(كتاب ميسي 30)..أزمة مارادونا ومونديال 2010

26 مارس 2016
+ الخط -


تولّى دييغو أرماندو مارادونا مسؤولية تدريب المنتخب الأرجنتيني في خريف 2008، وهو الأمر الذي مثّل نهاية حقبة، فبعد أربعة أشهر على أول مباراة له، أعلن خوان رومان ريكيلمي اعتزاله اللعب دوليا معللا قراره بأنه "لا يتشارك طريقة التفكير أو المفاهيم نفسها" مع المدرب.

كانت رسالة ريكيلمي أن الأمور تسير بطريقة سيئة حيث اكتشف عن طريق التلفزيون أن مارادونا يشكك في أحقيته اللعب أساسيا بسبب "مشاكل بدنية" يفترض أنه يعاني منها مع ناديه بوكا جونيورز، كما أنه في الوقت نفسه كان يشير إلى ما قامت به مجموعة من اللاعبين المقربين من مارادونا لخلق جو من التوتر أدى لإقالة المدرب السابق الفيو باسيلي.

غيّر مارادونا عقب توليه مهمة تدريب المنتخب من انتقاده العلني في بعض الأحيان لميسي، كما كان يحدث في 2008 على سبيل المثال حينما كان يفضّل إبراز عيوب ليو ومبالغته في المراوغات وأيضا وجود قصور في شخصية القائد لديه، لأنه قرر كما فعل الجميع سابقا أن يدور الفريق حوله لاستغلال موهبته.

يحب دييغو الرسائل العلنية الرمزية، لذا قدم له القميص رقم 10 الذي كان ليو يرغب فيه بعد أن تشاور مارادونا مع القائد خابيير ماسكيرانو والمخضرم خوان سباستيان فيرون بخصوص الأمر.

خلال مشوار التصفيات المؤهلة لمونديال 2010 بجنوب أفريقيا، لم تسر الأمور بصورة جيدة لا مع المنتخب ولا مع ميسي الذي نالته انتقادات لاذعة من الصحافة الأرجنتينية بسبب الفارق الرهيب في مستواه مع البرسا و"راقصي التانغو".

كانت الأمور معقدة للغاية لدرجة أن الأرجنتين تأهلت للمونديال بشق الأنفس عقب الفوز على أوروغواي بملعب السنتناريو، ليخرج بعدها دييغو ليسب كل الصحافيين الذين انتقدوه في تلك الواقعة الشهيرة بأفظع الألفاظ.

انتقادات الصحافة الأرجنتينية لميسي في تلك اللحظة كانت رهيبة، حيث وصلت لآفاق يصعب تخيّلها كما فعلت مجلة "مينوتو أونو" الإلكترونية حينما نشرت "ربما يكون الرد موجودا إذا ما بحثنا في الجانب النفسي والصراعات العاطفية التي يمر بها اللاعب. لقد ترك الأرجنتين وهو صغير للغاية، علم النفس يقترح ربما وجود حالة من الرفض نحو مسقط رأسه، أي طفل يكبر خارج بلاده من الصعب أن يحافظ على صلة الود معها".

كان ليو على دراية بكل تلك الأمور التي تكتب عنه وشعر بالاستياء الشديد منها، لأنه كان أرجنتينيا قلبا وقالبا ويصر أيضا على الاعتزال هناك، حيث يقول "لا أعرف متى، ولكن هذا هو ما أرغب فيه. أرغب في اللعب بالدوري الأرجنتيني بسبب كل ما يعنيه لي".

علاقة ليو مع المنتخب في تلك الفترة لم تكن تتعلق بالمتعة بل بالتضحية، في ظل وطأة الانتقادات المتتالية التي لم يكن يستسيغها.. لماذا كل هذه العجلة؟ صحيح أن ليو لم يكن بمستواه نفسه في برشلونة، ولكن حسنا في المنتخب لم يكونوا في مستوى لاعبي برشلونة.

كان مارادونا يدرك الوضع جيدا واستخدم كل مؤتمراته الصحافية للدفاع عن ميسي، بل وإنه قبل مونديال 2010 سافر لبرشلونة للاجتماع معه لأنه كما يقول دييغو "الحديث هاتفيا مع ميسي أصعب من القيام به مع أوباما".

جرى اللقاء في نهاية مارس/ آذار 2010، وقبل المونديال بأشهر قليلة، حيث كان دييغو يستمع لميسي ثم أخرج من جيبه ورقة وطلب من ليو رسم الخطة التي يشعر فيها بقدر أكبر من الراحة، رفض "البرغوث" في البداية ولكنه استجاب أمام إصرار مارادونا.

اقترح ميسي وضع مهاجم إضافي أمامه وإنهاء الاعتماد على خطة 4-4-2 الواضحة، حيث طرح إما اللعب بـ4-3-1-2 أو 3-4-1-2 مهاجم إضافي ولكن مع وجود عدد كافٍ من الأشخاص للدفاع ولاعب متميّز في الركض لمسافات طويلة مثل جوناس أو دي ماريا ليصبح أحد محركات اللعب من أعلى لأسفل للتغطية والهجوم... كارلوس تيفيز وغونزالو إيغواين كرأسي حربة على أن يتبادل ميسي المراكز مع الاثنين فيما على الثلاثة أو أربعة لاعبين الذين يقومون بالحماية تجهيز الهجمات.

يقول مارادونا في مقدمة كتاب (المختلف) "تحدثنا لمدة ساعتين في أحد فنادق برشلونة، قلت له إن مسيرتي انتهت وإنه يجب عليه صناعة تلك التي تخصه وأننا في النهاية سنرى من هو الأفضل في كل العصور. أخبرته بما حدث معي، وأنه في كل يوم ستأتي أمور في حياته يجب عليه تخطيها".

حانت لحظة الحقيقة في مباراة الأرجنتين الأولى بالمونديال أمام نيجيريا: لعب الفريق بليو خلف تيفيز وهيغواين، الأخير مائل قليلا نحو طرف الملعب، وبفيرون وماسكيرانو ودي ماريا في منتصف الملعب لحماية رباعي الدفاع وخلق الفرص للهجوم، فيما أن جوناس غوتييريز بدأ المباراة كظهير أيمن على الرغم من كونه لاعب وسط هجومي.

لعب ميسي بشكل جيد للغاية خلال المباراة وسدد ثماني كرات على مرمى نيجيريا وأرسل تمريرات حاسمة أكثر من أي لاعب آخر، ولكن في النهاية انتهت المباراة بالفوز بهدف نظيف سجله غابرييل هاينزه (د6).

في المباراة التالية أمام كوريا الجنوبية (4-1)، لعب خابيير ماسكيرانو في الارتكاز، ولكن مركز ميسي تراجع ليكون صانع ألعاب متأخر وأمامه هجوم مكوّن من تيفيز وماكسي ودي ماريا وهيغواين، الذي سجل ثلاثة أهداف "هاتريك"، فيما أن ليو شارك في صناعة الأهداف الأربعة، على الرغم من أنه لم يكن يلعب في المركز المتفق عليه في تلك الخطة التي رسمها لدييغو في برشلونة.

يروي فيرون عن شعور ميسي حينما قرر مارادونا أن يرتدي ليو شارة قيادة الفريق في مباراة اليونان التالية "شاهدته عصبيا مرة واحدة فقط، قبل مباراة اليونان حينما منحه مارادونا شارة القيادة. لم تكن مسألة القيادة هي التي تؤرقه بل ما هي الكلمات التي سيقولها في خطابه للفريق في اليوم التالي. بالنسبة لي ما كان يؤرقني هو شخيره، ولكن في النهاية قمت بحل الأمر بوضع الوسادة فوق أذني".

حققت الأرجنتين فوزا سهلا على اليونان بهدفين نظيفين لتتأهل بالعلامة الكاملة ولكن دون إبهار، حيث كانت ستواجه المكسيك بعد ثلاثة أيام من إكمال ليو 23 عاما، وقرر دييغو تكرار تجربة مباراة كوريا الجنوبية بوضع ماسكيرانو في الارتكاز وميسي أمامه كصانع ألعاب متأخر.

الأمور أمام المكسيك ليست مثل كوريا، حيث إن مدرب الـ"تريكولور" خابيير أجيري تمكن من تغطيته بشكل كبير، فيما حاول ميسي التملّص بحلول فردية ولكنه لم ينجح. صحيح أن الأرجنتين فازت 3-1 ولكن لا يجب نسيان أن هدف تيفيز الأول جاء من تسلل فيما الهدف الثاني كان من خطأ دفاعي.

لم يغيّر مارادونا الأمور في ربع النهائي أمام ألمانيا حينما وقعت الطامة الكبرى: هزيمة بأربعة أهداف نظيفة، حيث كان ميسي الحاضر الغائب في هذه المباراة، بدا كما لو كان تائها في وسط الملعب. لم يراوغ أو يستقبل الكرات بشكل جيد.. لقد انهارت قلعة الأوراق التي كان يصنعها مارادونا.

ميسي الذي سجل 47 هدفا مع برشلونة في موسم 2009-2010، لم يسجل في خمس مباريات بالمونديال على الرغم من أنه كان الأكثر تسديدا: 30 مرة واثنتين منهما في العارضة. ولكنه لم يكن وحيدا، ففي تلك البطولة التي توّجت بها إسبانيا فشل كل النجوم بالتسجيل، بداية من وين روني ومرورا بفرانك ريبيري وكريستيانو رونالدو ونهاية بكاكا.

لم تتوقف الانتقادات سواء ضد ميسي أو مارادونا حيث كتبت صحيفة "كلارين الأرجنتينية" "دييغو مارادونا لم يعثر أبدا على فريقه. كل المسؤولية وقعت فوق ميسي، ولكن ميسي ليس مارادونا.. ميسي هداف في أوروبا ولكنه لم يكن موجودا في جنوب أفريقيا، اكتشف اللاعبون أن بابا نويل ليس حقيقيا، لأن مارادونا تحوّل من رمز عظيم إلى مجرد بشري من لحم وعظم".

اقرأ أيضا
(كتاب ميسي 29).. إبراهيموفيتش وجوارديولا..علاقات شائكة
(كتاب ميسي 28)..الكرة الذهبية ومونديال الأندية
(كتاب ميسي 27)..نهائي روما وبداية عداوة ميسي ورونالدو
(كتاب ميسي 26).. رباعية بايرن والمهاجم الوهمي وسداسية البرنابيو
(كتاب ميسي 25)..غوارديولا يبدأ في صقل الأسطورة
(كتاب ميسي 24).. أزمة أولمبياد بكين وملحق دوري الأبطال
(كتاب ميسي 23)..لابورتا يجعل ميسي أساس البرسا
(كتاب ميسي 22)..ميسي ولعنة الإصابات
(كتاب ميسي 21).."هاتريك" الكلاسيكو وهدف خيتافي المارادوني
(كتاب ميسي 20).. مونديال 2006 وإهانات متنوعة بحق ليو
(كتاب ميسي 19).. ميسي يبكي مجددا في باريس
(كتاب ميسي 18)..أزمة ميسي ومورينيو والمسرح الكتالوني
(كتاب ميسي 17)..بطاقة حمراء وبكاء و"صيف إيطالي" متوتر
(كتاب ميسي 16) ... مونديال الشباب 2005 وركلات المصريين
(كتاب ميسي 15)..الانطلاقة الكتالونية والهدف الأول ريكارد ورونالدينيو
(كتاب ميسي 14)..فشل إسبانيا ودور بييلسا مع "ميتشي"
(كتاب ميسي 13)..ريكارد وفرصة ميسي
(كتاب ميسي 12)..أرواح ميسي الأربع ومواجهة راموس الأولى
(كتاب ميسي..11) "موسم القناع" وخطيئة أرسنال
(كتاب ميسي 10) فيلانوفا ومقالب الحارس الشخصي بيكيه
(كتاب ميسي 9) البداية الكتالونية
(كتاب ميسي 8) مباراة التنس التي غيرت تاريخ الكرة
(كتاب ميسي 7).. انتظار ريكساش والنهاية السعيدة
(كتاب ميسي 6).. لغز اختفاء "المايسترو"
(كتاب ميسي 5)... أزمة هرمون النمو
(كتاب ميسي 4).. أسطورة طفل نيولز أولد بويز
(كتاب ميسي 3)... ليو في المدرسة ومغامرات الجيش!
(كتاب ميسي 2) الجدة سيليا وملعب جراندولي
(كتاب ميسي 1).. ميسي الذي نجا من الموت جنيناً

المساهمون