المعارك الروسيّة - الأميركيّة: المواجهة إعلامياً وإلكترونياً

19 سبتمبر 2017
تظاهرات ضد انتخاب ترامب في ديسمبر (كريس شنايدر/فرانس برس)
+ الخط -
بعد عشرة أشهر على انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نُشرت فيها مئات التحقيقات الصحافيّة حول التدخّل الروسي في الديمقراطيّة الأميركيّة، بدأت فصول تلك المزاعم تتّضح، ما دفع السلطات الأميركيّة لاتّخاذ إجراءات دفاعيّة، متأخرة عاماً كاملاً، ضدّ روسيا.
 
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" لم تتوقّف الهجمة الروسية على الانتخابات الأميركيّة عند قرصنة بريد الحزب الديمقراطي أو عند القصص الكاذبة والصحيحة والفبركة التي ضربت هيلاري كلينتون في الإعلام الروسي عبر قناة RT ووكالة سبوتنيك، بل استغلّت "فيسبوك" و"تويتر"، أي الشركات الأميركيّة الرائدة في مجال مواقع التواصل، لتكون أداة الكذب والبروباغندا.

مزاعم التدخل الروسي هي موضع تحقيقٍ قضائي أبطاله سياسيّون مقرّبون من ترامب. لكنّ القدرة الروسيّة على اختراق عقول الأميركيين وتغيير آرائهم، عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، على الرغم من انتشار شائعات عنه سابقاً، بدأت دلائلها الحسيّة في الظهور الشهر الحالي، بعد مراجعة داخليّة لموقع "فيسبوك".

الإعلانات الروسيّة
قبل يومين، سلّم موقع "فيسبوك" معلوماتٍ عن الإعلانات الروسيّة خلال حملة الانتخابات الأميركيّة، العام الماضي، لمكتب التحقيقات الفدرالي FBI.

وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" إنّ "فيسبوك سلّم الإعلانات"، فيما أوضح موقع "سي إن إن" أنّ المستشار ومدير الإف بي آي السابق، روبرت مويلر، حصل على مذكرة تفتيش أجبرت "فيسبوك" على تسليم الإعلانات التي باعها لشركة يُعرف أنّها تقوم ببروباغندا للكرملين، بالإضافة إلى معلوماتٍ حول تلك الإعلانات. ويُحقّق مويلر في مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الأميركيّة عام 2016.

وفي الأسبوع الأول من سبتمبر/ أيلول، أعلن "فيسبوك" أنّ مراجعة داخلية أظهرت أن مئات من الحسابات الوهمية المرتبطة بروسيا استخدمت لشراء إعلانات موجهة لتأجيج التوترات السياسية قبل وبعد الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016.

وكشفت المراجعة التي أجريت بسبب وجود مخاوف من استخدام فيسبوك بشكل احتيالي ومنظّم للتأثير في السياسة الأميركية عن وجود حسابات قد تكون جزءاً من حملة منظّمة لبث الفرقة السياسية. وذكر مسؤول في فيسبوك أن 470 حساباً أنفق عليها ما مجموعه نحو 100 ألف دولار بين حزيران/ يونيو 2015 وأيار/ مايو 2017 على إعلانات تحوي أنباءً زائفة أو مضللة أو تزيد من عدد الزيارات لصفحات إلكترونية تحمل مثل هذه الرسائل.
وبالرغم من أن المبالغ التي أنفقت غير كبيرة ولا تكاد تكفي لشراء 3000 إعلان، فقد تم إغلاق الحسابات أو الصفحات التي خالفت سياسات فيسبوك، بحسب أليكس ستاموس مسؤول الحماية في الموقع الاجتماعي.

وكتب ستاموس في مدونته "تحليلاتنا تفترض أن هذه الحسابات والصفحات يرتبط أحدها بالآخر والأرجح أنها تدار من روسيا". ولم تشر معظم الإعلانات التي اشترتها الحسابات بشكل مباشر إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية أو التصويت لمرشح محدد، لكن بدت كما يقول ستاموس وكأنها تركّز على "تضخيم رسائل اجتماعية أو سياسية مسببة للشقاق".

وأفاد فيسبوك بأن المواضيع التي تناولتها هذه الحسابات تضمنت قضايا العرق وحقوق المثليين وامتلاك السلاح والهجرة.

وبعد أسبوع تقريباً، ذكرت شركة "فيسبوك" أن بعض الإعلانات التي اشتراها الروس على الموقع العام الماضي روجت لمناسبات خلال حملة انتخابات الرئاسة الأميركية، ما يشير إلى أن التدخل قبل الانتخابات التي جرت في 2016 تجاوز وسائل التواصل الاجتماعي.
وكان موقع "دايلي بيست" قد كشف الأسبوع الماضي، عن استغلال روسيا مناسبات موقع "فيسبوك" Events، في تنظيم تظاهرات ضد الهجرة على الأراضي الأميركية.

وأفاد "دايلي بيست" بأن عناصر روسيين يختبئون وراء هويات زائفة استخدموا أداة التحكم بالأحداث على موقع "فيسبوك" في التنظيم والترويج لتظاهرات سياسية في الولايات المتحدة، وبينها تظاهرة مناهضة للمهاجرين والمسلمين في أغسطس/ آب الماضي، في ولاية إيداهو الأميركية.

وعلى "تويتر" هناك بصمات روسيّة على آلاف الحسابات الوهميّة التي نشرت رسائل معادية لكلينتون. وكان العديد منها آلياً، أو ما يُسمى بالـ"بوت"، والتي نشرت رسائل متطابقة بفارق ثوانٍ فقط، بحسب الترتيب الأبجدي لأسماء الحسابات الوهميّة، طبقاً لـFireEye.
ويوم الانتخابات، نشرت تلك الحسابات وسم #WarAgainstDemocrats (الحرب ضدّ الديمقراطيين) أكثر من 1700 مرّة. ولا يطلب "تويتر" من المغرّدين استخدام أسمائهم الحقيقيّة، بحجّة أنه يهدف ليكون مفتوحاً للنقاشات. لكنّ لائحة الأكثر تداولاً (الترند) تنشر بشكلٍ مستمرّ الموضوعات والوسوم الأكثر نقاشاً. ويقول الموقع إنّه يُحاول أن يمنع الحسابات الآليّة من الوصول إلى الترند، لكنّ البوتات الروسيّة استطاعت أن تفعل ذلك، ما تسبّب في إحدى المرات بوصول وسم #HillaryDown إلى لائحة الأكثر تداولاً.



آر تي
قبل أيام، طلبت وزارة العدل الأميركية من قناة "آر تي" (روسيا اليوم سابقاً) تسجيل عملياتها في الولايات المتحدة تحت بند "وكيل أجنبي"، ما من شأنه أن يضع ضغوطاً على عمل المجموعة الإعلامية التي تعتبرها واشنطن ذراعاً دعائية لموسكو.

وقالت "آر تي" إنّ وزارة العدل أبلغت الشركة التي تزود قناتها "آر تي أميركا" في رسالة أنّها مجبرة على التسجيل بموجب "قانون تسجيل الوكلاء الأجانب"، وهو قانون موجّه لجماعات الضغط والمحامين الذين يمثلون مصالح سياسية أجنبية في الولايات المتحدة.

واستنكرت رئيسة تحرير "آر تي" مارغريتا سيمونيان على موقعها الخطوة واعتبرتها جزءاً من "حرب" أميركية ضد الصحافة الروسية. وقالت "الحرب التي تشنّها المؤسسة الأميركية ضد صحافيينا مهداة إلى كل المثاليين الشاخصين الذين لا يزالون يؤمنون بحرية التعبير. هؤلاء الذين اخترعوا حرية التعبير دفنوها".

وتحولت "روسيا اليوم" التي تتخذ من موسكو مركزاً لها إلى محور للتحقيقات بالتدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016. وأشير أيضاً إلى صلات بين القناة ومايكل فلين مستشار الأمن القومي للرئيس دونالد ترامب. فقد تلقّى فلين، حين كان رئيساً لاستخبارات الدفاع، عشرات آلاف الدولارات في كانون الأول/ ديسمبر 2015 لحضور حفل بمناسبة ذكرى تأسيس "روسيا اليوم" حيث جلس إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وفي كانون الثاني/ يناير ذكر تقرير للاستخبارات الأميركية حول التدخل الروسي في الانتخابات "آر تي" بأنها "وسيلة الدعاية الرئيسية الدولية للكرملين". ويعود "قانون تسجيل الوكلاء الأجانب" (فارا) المكتوب عام 1938 إلى فترة مواجهة البروباغاندا النازية عشية الحرب العالمية الثانية، ويستخدم للكشف عن المؤسسات التي تمثل مصالح حكومات أجنبية في واشنطن.

سبوتنيك
حقق "أف بي آي" مع مؤسسة "سبوتنيك"، وهي جزء من مجموعة "روسيا سيغودنيا" التي تملكها الدولة أو "ريا نوفوستي" سابقاً.
وقال الصحافي في واشنطن أندرو فينبيرغ الذي عمل في "سبوتنيك" بداية هذا العام إنّه تم استجوابه من قبل عملاء "أف بي آي" في الأول من أيلول/ سبتمبر، مضيفاً أنّ الاستجواب تركّز حول كيفية عمل "سبوتنيك" التي تبث أخباراً على منصات متعددة، كما تملك محطة إذاعية في واشنطن، لمعرفة ما إذا كانت تنشط كوكيل أجنبي أو مجموعة ضغط أكثر منها مؤسسة إعلامية. وأثار هذا الضغط الأميركي مخاوف من رد فعل قد تتعرض له المؤسسات الإعلامية الأميركية العاملة في موسكو.



حظر كاسبرسكي
حظرت وزارة الأمن الداخلي الأميركيّة، جميع أنظمة تكنولوجيا المعلومات وبرنامج الحماية "كاسبرسكي" والبرمجيات الأمنية، من الشركة الروسية، بشكل مباشر، بعد ثلاثة أشهر من قيام "إدارة الخدمات العامة" بإزالة "كاسبرسكي لاب" من قائمة الموردين الاتحاديين المعتمدين.


ووجّهت القائمة بأعمال وزير الأمن الداخلي بالولايات المتحدة، إليان دوك، الأسبوع الماضي، إلى جميع الوكالات والإدارات الحكوميّة الأميركيّة لتحديد، خلال الأيام الثلاثين المقبلة، أي مِن منتجات كاسبرسكي يتم استخدامها، ووضع خطة خلال 60 يوماً لوقف استخدامها، والبدء في وقفها في غضون 90 يوماً.
وأعربت الوزارة عن قلقها من صلات بين مسؤولي شركة كاسبرسكي ووكالات الاستخبارات الروسية.

وفي 24 يوليو الماضي، نقلت "واشنطن بوست" اعتراف الوكالات الحكومية المحلية في ولايات أميركية من أوريغون إلى كونيتيكت بمواصلتها استخدام العلامة التجارية الروسية "كاسبريسكي" كبرنامج أمني، رغم تعليمات الحكومة الاتحادية بعدم شراء برمجياتها، بسبب مخاوف بشأن التجسس الإلكتروني.

وقامت الوكالة الفدرالية الأميركية المكلفة الشراء، وهي إدارة الخدمات العامة، بإزالة شركة "كاسبرسكي لاب" التي تتخذ من موسكو مقراً لها من قائمة المورّدين المعتمدين لديها. وقال بيان الوكالة بوجود ضعف في "كاسبرسكي" يعطي للحكومة الروسية إمكانية الوصول المستتر إلى الأنظمة التي تحميها، على الرغم من أنها لم تقدم أي تفسير أو دليل على ذلك.

وفي 29 يوليو الماضي، طلبت لجنة في الكونغرس الأميركي من 22 وكالة حكومية، أن تزودها بوثائق عن شركة "كاسبرسكي لاب"، وذلك لاعتبارها أنّ منتجات الشركة يمكن أن تستخدم لتنفيذ "أنشطة شريرة ضد الولايات المتحدة".

ونفت "كاسبرسكي" بشدة التنسيق مع الحكومة الروسية، وعرضت التعاون مع المحققين الفدراليين.

وتأسست "كاسبرسكي لاب" في عام 1997، ولديها الآن ما يزيد على 400 مليون عميل حول العالم. وحاولت الشركة، لكن من دون جدوى إلى حد كبير، أن تبيع منتجاتها إلى الإدارة الأميركية، أحد أكبر المشترين لأدوات الإنترنت في العالم.


المساهمون