سلطات المغرب تستشرس ضد الصحافيين والمدونين

11 يناير 2020
تأجلت محاكمة الراضي وحُكم بسجن "بودا غسان" (فرانس برس)
+ الخط -
انطلق عام 2020 بمخاوف جديدة ومتزايدة في صفوف الصحافيين المغاربة، إذ شهد الثاني من يناير/ كانون الثاني الحالي جلسة لمحاكمة الصحافي عمر الراضي، الملاحق قضائياً بسبب تغريدة نشرها في عام 2019، وحملت انتقاداً لأحكام قضائية صادرة ضد ناشطين اعتقلوا بسبب قيادتهم احتجاجات اجتماعية.
هذه المحاكمة الجديدة لا تأتي فقط في سياق سلسلة من الاعتقالات والمحاكمات التي تعرض لها الصحافيون المغاربة في السنوات القليلة الماضية بناء على القانون الجنائي بدل قانون الصحافة والنشر، بل تتزامن مع حملة شاملة تقوم بها السلطات المغربية، في صفوف ناشطي التدوين والنشر عبر الشبكات الاجتماعية، من غير الصحافيين الذين كان يفترض شملهم بقوانين الصحافة والنشر منذ صدورها في عام 2016، حين باتت التشريعات المغربية تعتبر النشر عبر الشبكات الاجتماعية خاضعاً للقوانين نفسها التي تنظم العمل الصحافي، وتخلو نظرياً من العقوبات السجنية. وفي هذا السياق، أصدرت محكمة مغربية، منتصف ليل يوم الخميس، حكماً بالسجن لمدة سنتين مع غرامة مالية قيمتها ألف دولار أميركي، في حق الناشط الحقوقي عبد العالي باحماد، المعروف بلقب "بودا غسان"، بسبب تدوينة.
وكشفت "اللجنة الوطنية من أجل الحرية للصحافي عمر الراضي وكافة معتقلي الرأي والدفاع عن حرية التعبير" عن رصدها لمتابعة 17 ناشطاً بسبب تعبيرهم عن آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي خلال عام 2019، خلال مؤتمر صحافي عقدته يوم الخميس.
مباشرة بعد توقيف الصحافي عمر الراضي، يوم 26 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، علّق مدير نشر أسبوعية "الأيام" وكاتب افتتاحيتها الذي شغل على مدى سنوات طويلة منصب رئيس "فيدرالية ناشري الصحف في المغرب"، نور الدين مفتاح، أنه "لا أحد فوق القانون. ولكن مؤلم ومقلق ما وقع للزميل عمر الراضي. تغريدة مرت عليها تسعة أشهر يتابع من أجلها في حالة اعتقال وبالقانون الجنائي". وأوضح مفتاح: "نقضي عقوداً من الصراع من أجل إخراج قانون خال من العقوبات الحبسية في قضايا النشر، ويأتي قرار ليحطم كل شيء. أسفي على صورة بلدي الذي لا يزال يحتل الرتبة 134 في مجال حرية الصحافة! ولم يضعنا في هذه الرتبة إلا مثل هذه الاجتهادات التي تنتمي إلى زمن ولى، ومنها أيضا إدانة أربعة زملاء قبل أيام استئنافياً في قضية تسريب مضمون جلسة سرية بالبرلمان بعقوبة حبسية وإن كانت موقوفة التنفيذ. ارحمونا رجاء من هذه الإساءات للبلاد والعباد". 
مفتاح كان أحد الأطراف في مفاوضات شاقة وطويلة بين "فيدرالية الناشرين" والنقابة الوطنية للصحافة المغربية والسلطات ممثلة أساساً في وزارة الاتصال، وانتهت عام 2016 بصدور قانون للصحافة والنشر، يخلو لأول مرة في تاريخ المغرب من أي عقوبة حبسية. القانون اقتصر على العقوبات المالية من غرامات وتعويضات لفائدة ضحايا جرائم الصحافة من سب وقذف وأخبار زائفة، وهو ما شكّل مصدر احتفاء حكومي كبير، إذ اعتبره وزير الاتصال حينها، القيادي في "حزب العدالة والتنمية" مصطفى الخلفي، "إنجازاً كبيراً تحقّق في عهد حكومة عبد الإله بنكيران". 
ما اعتقده المراقبون مجرد إجراء استثنائي مواز لصدور قانون الصحافة والنشر، يتحوّل إلى قاعدة. ففي لحظة مناقشة قانون الصحافة والنشر القائم حالياً في المغرب، قدّمت الحكومة تعديلاً في القانون الجنائي، وهو الاسم الذي يطلق في المغرب على قانون العقوبات، يقضي بإحداث جرائم وعقوبات جديدة في هذا القانون، تشمل بعض الجرائم التي يمكن أن ترتكب عن طريق الصحافة والنشر بمختلف أنواعه. ويتعلّق الأمر بتعديلات نصّت على السجن لكل من يمسّ بالثوابت الوطنية وشخص الملك وأفراد عائلته والوحدة الترابية للمملكة.
هذه المقتضيات التي قُدمت حينها على أنها مجرّد خطوة احتياطية يمكن اللجوء إليها في حالات استثنائية، ستصبح مباشرة بعد دخول القوانين الجديدة للصحافة والنشر سيفاً مسلّطاً على رقاب الصحافيين والناشطين الحقوقيين والإعلاميين. وأول ضحايا هذا الانحراف كانت المجموعة التي تعرف إعلامياً بـ "شباب الفيسبوك"، وهم مجموعة من الشباب، جلهم منتمون أو مقربون من "حزب العدالة والتنمية"، جرى توقيفهم وسجنهم في ربيع عام 2017، بسبب تدوينات اعتبرتها السلطات إشادة بعملية اغتيال السفير الروسي في تركيا، وتحريضاً على الإرهاب. 
وتشكّلت وقتها لجنة وطنية للدفاع عن "شباب الفيسبوك"، التي عقدت ندوتها الصحافية الأولى في مقر النقابة الوطنية للصحافة المغربية. وبعدما انتهت هذه القضية بعفو ملكي، كانت الصحافة المغربية المهنية على موعد مع تجارب مماثلة، بدت كأنها تبعث رسالة مفادها أن السجن سيلاحق الجميع، رغم صدور القوانين الجديدة الخالية من العقوبات السالبة للحرية. 
إذ في سياق حملة التوقيفات والمحاكمات التي جرت منذ صيف عام 2017 في صفوف ناشطي الحراك الاجتماعي الشهير الذي عرفته منطقة "الريف" الواقعة في شمال المغرب، جرى توقيف عدد من الناشطين الإعلاميين ممن كانوا يقومون بتغطية هذه الاحتجاجات. وشمل الأمر الصحافي ومدير نشر موقع "بديل" حميد المهداوي، الذي لاحقته السلطات المغربية بسبب مزحة وردت في مكالمة هاتفية بينه وبين شخص مقيم في الخارج، قال له ساخراً إنه يستعد لإدخال دبابة إلى المغرب. هذه التهمة وجّهت إلى الصحافي الذي يقبع في السجن حالياً في إطار حكم بثلاث سنوات حبساً، بعدما كان قد دين في قضية أخرى بمقتضى القانون الجنائي، لإلقائه خطاباً في تجمع احتجاجي في منطقة الريف، اعتبرته السلطات تحريضا علنيا على العنف.
وفي بداية 2018، كان المغرب على موعد مع قضية توقيف مدير ومؤسس صحيفة "أخبار اليوم" المستقلة والمعروفة بمواقفها النقدية، توفيق بوعشرين. هذا الأخير جرى توقيفه داخل مكتبه، ووجّهت إليه تهم بالاستغلال الجنسي و"الاتجار بالبشر"، في محاكمة أجمع الحقوقيون داخل المغرب وخارجه على أنها تفتقد إلى الأساس القانوني، إذ خلص الفريق الأممي الخاص بالاعتقال التعسفي إلى مطالبة السلطات المغربية بإطلاق سراح بوعشرين بشكل فوري، ومحاسبة المسؤولين عن توقيفه، والتعهّد بعدم تكرار ذلك.
وفي الوقت الذي جرى فيه رفع عقوبة بوعشرين من 12 إلى 15 سنة سجنا منتصف العام الماضي، شهدت نهاية صيف 2019 واقعة توقيف ومحاكمة الصحافية في "أخبار اليوم" نفسها، هاجر الريسوني، وذلك من أمام عيادة طبيبها الخاص، مع اتهامها بالقيام بإجهاض غير قانوني لحمل مفترض، ودانتها المحكمة بسنة حبساً، قبل أن يتدخل العفو الملكي مرة أخرى للإفراج عنها، كما كان الحال مع "شباب الفيسبوك". 
القوانين الجديدة للصحافة والنشر التي صدرت عام 2016 كانت قد نصّت على إحداث هيئة جديدة هي "المجلس الوطني للصحافة"، يُنتخب من طرف الصحافيين، ويتولى تنظيم وضبط المجال الإعلامي، بما في ذلك تلقي الشكاوى ضد الصحافيين والبت فيها، بعيداً عن تدخل السلطات أو القضاء. هذا المجلس لا يزال حالياً في مراحله التأسيسية الأولى، إذ لم يستكمل بعد إصدار النصوص التنظيمية التي تسمح له بممارسة مهامه كاملة، كما توجّه إليه انتقادات من داخل الجسم الإعلامي، باعتباره خرج من رحم النقابة الوطنية للصحافة المغربية التي يعتبرها البعض خاضعة لهيمنة بعض الأحزاب السياسية ومعها السلطات المغربية. 
هذا الوضع جعل بعض الأصوات الحقوقية والإعلامية تعتبر اللجنة التي تم تأسيسها للتضامن مع الصحافي عمر الراضي، وتواصل متابع قضيته في انتظار جلسة محاكمته المقبلة شهر مارس/ آذار المقبل، فرصة محتملة لتأسيس هيئة جديدة تتولى الدفاع عن حرية الصحافة والنشر بمختلف أنواعها.
المساهمون