء.. ما عدا ذلك الفتى المغرور توني، الذي قام بحمل الكرة والتقدم لنقطة الجزاء: "سأسددها".. كان أمراً كبيراً منه. كان هو الآخر من البلقان ولا يعرف التردد، لكن رغم ذلك كنت أرى أنه من الأفضل لو تم إيقافه ومنعه، لأنه لا يزال شاباً على حمل هذا العبء الثقيل.

توني أضاع ضربة الجزاء. كنت أعرف ذلك من اللحظة التي بدأ يتحرك فيها باتجاه الكرة. الحارس درس خطواته بسهولة.. كان أمراً صعباً على الفريق. خسرنا المباراة. ومن ثم بدأ توني يُجمّد من قبل المدرب.. في تلك النقطة، انطلقت أمامه وأصبحت مفضّلاً عليه.. شعرت بالأسى لأجله في الحقيقة، لأنه لم يعد ليلعب في مستويات كبيرة، وأنا حصلت على وقت أكبر للّعب.. شاركت بعد ذلك بست مباريات كاحتياطي في الدرجة الأولى، ورولاند كان في أحد مقابلاته قد وصفني بـ"الألماسة غير المصقولة".. هذه الكلمات علقت في ذهني.. وبعدها بأيام قليلة رأيت الأطفال يأتون إليّ ويطلبون توقيعي.. لم يكن بالأمر الجلل، لكنني شعرت بالسعادة بسببه، وقلت لنفسي: الآن يجب أن أتطور، لا يمكنني أن أخذلهم.

الشيء السلبي كان هو أنني بدأت أحظى بلحظاتي في أسوأ اللحظات التي يعيشها الفريق.. أتذكر أننا خسرنا أمام تريلبورغ في ملعبنا، لهذا بدأت الجماهير بالبكاء في المدرجات.. غضبوا كثيراً وكانوا يلوحون بلافتات الاستقالة للمدرب رولاند.. لم يخرج إلا بحماية الشرطة.. حتى حافلة نادي تريلبورغ قامت الجماهير برميها بالحصى والقذارات.. الأمور ازدادت سوءاً عندما أهاننا نادي آيك بعدها بعدة أيام.. تلك الخسارة، جعلت الهبوط إلى الدرجة الثانية: حقيقة واقعة! هبط الفريق للدرجة الثانية، لأول مرة منذ 64 عاماً. مالمو لن يلعب في الدرجة الأولى!

بعد ذلك، استمرينا بالتدرب في النادي، وبالتأكيد لم يكن هناك أي حضور جماهيري.. فلقد أهدرنا فخر المدينة ولم يكن أحد يود رؤيتنا.. لكن أثناء التدريبات، ظهر رجل كبير، قادم من بعيد.. كان ينظر إلينا.. وعندما تمعّنت في النظر إليه شعرت بشيء غريب.. ومن ثم استمريت بالتدرب والقيام ببعض الحركات مع الكرة.. وبالطبع، لزمني الكثير من الوقت لكي أستوعب الشيء الذي سيحدث.. لأنني صنعت طريقي بنفسي طوال حياتي، لم يساندني أحد، سواء رجل كبير أو مسن أو حتى غير ذلك.. لم يسبق أن شاهدت أحداً قريباً مني، أي من مبارياتي، خاصة والدي الذي لم يشجعني قط في كرة القدم، كان لديه الشراب ويوغوسلافيا وتلك الأخبار.. لكن الآن! لا أصدق: القادم من بعيد هو فعلاً والدي!

جاء ليجلس ويتابع.. انفجرت في تلك اللحظات ولم أكن أصدق.. كنت ألعب بطاقة عظيمة: يا إلهي، أبي هُنا، هذا جنون!.. كنت أصرخ عليه وأقول له: "أنظر هنا، تابع هذه الحركة.. أترى.. ابنك أفضل لاعب في العالم".. هذه كانت واحدة من أجمل لحظات حياتي.. أؤكد لكم.. لم أحظ بها من قبل في الحقيقة.. لو كانت هناك مشكلة، كان سيأتي مسرعاً مثل الغول.. لكن أن يأتي بهذه الطريقة، هذا شيء جديد تماماً في حياتي.. بعد النهاية، ذهبت أركض إليه، وبدأت أتحدث معه وأحدثه عن روعة هذا الأمر، وكأنه كان من المعتاد أن أشاهده هُنا.

- "كيف حالك؟".
- "لعبت بطريقة رائعة زلاتان".
ما الذي حدث؟ أعتقد أن والدي أصابه الجنون.. هل أثّرت فيه السموم التي يتناولها؟ لقد أصبح يتابع كل شيء يتعلق بي، أصبح يتابع كل التدريبات.

ومنزلنا أصبح وكأنه متحف خاص بمسيرتي.. كان يقص كل المقالات التي تُكتب عني، وكل الصور، ومن ثم يحفظها هناك.. كنت أسأله في أي يوم عن إحدى مبارياتي السابقة: كان فوراً يأتي بتسجيل كامل لها، وبكل ما كتب عنها في الصحف! ليس هذا فقط، والدي احتفظ بكل الأحذية والقمصان التي لعبتُ بها طوال مسيرتي.. وحتى الجوائز الشخصية التي حصلت عليها.. كل شيء تريد عني، فقط قل اسمه وسيظهر لك.. والدي وضع كل شيء في ذلك المتحف.. ليس بالترتيب الذي كانت عليه علب البيرة سابقاً، لا.. الترتيب كان مذهلاً أيضاً.. كل شيء في مكانه المناسب.

أثناء التحضيرات للموسم، واجهت شخصاً من ترينيداد وتوباغو.. كان رائعاً.. كان بأحد الرحلات معنا، وبعد الوصول جاء إليّ:
- "مرحباً أيها الفتى".
- "ماذا تريد؟".
- "إذا لم تصبح محترفاً خلال ثلاث سنوات، فهذا خطؤك".
- "ماذا تقول؟".
- "لقد سمعتني"..

بالتأكيد سمعته.. استغرقت وقتاً لكي أستوعب ما قال لي.. هل بالإمكان أن يكون هذا الأمر صحيحاً؟ لو قالها لي شخص آخر لم أكن سأصدقه، لكن هذا الرجل.. يبدو بأنهُ يعرف شيئاً.. لقد كان يجوب العالم، وكلماته بالفعل كانت بمثابة الحقنة بداخلي.. هل أنا فعلاً موهبة، وهل بإمكاني أن أكون محترفاً.. شيئاً فشيئاً بدأت أؤمن بهذا الأمر.. ومن ثم بدأت أطوّر من لعبي وأعمل على التحسّن.. بعد فترة، جاء مدافع المنتخب السويدي السابق هاس بورغ، ليصبح مديراً رياضياً في مالمو.. بورغ لديه نظرة جيدة.. في إحدى المرات كان يراقبني، وأعتقد أنه أدرك موهبتي منذ ذلك الحين، كان يذهب للصحافيين ويقول أشياء مثل: لاحظوا هذا الشاب.. سيصبح صاحب مستقبل كبير.. من ضمن الصحافيين كان هناك صحافي اسمه رون سميث.. كان رائعاً، وبدأ يتابعني.. بعد التدريبات، جاء وتحدث معي، ولم يكن هناك أي شيء خاص في الحديث.. كنت أتحدث عن مستقبلي وعن الدرجة الثانية، وعن حلمي بالاحتراف في إيطاليا مثل رونالدو.. رون سكت وابتسم ولم يقل أي شيء.. أنا انصرفت ولم أكن أعرف ماذا أتوقع منه.. بعد عدة أيام، كتب رون في الصحيفة: "لدينا خبر جيد للمستقبل، زلاتان يبدو لاعباً مثيراً في الهجوم، بأسلوب مختلف ورائع".. كان أمراً كبيراً بالنسبة لي.. رون أيضاً ذكر كلمة الألماسة غير المصقولة مرة أخرى.. بدأ الأولاد والأطفال ينهالون عليّ بعد كل فترة تدريبات. كانت تأتي بعض الفتيات أيضاً وبعض الرجال ليطلبوا توقيعي.. كانت تلك هي بداية الهستيريا حول زلاتان.. كنت أتساءل: ما الذي حدث في هذه الحياة؟

اقرأ أيضاً :أنا زلاتان(1)... غوارديولا اشترى فيراري واستعملها كـ "فيات"!
أنا زلاتان(2)...عندما صرخت بوجه غوارديولا "أنت تخاف من مورينيو"!
أنا زلاتان (3).. سرقة الدراجات والطفولة القاسية
أنا زلاتان(4)..بدون الكرة لكنت مجرماً..وعندما قررت تقليد محمد علي
أنا زلاتان (5)...عندما صرخت "كلكم حمقى، وكرة القدم حماقة"
أنا زلاتان (6)... عندما تعلمت تقليد مهارات البرازيليين
أنا زلاتان (7).. رحلة الصعود للفريق الأول مع مالمو

المساهمون