نظام السيسي يتخلص من القنوات الخاسرة وإعلاميي مبارك

05 سبتمبر 2018
مجدي الجلاد (يمين) وخيري رمضان (فرانس برس)
+ الخط -
كشفت مصادر إعلاميّة مصريّة النقاب عن خطوةٍ جديدة من المرحلة الثانية لإعادة هيكلة الإعلام المصري، بالتزامن مع إبعاد الإعلامية لميس الحديدي عن برنامجها القديم "هنا العاصمة" على شاشة قناة "سي بي سي". وتتمثل الخطوة في استحواذ جهاز الاستخبارات العامة على أغلبية أسهم مجموعة "إعلام المستقبل" التي كانت مملوكة لرجل الأعمال المقرب من النظام الحاكم، محمد الأمين، والتي تملك قنوات "سي بي سي" وصحيفة "الوطن" واتجاه الجهاز إلى إلغاء قناة "سي بي سي" العامة وقناة "سي بي سي إكسترا" والاكتفاء بقناتي الدراما والمطبخ. 

وكانت لميس الحديدي قد مُنعت من تقديم برنامجها منذ بداية سبتمبر/ أيلول الجاري، بعد أيام من تدشين حملة إعلامية لموسمه الجديد، تأكيداً للمعلومات التي كانت "العربي الجديد" قد انفردت بها في تقرير مطلع أغسطس/ آب الماضي (بعنوان المرحلة الثانية من إعادة هيكلة "إعلام السيسي"... وداعاً للسياسة)، أعلنت فيه مصادر مطّلعة عن قرب رحيل الحديدي عن القناة وعدم عودتها من إجازتها السنويّة إذا لم تتوصل في مفاوضاتها مع مدير المخابرات عباس كامل إلى حلّ يضمن استمرارها في تقديم برنامج "توك شو" مسائي رئيسي.
وقالت المصادر إن الحديدي كانت قد طلبت مرات عدة الاجتماع مع عباس كامل لمناقشته حول الإطار الذي سيمضي فيه برنامجها في موسمه الجديد، إلا أنها لم تتمكّن من مقابلته، والتقت بعدد من الشخصيات النافذة في دائرة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، والتي أبلغتها بضرورة تغيير اتجاه البرنامج من الإطار التقليدي السياسي والاقتصادي إلى إطار اجتماعي وشبابي ومعلوماتي، يدور حول "المبادرات الحكومية" ومدى تفاعل الدولة مع الشباب وتقديم "النماذج الناجحة" من البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، وغيرهم من المتفاعلين مع مشروعات السيسي لتأهيل المشروعات متناهية الصغر والمبادرات الاجتماعية وغيرها.

لكنّ الحديدي رفضت هذا الأمر وتعهّدت بتقليل نسبة السياسة والاقتصاد في برنامجها، رغم أنّها في الحقيقة لا تبث أي مواد تحمل شبهة المعارضة للنظام أو سياساته، معتمدةً على تمتعها بثقة السيسي وعباس كامل منذ سنوات لدورها الكبير في حشد المتظاهرين ضد الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة "الإخوان المسلمين"، ونجاحها في "تغيير جلدها" بسرعة مع التغيرات السياسية. إذ إنّها تركت معسكر نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك ولم تتمسَّك بفرص نجله جمال في العودة للمشهد السياسي، رغم أنها عملت يوماً مستشارةً إعلاميةً لجمال، ولحملة مبارك الانتخابية.

وبعد أيام من تسجيل الحديدي "برومو" جديد للبرنامج، فوجئت بإبلاغها، يوم السبت الماضي، بعدم السماح لها بالظهور على الشاشة، وأنّها يُمكن أن تختار قناةً جديدة لها من بين اثنتين: "أون" و"دي إم سي"، الأمر الذي تزامن مع استحواذ الاستخبارات عبر بعض ضباطها والمتعاملين معها، على قنوات "سي بي سي"، بعدما كانت تحتفظ فقط بأكثرية الأسهم منذ دخولها كشريك لمحمد الأمين منذ عام. وتنازل الأمين للاستخبارات عن حق الإدارة المباشرة، حيث تتجه إلى تصفية القناة العامة والقناة الإخبارية في محاولة لتخفيض "الخسائر القياسية" التي تُمنى بها القناة منذ توقّف الدعم المالي الإماراتي الذي كان الأمين يتلقّاه عبر مستثمرين وجهات رسمية بين أعوام 2011 و2014.


وأضافت المصادر أنّ الحديدي لم تحسم بعد خيارها، لكنّها إذا خُيّرت بين التقاعد والانتقال لقناة أخرى فسوف تنتقل. إلا أنّ عليها في هذا الوقت أن تقبل بالشروط للاستمرار، وهي: تغيير موضوعات برنامجها، وتخفيض أجرها وأجور مساعديها، وأن يكون البرنامج مسجّلاً وليس على الهواء مباشرة حتى يسهل التحكّم في محتواه قبل البث.

لكنّ التعامل الجافّ للنظام مع لميس الحديدي له مبرّرات أوسع؛ هي رؤية السيسي وعباس كامل بضرورة تحجيم الإعلاميين الذين تم الاعتماد عليهم للوصول للسلطة، كلميس الحديدي وزوجها عمرو أديب وخيري رمضان ومجدي الجلاد ووائل الإبراشي وحتى رئيس تحرير صحيفة "اليوم السابع" خالد صلاح، بسبب خلافات ظهرت في الآونة الأخيرة حول طريقة الإدارة، وانتقادات وجّهها بعض هؤلاء الإعلاميين للطريقة التي يحكم بها ضباط المخابرات المشهد الإعلامي.

تتكامل قصة "تقزيم لميس" مع إبعاد زميلها السابق خيري رمضان عن تقديم البرنامج الرئيسي في القناة الأولى الحكومية منذ أسابيع، ثم وقف البرنامج. وأوقف برنامج الإبراشي مؤقتاً من دون مبرر واضح وتحت زعم قضائه عطلة، فضلاً عن المعلومات التي تتردد عن رغبة النظام في الإطاحة بالجلاد وصلاح من رئاسة تحرير موقعَي "مصراوي" و"اليوم السابع" قريباً، وتجدد خلافاتهما مع بعض معاوني عباس كامل بسبب خلافات تحريرية في حالة الأول، ومشاكل إدارية ومالية في حالة الثاني في طريقة إدارته للصحيفة الأكثر قرباً للنظام ولدائرة السيسي.

وترجمت هذه النوايا تجاه الإعلاميين الذين كانوا الأكثر تأييدًا للنظام عام 2013، خلال الأسابيع الأخيرة، في صورة هجوم صحافي على عدد منهم، وتحديدًا لميس الحديدي ومجدي الجلاد، من قبل بعض الصحافيين المقرَّبين حديثاً للنظام في صحف قوميّة مثل "روز اليوسف" و"الجمهورية". إذ نُشرت بعض المقالات التي اتهمت الاثنين بأنهما كانا من رموز إعلام مبارك وأنهما لا يعملان إلا لمصالحهما الشخصية، وهذه الحملة تتشابه مع الحملة السابقة التي شنّتها الأذرع الإعلامية لوزارة الداخلية ضد خيري رمضان مطلع العام الحالي، وتبعها تحريك بلاغات ضده بإهانة الشرطة احتُجز بسببها ليلة واحدة قبل إخلاء سبيله.

وتقوم عمليّة إعادة الهيكلة الجارية حالياً على إخلاء وسائل الإعلام من المواد السياسية، بسبب فتح مساحات بدأت تتحول تدريجياً لمنصات لانتقادات يوجهها الإعلاميون أو ضيوفهم لسياسات الوزارات والقطاعات المختلفة، حتى وإن لم يتطرقوا إلى اسم السيسي أو عباس كامل شخصياً. إذ يعتقد السيسي أنّ فتح مجال لهذه المعارضة بحدودها الدنيا والضعيفة سيمهّد الطريق لإعادة فتح المجال العام مرة أخرى، الأمر الذي لا يرغب فيه إطلاقاً.



وخلت شبكة "أون" المملوكة لشركة "إعلام المصريين" التابعة بدورها لمجموعة "إيجل كابيتال" التابعة للمخابرات، من الإعلام السياسي، بعد غلق قناة "أون لايف" الإخبارية وانتقال المذيع السياسي الأول فيها، عمرو أديب، إلى "إم بي سي" السعودية، ولم تعد لديها أي فترات بثّ على الهواء، ما أثّر على نسبة مشاهدتها بشكل "قياسي"، بحسب مصدر بالشبكة، وهو ما يدفع مسؤولي القناة حالياً لإنتاج محتوى درامي وفني.

أما قناة "العاصمة" فستعود لمالكها الأصلي النائب البرلماني سعيد حساسين، الذي لطالما عرف بتقديم برامج العلاج بالأعشاب والطب البديل، مع إلغاء البرامج ذات الطابع السياسي منها، الأمر الذي كان يعارضه المتحدث العسكري السابق العميد محمد سمير الذي كانت قد أسندت إليه إدارة هذه القناة العام الماضي. لكنّه فشل في تعويض خسائرها المالية أيضاً، وتم تسريحه مع مساعديه.

وبالنسبة لقناة "الحياة" التي استحوذ عليها النظام ممثلاً في شركة "فالكون" ثم شركة "إعلام المصريين"، فقد ألغت جميع البرامج السياسية، وكلفت العاملين فيها بإعداد برامج ترفيهيّة وفنيّة بكلفة ضئيلة. والأمر نفسه في قناة "إل تي سي" التي كانت قائمة على بعض البرامج الرياضيّة التي انتقل مقدموها لمشروع الإعلام الرياضي السعودي "بيراميدز" الذي يديره المستشار في الديوان الملكي ورئيس الهيئة السعودية للرياضة، تركي آل الشيخ.
المساهمون