كثرت في الفترة الأخيرة الأعمال التلفزيونية المستوحاة، أو المأخوذة، من مواقع التواصل الاجتماعي ومن بعض أصحاب الإعجابات الكثيرة وقولبة مقاطع فيديوهات ينتجونها، وفقاً لرؤاهم الخاصة ولإمكانياتهم الذاتية من دون أي التزام بخط تحريري محدد، إذ يتكئون في كثير من الأحيان على إمكاناتهم اللفظية. هكذا، تجد بعضهم ينتج مادة تتحدث عن حلول طبية أو نفسية، وهو لا يميز بين الدورة الدموية الصغرى والكبرى، وبعضهم يتفلسف من دون أن يعرف الفرق بين الجوهر والمظهر، ومنهم من يعطي نصائح اجتماعية وإنسانية وهو يخلط بين الواقع والحلم. والأدهى من ذلك من يحاول إنتاج الكوميديا من النكات المنتشرة على "فيسبوك" لتخرج حواراً بلا روح، أبعد ما يكون عن الكوميديا؛ والنتيجة هي تحول تلك الفيديوهات مع أصحابها لبرامج تلفزيونية، ظناً من بعض ممّن يعملون بالتلفزيون أنهم بذلك الاستيراد لأصحاب الانتشار على السوشال ميديا، سيجلبون تلك "اللايكات" على برامجهم وتلفزيوناتهم بشكل تلقائي، ويحققون بالتالي الانتشار الذي يحلمون به لتلفزيوناتهم وبرامجهم بطريقة سهلة. وكلّ ذلك نتيجة عدم قدرتهم على إنتاج محتوى تلفزيوني محكم، يُحاكي آمال وتطلعات الجمهور ويخلق متابعين مؤمنين برسالة التلفزيون، مكرّسين بفعلتهم هذه ظاهرة إعلامية فريدة أساسها الخلط بين حقلين إعلاميين متمايزين ومختلفين، وبنفس الوقت متكاملين إذا استطعنا توليفهما بطريقة صحيحة أساسها فهم آليات وفضاء كل منهما.
التلفزيون عالم من عوالم الفرجة، عالم الصورة المتحركة، خلق ذلك التناسق السحري بين الفكرة وكيفية ظهورها، عالم إبداع تحريك الصورة على إيقاع الكلمات والموسيقى. وعندما نشغل جهاز التلفزيون لا نتوقع أن نرى كلمات جافّة على ورق يكاد ينكسر تحت خشونة معانيها، أو شرح محاضرة على لوح خشبي مليء بآثار الطباشير، إلا إذا كان كل ذلك جزءا من مشهدية كاملة توظف تلك الكلمات والجمل وشكل الصحيفة وبقايا الطباشير لتعيد صياغة المعنى من خلال الصورة، لأن القول من خلال شاشة التلفزيون هو حالة من التواصل مع برنامج، اختاره المشاهد بمحض إرادته، وجلبه إلى بيته وسهراته، وفي لحظة يختارها المشاهد إياه، ليكون مستمعاً جيداً ومستسلماً لقول آخرين لا يستطيع الرد عليهم مباشرة، إلا من خلال فضاء آخر وليس عبر شاشة التلفزيون نفسها. أما السوشال ميديا، فهي ذلك الأفق المفتوح دائماً على المحتوى البسيط، مركزاً على آليات القول من خلال التواصل السهل عبر الكلمة أحياناً والصورة البسيطة أحياناً أخرى. وهي متوفرة في كل اللحظات ولك كامل الحرية أن ترد في نفس الفضاء وفي نفس اللحظة، إذا كنت "أونلاين"، بالكلمة أو بالصورة، كما يحلو لك القول.
وللتلفزيون آلياته الخاصة للوصول إلى المشاهدين وجذبهم إلى المحتوى الذي يبثّه والمنسجم مع خط تحريري عام يشكل ناظماً للقول في التلفزيون؛ أما السوشال ميديا، فلها آلياتها الخاصة أيضاً، لكنها الأسهل في خلق المحتوى وبثه. بل يمكن القول إن مواقع التواصل الاجتماعي هي حالة الإعلان أو الإخبار عن المحتوى بشكل بسيط بصرياً وبرؤية فردية وشخصية، على عكس التلفزيون، حيث يتبع التعبير عن المحتوى آليات معقدة ذات طبيعة جمعية وتعبير عن رؤية لمنظومة مؤسسية.
اقــرأ أيضاً
في كثير من الأحيان، نرى مبدعين على "يوتيوب" يلقون رواجاً كبيراً على التلفزيون، وذلك لأن شروط خلق المادة على "يوتيوب" تحاكي إلى حد كبير شروط خلق المادة التلفزيونية، والأمثلة في هذا المجال محدودة جداً. إنّ إحدى أدوات التكامل بين الحقلين هي الاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي، لكي ننشر المحتوى التلفزيوني، وكي نعرف مدى وصوله وتقبله من قبل الجمهور، وذلك من خلال عدد المشاهدات وعدد الإعجابات والمنشورات التي استحوذت عليهما المادة التلفزيونية على منصات التواصل الاجتماعي. وغني عن القول إنّ مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن أن تحصد اللايكات الكثيرة لمادة تلفزيونية سيئة مهما كانت شهرة المروج لها على السوشال ميديا. وبنفس القدر، لا يمكن أن يسوق التلفزيون لمادة من السوشال ميديا، ويجلب لها النجاح إذا كانت مادة سيئة وغير مشغولة بأدوات وآليات تحاكي جودة العمل التلفزيوني.
إنّ الخلط غير المدروس بين هذين الحقلين الإعلاميين ستكون نتيجته سيئة، ليس على التلفزيون وبرامجه فقط، بل على مبدعي السوشال ميديا أيضاً، ذلك أن كثيراً منهم ممن كانوا مشاهيرَ وحاصدي آلاف الإعجابات فقدوا الكثير من متابعيهم، حين تقولب عملهم على شكل برنامج تلفزيوني.
التلفزيون عالم من عوالم الفرجة، عالم الصورة المتحركة، خلق ذلك التناسق السحري بين الفكرة وكيفية ظهورها، عالم إبداع تحريك الصورة على إيقاع الكلمات والموسيقى. وعندما نشغل جهاز التلفزيون لا نتوقع أن نرى كلمات جافّة على ورق يكاد ينكسر تحت خشونة معانيها، أو شرح محاضرة على لوح خشبي مليء بآثار الطباشير، إلا إذا كان كل ذلك جزءا من مشهدية كاملة توظف تلك الكلمات والجمل وشكل الصحيفة وبقايا الطباشير لتعيد صياغة المعنى من خلال الصورة، لأن القول من خلال شاشة التلفزيون هو حالة من التواصل مع برنامج، اختاره المشاهد بمحض إرادته، وجلبه إلى بيته وسهراته، وفي لحظة يختارها المشاهد إياه، ليكون مستمعاً جيداً ومستسلماً لقول آخرين لا يستطيع الرد عليهم مباشرة، إلا من خلال فضاء آخر وليس عبر شاشة التلفزيون نفسها. أما السوشال ميديا، فهي ذلك الأفق المفتوح دائماً على المحتوى البسيط، مركزاً على آليات القول من خلال التواصل السهل عبر الكلمة أحياناً والصورة البسيطة أحياناً أخرى. وهي متوفرة في كل اللحظات ولك كامل الحرية أن ترد في نفس الفضاء وفي نفس اللحظة، إذا كنت "أونلاين"، بالكلمة أو بالصورة، كما يحلو لك القول.
وللتلفزيون آلياته الخاصة للوصول إلى المشاهدين وجذبهم إلى المحتوى الذي يبثّه والمنسجم مع خط تحريري عام يشكل ناظماً للقول في التلفزيون؛ أما السوشال ميديا، فلها آلياتها الخاصة أيضاً، لكنها الأسهل في خلق المحتوى وبثه. بل يمكن القول إن مواقع التواصل الاجتماعي هي حالة الإعلان أو الإخبار عن المحتوى بشكل بسيط بصرياً وبرؤية فردية وشخصية، على عكس التلفزيون، حيث يتبع التعبير عن المحتوى آليات معقدة ذات طبيعة جمعية وتعبير عن رؤية لمنظومة مؤسسية.
وإذا كان العمل في التلفزيون يتطلب خبرات خاصة، إن كان على مستوى الكتابة للصورة أو على مستوى خلق المادة الفلمية، فإن السوشال ميديا تتطلب مهارات أخرى لا يمتلكها من يعمل في التلفزيون، ولا يمكن لأي منهما أن يأخذ دور الآخر، وبالتالي لا يمكن أن يكون كل من عمل في التلفزيون قادراً على الإبداع على مواقع التواصل الاجتماعي، أو قادراً على التعامل مع آليات القول وخلق المحتوى من خلالها. وبنفس الوقت، من الصعب على من يعمل في السوشال ميديا مهما كان عدد "اللايكات" التي يجمعها أن يكون فاعلاً حقيقياً وقادراً على أن يبدع في مجال التلفزيون كما يبدع في مواقع التواصل.
وإذا كان مقياس الإبداع في السوشال ميديا هو عدد الإعجابات أو المشاهدات التي يمكن قياسها بدقة، فإنّ مقياس الكفاءة والإبداع في التلفزيون لا يمكن أن يكون بهذه الدقة. بل يكون ذلك من خلال استطلاعات الرأي والصحافة وردود أصحاب الخبرة في هذا المجال، وربما من خلال العائد المادي الذي يدره الطلب على هذه الأعمال في سوق التلفزيون، وخصوصاً أنّ آليات تقييم العمل التلفزيوني دقيقة وتتبع محددات كثيرة ابتداء من الجودة التقنية إلى المحتوى والإخراج، وهو غير مطلوب على الأقل بهذه الدقة في السوشال ميديا.في كثير من الأحيان، نرى مبدعين على "يوتيوب" يلقون رواجاً كبيراً على التلفزيون، وذلك لأن شروط خلق المادة على "يوتيوب" تحاكي إلى حد كبير شروط خلق المادة التلفزيونية، والأمثلة في هذا المجال محدودة جداً. إنّ إحدى أدوات التكامل بين الحقلين هي الاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي، لكي ننشر المحتوى التلفزيوني، وكي نعرف مدى وصوله وتقبله من قبل الجمهور، وذلك من خلال عدد المشاهدات وعدد الإعجابات والمنشورات التي استحوذت عليهما المادة التلفزيونية على منصات التواصل الاجتماعي. وغني عن القول إنّ مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن أن تحصد اللايكات الكثيرة لمادة تلفزيونية سيئة مهما كانت شهرة المروج لها على السوشال ميديا. وبنفس القدر، لا يمكن أن يسوق التلفزيون لمادة من السوشال ميديا، ويجلب لها النجاح إذا كانت مادة سيئة وغير مشغولة بأدوات وآليات تحاكي جودة العمل التلفزيوني.
إنّ الخلط غير المدروس بين هذين الحقلين الإعلاميين ستكون نتيجته سيئة، ليس على التلفزيون وبرامجه فقط، بل على مبدعي السوشال ميديا أيضاً، ذلك أن كثيراً منهم ممن كانوا مشاهيرَ وحاصدي آلاف الإعجابات فقدوا الكثير من متابعيهم، حين تقولب عملهم على شكل برنامج تلفزيوني.