دييغو أرماندو مارادونا شخصية هزّت دائماً العالم، فقد بدا رقماً صعباً، تُسلّط عليه الأضواء أينما حلّ، فمن كونه أسطورة في كرة القدم، استمد حبّ الجماهير في العالم، وارتبط دائماً بعالم السياسة، فكان صديقاً لبعضهم وهاجم آخرين.
في حال كنت متابعاً للعبة كرة القدم ومارادونا تحديداً ستُلاحظ الوشم الحاضر على ذراعه، ذلك الذي يحمل صورة الثائر الأرجنتيني وابن بلاده "أرض الفضة" إرنستو تشي غيفارا، وهو الذي أكد دائماً أنه يرى فيه البطل الحقيقي.
مادورو ودييغو
مارادونا زار فنزويلا مؤخراً، وذلك بهدف منح الدعم لرئيسها نيكولاس مادورو، الذي قال عبر رسالة فيديو من كاراكاس: "يا لها من سعادة أن أرى مارادونا مجدداً في وطننا، هذا بيتك يا صديقي وشقيق الروح مرحباً بك".
في إبريل/نيسان 2013، زار مارادونا قبر هوغو شافيز وحثّ الفنزويليين على انتخاب خليفة الزعيم الراحل، وكان بطبيعة الحال نيكولاس مادورو.
في ذلك اليوم طلب منهم المحافظة على إرث الزعيم الاشتراكي، قال مارادونا على شاشات التلفزيون: "واصلوا الكفاح"، حضّر مارادونا حملة مادورو في كاراكاس، ووقّع كرات القدم وركلها إلى الحشد.
وبعد زيارته قبر شافيز مع مارادونا قال مادورو في ذلك العام: "كان الحديث مع دييغو عاطفياً للغاية، لأن القائد شافيز كان يحبه كثيراً أيضاً". لم يقتصر الأمر على ذلك بل عاد دييغو للرقص والاحتفال في الحملة الانتخابية عام 2018، وخلال أزمة الرئاسة في فنزويلا عام 2019، أهدى مارادونا فوز الفريق الذي كان يدربه إلى مادورو، مما دفع الاتحاد المكسيكي لتغريمه بسبب انتهاكه قواعد الأخلاق.
ولعلّ أبرز تصريحاته الداعمة لمادورو، التي جرت عليه انتقادات: "لا تستسلم. في كرة القدم لا يُهم إذا خسرت ثلاثة إلى صفر، لا تستسلم أبدًا. أنت لم تستسلم أبدًا، تُعطي كلّ شيء للفنزويليين. عاش مادورو، نحن جنود نيكولاس، لقد جئتُ إلى هنا لتقديم الدعم له".
قصص في السياسة
لطالما كان دييغو صديقاً ومحباً لخطٍ معين في عالم السياسة، فهو الذي أبدى تعاطفه مع الإيديولوجيات اليسارية، ولا يُمكن أن تغيب قصة صداقته مع الزعيم الكوبي الراحل، فيديل كاسترو، يوم تلقى العلاج من تعاطي المخدرات وإدمانها في عام 2000.
كاسترو في إحدى المناسبات قال: "دييغو صديقٌ عظيم ونبيل للغاية، هو رياضي رائع وقد حافظ على صداقة كوبا من دون أي مكسب مادي من تلقاء نفسه".
كما ذكرنا فإن دييغو وشم صورة تشي غيفارا على ذراعه، لكن قد لا يعلم بعضهم أن كاسترو أيضاً حاضرٌ معه دائماً، فقد وضع صورته على ساقه اليسرى، وقال عنه في يوم رحيله: "كان مثل الأب بالنسبة لي، لقد فتح أبواب كوبا أمامي عندما أغلقتها الأرجنتين في وجهي، أخبروني الليلة الماضية بموته، بكيت كثيراً، اليوم يغادرنا لكنه سيواصل توجيهنا مثل تشي مثل شافيز، شخص يستطيع أن يرشدنا من السماء سيصل من دون شك إلى الجنة".
كان مارادونا مؤيدًا دائماً أيضًا للرئيس الفنزويلي السابق هوغو شافيز، ففي عام 2005 زار فنزويلا للقائه، واستقبله الأخير في ميرافلوريس.
بعد الاجتماع خرج دييغو أمام الجميع وقال إنه جاء لمقابلة "Un Grande" أي (رجل عظيم)، لكنه في الحقيقة وجد أمامه "Un Gigante" أي رجل عملاق، وكان يقصد أنه أكثر عظمة مما كان يتوقع، حينها أطلق تصريحاً بقي في ذاكرة الجميع: "أنا أؤمن بشافيز، أنا شافيستا، كلّ شيء يفعله فيديل وكلّ ما يفعله شافيز، يعتبر الأفضل بالنسبة لي".
يوم رحل شافيز قال: "ما تركه لي هوغو كان صداقة عظيمة وحكمةً سياسية لا تصدق، لقد غيّر هوغو الطريقة التي تفكر بها أميركا اللاتينية، خضعنا للولايات المتحدة لكنه أظهر لنا أنه يمكننا السير بمفردنا".
عارض مارادونا الإمبريالية بشكلٍ علني، لا سيما في عام 2005 يوم أقيمت قمة الأميركيتين في مار ديل بلاتا بالأرجنتين، هناك احتجّ على حضور جورج دبليو بوش في البلاد، فارتدى قميصاً يحمل عبارة "توقف بوش" (STOP BUSH) لكنه استبدل حرف الـ"S" بصليب معقوف، الذي ارتبط أكثر بالنازية التي استخدمته شعاراً لها، كما وصفه بالـ "قمامة البشرية".
لم يتوقف عداءُ مارادونا عند هذا الحدث تجاه الولايات المتحدة، ففي شهر أغسطس/ آب 2007 ذهب مارادونا إلى أبعد من ذلك، حين ظهر في برنامج شافيز التلفزيوني الأسبوعي "ألو بيرزدينتي" وقال خلاله: "أنا أكرهُ كلّ ما يأتي من الولايات المتحدة الأميركية، أكرههم بكلّ قوة"، مع العلم أنه أعرب عن إعجابه بالرئيس باراك أوباما في إحدى المناسبات.
علاقته مع الولايات المتحدة عادت للتوتر، بسبب الرئيس دونالد ترامب، فقد وصفه دييغو عام 2018 بكلمة "Chirolita"، التي تستخدم لتوصيف شخص قليل الشأن. وأثّر ذلك التصريح على حصول مارادونا على تأشيرة في وقت لاحق، ليعود بعد فوز فريقه في إحدى المناسبات للقول: "أهدي الفوز لمادورو وفنزويلا، التي تعاني بسبب أميركا، هي تعتقد أنها شرطية العالم، لأن لديها أكبر قنبلة، تعتقد أنها تستطيع دهسنا، لكن ذلك لن يحدث، لن يستطيع الطاغية الذي عُين رئيساً (يقصد ترامب) أن يشترينا".
عاش دييغو في الأكواخ الفقيرة في بلاده، وهذا الأمر أثّر به وبنى شخصيته، فخلال اجتماعٍ مع البابا يوحنا بولس الثاني في الفاتيكان عام 1987، أطلق الأرجنتيني تصريحاً مثيراً قال فيه: "لقد تجادلتُ معه لأنني رأيت في الفاتيكان السقوف الذهبية، وبعد ذلك سمعت البابا يتحدث أن الكنسية تشعر بالقلق إزاء رفاهية الأطفال الفقراء، بع سقفك يا صديقي افعل شيئاً، علينا تقليد البابا فرانسيس، إذا أعطى كلّ واحد منا شيئاً لشخصٍ آخر، فلن يتضور الآخرون جوعاً في هذا العالم".
كان لدييغو مواقف عديدة تجاه القضية الفلسطينية فعلى هامش مونديال 2018 في روسيا، التقى الرئيس محمود عباس، وقال له "أنا فلسطيني القلب" بمقطع فيديو تداوله العديد من الناشطين حول العالم، حتى أن الصحافة الإسرائيلية تحدثت عن الأمر يومها، وهو الذي أقدم في عام 2015 على رفض الهجمات الإرهابية التي طاولت فرنسا، فأرفقها برسالة سياسية أثارت غضب الشارع الإسرائيلي بقوله على فيسبوك: "أُوجّه التعازي لعائلات الضحايا في فرنسا، سورية ولبنان وفلسطين (يقصد الذين يسقطون بسبب الضربات والقصف الإسرائيلي)".