مصر: مكرم يتحدث عن حرية الرأي وتكميم الأفواه... صراع السلطة في الخلفية؟

24 فبراير 2020
مكرم خلال الحلقة (يوتيوب)
+ الخط -
في لقاء تلفزيوني، مع الإعلامي المصري الموالي للنظام، أحمد موسى، قال الكاتب الصحافي، رئيس المجلس الأعلى للصحافة والإعلام (مؤسسة حكومية مصرية)، مكرم محمد أحمد، إن حرية الرأي في مصر منقوصة، ويوجد تكميم للأفواه وتخويف واضح ضد التعبير عن الرأي.

حديث يعدّ غريباً، لدرجة أنّ المستضيف شخصيًا كان على قدر كبير من الدهشة والاستغراب. فقد تساءل مكرم خلال استضافته في برنامج "على مسؤوليتي" مساء الأحد، "كم مظاهرة بتنزل الشارع حاليًا؟ فين الحرية؟ لو أردنا الحديث عن صحافة حقيقية يبقى لازم حرية رأي". وتابع: "أنا لست مسؤولًا عن الإعلام ولا أستطيع أن أقول من المسؤول عن الإعلام في مصر، لأن وزير الإعلام سيغضب، لكن من يدير الإعلام هي السلطة التنفيذية".

وأضاف: "ليس هناك نقاش وليس هناك اختلاف في الآراء وليس هناك هامش للحرية. العلانية أمر مهم، حرية الرأي والتعبير مهمة جداً وتحمي البلد من التوجه الواحد وصلابة الرأي الواحد. اسمح للناس أن تعبر عن رأيها وتختلف، أقصد بذلك النظام والسلطة، اسمحوا بوجود معارضة، الدنيا (مش هتتهد) من اختلاف الآراء، بقالي 80 سنة مشفتش ناس خرجت في مظاهرات تقول لا للحرية يعني لازم تفتح للناس المجال والحرية والرأي الآخر دي ملامح الدولة السليمة".

وكان أحمد موسى يرد باستغراب: "معقول مصر فيها تقييد لحرية الرأي، كلامك مزعلني"، ليباغته مكرم بانفعال: "إنت ليه عايزني أقول كلام مش حقيقي". وأضاف: "لا ينبغي أن تكون السلطة التنفيذية وحدها هي التي تعطي الأوامر والنصائح وترسم الطريق، ووزير الدولة للإعلام باعتباره ممثل السلطة التنفيذية ليس مخولا له أن يكون الحكم الأوحد".


وتساءل جمهور مواقع التواصل الاجتماعي عن هذا التحول الرهيب في حديث إحدى أذرع النظام الحاكم الإعلامية، لا سيما بعد حوالي شهر واحد فقط من إصدار مكرم محمد أحمد، تصريحات صحافية على هامش إصدار التقرير السنوي عن حالة الإعلام في مصر خلال 2019، الصادر عن المجلس الأعلى للصحافة والإعلام، والذي قال فيه إن "الإعلاميين يتمتعون بالحرية والاستقلالية والحماية في أداء عملهم ويفتخر المجلس بأنه جنب الإعلاميين والصحافيين مغبة الوقوف في ساحات المحاكم من خلال اللوائح والإجراءات التي طبقها".


التقرير الحكومي الذي أصدره المجلس الذي يديره مكرم محمد أحمد، والذي نفى وجود صحافي مصري واحد محبوس في قضية نشر، ورد فيه أيضًا أن "الرأي الآخر يمثل مساحات في الصحف المعارضة والخاصة وفي الصحف القومية بدرجات مختلفة، كما أن رموز المعارضة يظهرون في وسائل الإعلام في مناسبات عديدة تأكيداً لأهمية الرأي والرأي الآخر". تجدر الإشارة إلى أن أكثر من 70 صحافيًا وإعلاميًا تم توثيق وجودهم في السجون بنهاية عام 2019، وفقًا لحصر صادر عن "المرصد العربي لحرية الإعلام".

ورأى المجلس في تقريره السابق أن حرية الرأي والتعبير "مكفولة للمصريين عبر وسائل الإعلام المختلفة، وذلك طبقاً للمعايير الإعلامية العالمية من خلال مئات المقالات اليومية بالصحف الورقية القومية والخاصة والإلكترونية وفي الشاشات والإذاعات ومن خلال 101 مليون حساب على مواقع التواصل الاجتماعي".

يُشار إلى أن عدد المواقع المحجوبة في مصر وصل إلى 546 موقعًا على الأقل، بعد الهجمة التي صاحبت مظاهرات سبتمبر/أيلول 2019. من بينها 103 مواقع صحافية، وفقًا لحصر مؤسسة حرية الفكر والتعبير.

وتراجعت مصر في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لمنظمة "مراسلون بلا حدود" لعام 2019، إلى المرتبة 163 عالمياً بتراجع مركزين عن العام الماضي من أصل 180 بلدًا. ووفقًا للأرقام الصادرة عن لجنة حماية الصحافيين، تحتل مصر المرتبة الثالثة كأسوأ بلد من حيث سجن الصحافيين.

وتصدرت الصين وتركيا والسعودية ومصر وإيران قائمة البلدان التي تسجن أكبر عدد من الصحافيين في العالم، وفق تقرير للجنة حماية الصحافيين الدولية، نشر في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2019. كما أن مصر تعد أكثر دولة تستخدم تهمة نشر "أخبار كاذبة" لاعتقال الصحافيين، وفق تقرير لـ"لجنة حماية الصحافيين الدولية".

وعزا بعض الإعلاميين والصحافيين هذا التحول الدرامي في تصريحات مكرم محمد أحمد، إلى الصراع الدائر بين مؤسسات الدولة المسؤولة عن الإعلام، منذ استعادة وزارة الإعلام مجددًا في آخر تعديل وزاري في مصر في ديسمبر/كانون الأول 2019، بعد سنوات من إلغائها. لكنها عادت "وزارة الدولة للإعلام" لا وزارة الإعلام، وهو فارق جوهري كبير، إذ إن وزير الدولة بلا صلاحيات واختصاصات وأشبه بموظف تابع لمجلس الوزراء.

وتم إلغاء وزارة الإعلام، من منطلق نص دستوري ينص على "تشكيل مجلس أعلى لتنظيم الإعلام وهيئتين وطنيتين إحداهما للصحافة والأخرى للإعلام، لتولي مهام تنظيم المشهد الإعلامي بالكامل" بدلًا من وزارة الإعلام التي ألغيت.

وفي أعقاب استعادة وزارة الإعلام، بدأت التكهنات تتزايد بوجود صراع في المشهد السياسي لا المشهد الإعلامي فقط، قد يتطور للإطاحة برموز وشخصيات اجتهدت طوال سنوات لتقديم فروض الولاء والطاعة للنظام بكل ما أوتيت من قوة، ويأتي على رأسها، رئيس المجلس الأعلى للإعلام، مكرم محمد أحمد، الذي قال في أول تصريح صحافي عقب عودة وزارة الإعلام، إن "وزير الإعلام الذي عين اليوم هو وزير بلا وزارة، وإن القرار لم يوضح اختصاصات هيكل، لكن الدستور أكد وضع المجلس الأعلى والهيئتين".

المساهمون