Spiral2... في عمق المادة النووية

27 نوفمبر 2016
Linac مُسرع الأيونات الثقيلة (Philippe STROPPA/CEA/CNRS)
+ الخط -
افتتح يوم 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، في مدينة كاين الفرنسية، أحدث مُسرّع للأيونات الثقيلة. ويدخل الإنجاز كمرحلة أولى من مشروع Spiral2، الذي من شأنه أن يساعد في الكشف عن أسرار الذرة وإنشاء عناصر كيميائية جديدة. 

قديماً، تتبع الخيميائيون هدفاً طالما اعتبر من وحي الخيال، وذلك في تحويل المعادن الرخيصة إلى أخرى نبيلة. وقد أصبح حلم هؤلاء عبر العصور إنجازاً علمياً بفضل منشآت تكنولوجية متطورة، مثل أكبر مُسرع للأيونات الثقيلة (GANIL) في مدينة كاين الفرنسية. هناك، ومنذ ما يقرب من 35 عاماً، استطاع الفيزيائيون كسر أيونات متسارعة للحصول على ذرات جديدة، واستكشاف أسرار المادة في عمقها النووي.

وسوف يتمكن العلماء من إجراء هذه التحولات من جديد على نطاق لم يسبق له مثيل، بعد افتتاح مرافق مشروع Spiral2 (نظام توليد أيونات مشعة متسارعة من الجيل الثاني) داخل مركز GANIL، ما يمهّد الطريق لاكتشاف عناصر وهياكل ذرية غير معروفة من قبل.
وتم تدشين لأول مرة مُسرع (GANIL) عام 1976. وعلى مر السنوات المتتالية، لم يتوقف عن التطور وإبرام اتفاقيات تعاون دولية للحصول على معدات حديثة.

وتأتي هذه التطورات والتي من ضمنها الخطوة الكبيرة لمشروع Spiral2، لتقود المركز لأن يكون أحد أكبر أربع مختبرات في العالم للبحث باستخدام الأشعة الأيونية الثقيلة.
ولم يحصل تغيّر في مبدأ عمله، حيث يبدأ أولاً في تكوين الأيونات المشحونة كهربائياً وذلك بانتزاع إلكترونات من ذرات غير مشحونة. وتمر نوى هذه الذرات المشحونة كهربائياً عبر المجال المغناطيسي للمُسرع، ما يرفع حركتها إلى ثلث سرعة الضوء قبل أن يحصل اصطدام بنوى ذرات أخرى معينة.

وتُشجع هذه الاصطدامات ذات الطاقة العالية جداً إمكانية حصول تفاعلات نووية، تنتج عنها نوى ذرات أخرى جديدة تتناسب في عدد البروتون - النيوترون، وتكون ذات هيكل وشكل غير مألوف من قبل.

إن مراقبة وتحليل هذه النوى المشعة سريعة الزوال، يسهّل على الباحثين الفيزيائيين استكشاف خصائص المادة النووية. وبشكل خاص، يقوم المختبر بالبحث عن النوى الغريبة، وتسمى هكذا لأنها ليست جزءا من النظائر المستقرة الـ291 المتواجدة طبيعياً على الأرض.

وقد تم لغاية الساعة اكتشاف أكثر من مئة نوى غريبة منها، وقد تم توليفها ودراستها. وريثما يتم تشغيل Spiral2، فسوف يسمح بإنتاج ودراسة نوى جديدة غريبة في مركز GANIL، لينافس في السباق العالمي للبحوث التي تستخدم النوى فائقة الثقل (العناصر كيميائية بعدد ذري، وعدد البروتونات أكبر من 110).
كما سوف ينتج GANIL خصوصاً عناصر جديدة، ترتيبها ما بعد عنصر أوغانيسون (Og) ذي 118 من البروتونات، والذي شهد مختبر روسي اكتشافه، وتم التحقق من صحته في ديسمبر/ كانون الأول 2015.

بدأ التشغيل التدريجي لمختلف معدات المرحلة الأولى من مشروع Spiral2. وسوف تضاف المرافق الجديدة لما هو موجود في Ganil، لترتفع مساحة المركز من 11 ألف متر مربع إلى حوالي 20 ألف متر مربع. وتم تقسيم المشروع إلى مراحل لاستيعاب قيود الميزانية وإجراءات التصاريح الأمنية الصناعية.

وتستمر المرحلة الأولى لغاية عام 2019، والتي بدأت منذ 3 نوفمبر 2016 مع تدشين المُسرِّع الخطي الجديد Linac، بالإضافة إلى مصدرين لتوليد الأيونات، وحاقن لتوجيه الحزم المشعة المنبثقة منهم لاستخدامها لاحقاً.
وسوف يتمكن المصدر الأول من إنتاج الأيونات الثقيلة من عناصر تراوح من الكربون وصولاً إلى اليورانيوم. وتكون شدة الأشعة الأيونية الثقيلة الناتجة عن هذا المصدر ما بين 10 إلى 100 مرة أكبر من المتوفرة حالياً في مركز Ganil.

وسوف تستخدم هذه الحزم المشعة في المقام الأول لإنتاج نوى مشعة (غريبة) من خلال تفاعلات الاندماج النووي.
أما المصدر الثاني فسوف ينتج أشعة من جسيمات خفيفة مثل البروتونات، الديوترون (نواة تتكون من بروتون واحد ونيوترون واحد)، وجسيمات ألفا (نواة الهيليوم 4 المتكون من اثنين من البروتونات والنيوترونات اثنين). وسوف تستخدم بشكل خاص لإنتاج أشعة مكثفة من النيوترونات.

وتمرر هذه الأشعة الناتجة من المصدرين الخفيفة والثقيلة عبر جهاز رباعي الأقطاب للترددات الراديوية (RFQ)، والذي يتمثل دوره في تسريع الجسيمات الأيونية لتصل لغاية %4 من سرعة الضوء، ووضعها في الوقت نفسه، ضمن حزم مشعة مناسبة لحقنها داخل المُسرِّع.
في قلب مرافق مشروع Spiral2، يتكوّن المُسرِّع الخطي Linac من سلسلة 19 جهاز تبريد، تحتوي على تجاويف فائقة التوصيل تعمل في درجة حرارة (270- درجة مئوية). جميع التجهيزات تُسرِّع الجسيمات إلى طاقة تصل إلى نحو %25 من سرعة الضوء، أما الأيونات الثقيلة فتصل إلى %18 من سرعة الضوء.

وسوف يتم تحويل وتسليم هذه الحزم عالية الطاقة، وفقاً لطبيعتها، إلى مختبرين جديدين لإجراء التجارب، الأول NFS (النيوترونات للعلوم)، والثاني S3 (مطياف الفاصل السوبر)، واللذين سوف يشرعان قريباً في العمل.
وسوف يشمل مختبر NFS، والذي سيدخل حيز التنفيذ في عام 2017، دراسة التفاعلات الناجمة عن النيوترونات السريعة في الجيل الجديد من المفاعلات النووية، بالإضافة إلى آثار الإشعاع بواسطة النيوترونات في مجالات الصحة وأبحاث المواد.

أما بالنسبة لمختبر S3، والذي من المقرر تشغيله في 2019، فإنه سوف يستخدم أشعة الأيونات الثقيلة لإنتاج ودراسة النوى الغريبة، التي تتولد في تفاعلات الاندماج النووي.
ولن تقتصر مهام Spiral2 على هذا فقط، بل تدخل في تطبيقات تراوح بين معالجة النفايات المشعة وصولاً إلى إنتاج النظائر المشعة في الطب النووي، من خلال دراسة تأثير النيوترونات على المواد الكيميائية وبيئة الأحياء.



المساهمون