الإعلام الجزائري يرسم طريقه نحو حرية التعبير

24 مارس 2019
تدريجياً بدأت تتقلّص القيود الإعلامية (فرانس برس)
+ الخط -
ساهم الحراك الجزائري الذي انطلق في 22 فبراير/شباط الماضي، في رفع سقف حرية التعبير في الإعلام المحلي، محرراً التغطية الإخبارية من قيودها المفروضة منذ عقود، فباتت أكثر جرأة في التعاطي مع موضوع التظاهرات ومطالب الشعب، بما في ذلك المؤسسات الإعلامية الموالية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة وتلك الرسمية.

عاش الإعلام الجزائري فترة ضغط شديد في بداية الحراك، إذ كانت التغطية والمعالجة للحدث الطاغي على الساحة الجزائرية، باهتة وخافتة، وتجاهل الإعلام العمومي بداياتها. وهو الأمر الذي دفع بالعشرات من عمال التلفزيون والإذاعة الرسميين إلى تحدي المسؤولين والخروج في وقفات سلمية للمطالبة برفع الضغط عن قاعات التحرير، وقول الحقيقة.

وهي الوقفات التي أثمرت، إذ سمح للإعلام التلفزيوني بتغطية مختلف الاحتجاجات.
بينما لعب الإعلام الخاص في بداية الحراك دور "شاهد ما شافش حاجة" لتتحول تغطيته 180 درجة بعدما بدأت محاكمات افتراضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لهذه الوسائل الإعلامية.

وبعد فترة من الضغوط الرهيبة التي مارستها السلطات الجزائرية على الصحف والقنوات المحلية العمومية والمستقلة، تحررت الصحف في عناوينها وباتت تنشر تقارير جريئة ضد الرئيس بوتفليقة والمجموعة الحيطة به. عناوين صحف كـ"الخبر"، و"الوطن" طالبت الرئيس بوتفليقة بالتنحي الفوري من السلطة، وشككت في دستوريته وفي القرارات التي اتخذت باسمه أخيراً. كذلك شهدت الساحة تحولات في تغطية صحف كانت قبل فترة قصيرة من أكثر المدافعين عن بوتفليقة، وهو ما أوحى بتحول لافت في المناخ الإعلامي في الجزائر وفي المعالجات الصحافية للحراك الشعبي.


عناوين الصحف الجزائرية في 16 مارس/آذار بعد "جمعة الرحيل" 

وفي السياق نفسه تحولت الاستوديوهات التلفزيونية المستقلة والعمومية، بعد فترة تقييد ورقابة، إلى فضاء للنقاش الواسع حول الوضع في الجزائر، مقدّمة قراءات للوضع السياسي وآلاته الاجتماعية.
وباتت القنوات التلفزيونية الخاصة والعمومية، يومياً تفتح هواءها لاستضافة السياسيين من مختلف الأحزاب السياسية الموالية للنظام، والمعارضة له على حد سواء.

وساعد الحراك الصحافيين العاملين في المؤسسات الإعلامية العمومية على التحرر والتمرد على قرارات الرقابة. ويعتقد الإعلامي رضوان بوصاق الذي يقدّم برنامجاً تلفزيونياً يخصصه في الفترة الأخيرة للحراك الشعبي في تصريح لـ "العربي الجديد" أن "الإعلام الجزائري تحوّل تحوّلاً لافتاً خلال الحراك خصوصاً في القنوات السمعية البصرية العمومية أو الخاصة"، وهو ما ساهم بحسب بوصاق في تنويع المادة الإعلامية المتعلقة بالشأن الداخلي الجزائري.

ويؤكد الناشط الحقوقي مراد زغيدي لـ"العربي الجديد" على أن "القنوات الخاصة والعمومية أخطأت تقدير الموقف في الساعات الأولى من بداية الحراك إذ لم تقدم تغطية حقيقية لما حصل بالفعل، بل استعملت عبارات لا تمت بصلة للواقع، لكنها تداركت الأمر عقب الصراع والضغط الذي فرضه الصحافيون في القطاع العمومي والخاص من أجل "كتابة الحقيقة وتصوير المشهد وإعطاء البعد الحقيقي لما حدث". ويضيف: "وهو ما لمسناه من خلال الانفتاح والانحياز للشعب بدرجة أكبر في المسيرات الكبرى في 3 و8 و15 مارس/آذار الحالي". وعبر زغيدي عن أمنيته في ألا ينقسم الإعلام الجزائري "حول نفس الوجوه السياسية لأنها لا تقدم الجديد، في وقت صار الشعب الجزائري يبحث عن بصيص الأمل ورؤية وجوه جديدة، ومقترحات وأفكار جديدة لمعالجة أوضاعه". ويوضح أن معالجة الحراك الاجتماعي في الجزائري بدأت تأخذ أبعاداً أخرى، أهمها البعد الاجتماعي في القضية، والتفاف الشعب حول مصلحة البلد.


عناوين الصحف الجزائرية في 16 مارس/آذار بعد "جمعة الرحيل" 

ومن جانبه يقول الناشط السياسي محمد أمين لـ"العربي الجديد" إن التلفزيونات لم تكن لديها نظرة استباقية، بل أخذت النقاش إلى مكان آخر مخونة كل من يقدمّ وجهة نظر معارضة للعهدة الخامسة. ويوضح أنّ الحراك الشعبي كشف عن "سطحية النقاشات الإعلامية".

إضافة إلى ما سبق، يبحث الجزائريون عن الحلول والمخارج للأزمة التي تعرفها الساحة السياسية، بحسب الناشطة الحقوقية فريدة بلفراق التي تقول إنّ "دور الإعلام تنوير الرأي العام وتقديم وجبات دسمة من المواد القانونية التي تضع الأمور في نصابها، من دون مغالاة سياسية". وتضيف: "نحن نريد إنهاء الأخطاء ونبحث عن مخارج للبلد، وهذا لا يمكن أن يحصل إلا بتسليط الضوء على المختصين والقانونيين وإعطاء الفرصة لأصوات الشباب أيضاً".

ويسعى الصحافيون إلى استغلال التطورات وسقف الحرية التي أتاحها الحراك الشعبي أيضاً لإعادة تنظيم أنفسهم في إطار هيئة نقابية وتمثيلية، حيث تفتقد الجزائر لتنظيم نقابي يمثل الصحافيين ويدافع عن حقوقهم.