The Windshield Wiper: الحب يقتسم سيجارة مع عاشقين مُملين

05 يوليو 2022
نرى المَشاهد أمامنا وكأنها تُمسَح من على الشاشة (IMDb)
+ الخط -

يُفتَتح المشهد الأول من فيلم الأنيميشن القصير، الحاصل على جائزة أوسكار، The Windshield Wiper (ماسحة الزجاج الأمامية)، بهمساتٍ عامة عن صفات أقل عمومية لحبيب مأمول. لنرى بعدها رجلاً في منتصف العمر، يجلس وحيداً معزولاً في مقهى مليء بأناس يثرثرون، والدخان الذي يغذّي ألوان الشاشة الناعمة ومشاعرنا رومانسياً. يسأل الرجل نفسه والجمهور: ما الحب؟

الفيلم كتابة وإخراج ألبيرتو ميلغو، إسباني المولد، وهو أيضاً مصمم الصوت والصورة. يعرض ميلغو في شريطه (15 دقيقة)، بعض التساؤلات الشخصية والملاحظات المرئية التي دوّنها من تجاربه الشخصية ورحلاته. يبحث كالمتلصص من خلف الزجاج، أو من خارج العلاقة، عن الحب؛ ما باقٍ منه، وما فُقد، وكيف أصبح شكله في زمن تطبيقات المواعدة.

باستخدام لوحة ألوان غير تقليدية، مستوحاة من أساليب ديفيد لينش الملفتة، يقترب المخرج، بخطوات جريئة، من علاقات البالغين، علاقات الحب والجنس والأيروسية تحديداً، ففهمنا العصري للحب يختلف عما كان عليه منذ 40 عاماً، لتُعرض لنا كلمة Love مكتوبة على الشاشة، متموضعةً في نقطة التقاء مدخنتي مصفاة نفط تنهاران، ما يمثّل تهديداً بضياع هذه الكلمة خلف ضباب المدن الصناعية، وتحولها إلى علامة تجارية تباع لنا كسلعة. لم يسقط المخرج في فخ محاباة الذوق السائد، ولم يتقمص دور الواعظ ليُعرّف لنا الحب، بل يستخدم التقنيات المتاحة سينمائياً، ليعرض لنا المهزومين العاديين وهواجسهم.

The Windshield Wiper / TRAILER 2021 from alberto mielgo on Vimeo.

تكشف اللقطات السريعة بعدها صُلبَ الفيلم ومادته؛ فنرى المَشاهد أمامنا وكأنها تُمسَح من على الشاشة، كما يشير عنوان الفيلم؛ فماسحة الزجاج الأمامية تمسح قطرات المطر، التي تشكل نمطاً مختلفاً لا يتكرر على زجاج السيارة في كل مرة، وكذا المونتاج، في كل مشهد يُمسَح من أمامنا مشهد، نرى لقطة مسروقة من علاقة سريعة لا نعلم عنها شيئاً، وكأننا نراها من عيني المخرج الذي مر من جانبها، وابتكر لغته الخاصة ليعيد صياغتها لنا.

مثلاً، نشاهد زوجين صامتين على الشاطئ، يتشاركان سيجارة، ويمر الحب بينهما بملل. في مشهد آخر، نرى مشرّداً يجر ما تبقى له على عربة، ويقف أمام واجهة أحد المتاجر، ويصرخ على العارضة، وكأنه ينادي أحدهم من الماضي. في المتجر، شاب وفتاة ملتصقان بشاشتي هاتفيهما، ويبحثان عن موعد على أحد التطبيقات، يقبلان ويرفضان بكبسة زر... كأن الحب فقد شجاعته بالرفض والقبول. يقترح التطبيق فجأة أحدهما للآخر، لكنهما يكملان البحث، يصرخان في وجه العلاقة: لا نريد الالتزام، الذاتية والفردانية أولاً. كما صرخ المتجر الذي يمثّل النظام الرأسمالي، في وجههما: لا أريد الالتزام تجاهكما أيضاً. تتباين الصورة وتتناقض بعدهما، بعرض زوجين مسنين يجلسان بهدوء، وينظران إلى البحر.
نتلصص مع المخرج على فتاة آسيوية تقف على حافة أحد الأبنية الصماء في مدينة حداثية صماء. تستعد الفتاة للانتحار، بحزن ووحدة يظهران على ملامح وجهها. ترتفع الكاميرا للفضاء، لنرى محطة البث وهي تنقل الرسائل النصية لشاب يريد أن يشعر مرة ثانية بدفء يد محبوبته التي لم تحسم قرارها بعد حول تجديد لقائهما.

قُبَل مسروقة، شركاء يفصلهم الموت، مغازلة ما بعد ممارسة الحب، قُبلة لم تنتظر باب المصعد حتى يغلق تماماً، عُري، يَأس وفقدان، مشاعر لا تعتمد على وحدة المكان، موجودة سرمدياً، اغترابٌ رقمي يتعزز بحركة الكاميرا الواقعية، فالمخرج يفضل القيود الواقعية على أعماله، إذ إن وزن الكاميرا الحقيقي، وقدرتها على التنقل، يجب أن يوظفا في فيلمه ولو كان رسوماً متحركة، هرباً من فخ الواقع الفائق، وتعزيزاً للانطباعية -بتبسيط الأشكال المرسومة والحفاظ على غناها- التي تعتمد على صوره الفوتوغرافية الملتقطة لتساعده بتجريد جوهر الصورة ليزيل ما هو غير ضروري، فلا يكون شديد الواقعية، ليتحول الفيلم في النهاية، على يد ميلغو، إلى فيلم أنيميشن كلاسيكي بكاميرا ثابتة، تلتقط أشخاصاً ثلاثيي الأبعاد يتجولون على خلفية ثلاثية الأبعاد.

بعد أن تفقدنا ما هو الحب، واسترجع الرجل في المقهى بعضاً من ذكرياته، يخبرنا مباشرة، كاسراً الجدار الرابع، بأن الحب مجتمع سري، لا يعرفه سوى من داخله، لا تذكرة للدخول أو دليل عمل أو سيرة شخصية تؤهلك، فالنظام الذي مرت به الصور تتابعت بشكل واقعي تحولت إلى رموز في النهاية.

بخطابه السريع عند استلامه جائزة أوسكار، وهو الحاصل أيضاً على جائزة إيمّي عن حلقة The Witness في مسلسل Love, Death & Robots وجائزة آنّي عن مسلسل Tron Uprising، تحدث ألبيرتو ميلغو عن الأفلام المرشحة عن نفس الفئة، فأربعة من أصل خمسة هي أنيميشن للبالغين وليست للأطفال.

وبالنظر إلى مسيرته، فكان عمله يتناوب ما بين التجاري السائد، كفيلم Sinbad: Legend of the Seven Seas الصادر عام 2003، وSpider-Man: Into the Spider-Verse الصادر عام 2018، وأفلام مستقلة يبنيها وحده، أو مع استوديوهات صغيرة، ففيلم The Windshield Wiper استغرق أكثر من سبع سنوات من العمل المتقطع، بسبب محدودية الدخل والضغوط المادية. وكون النساء في أفلامه عاريات الصدر، ورسومه غير مناسبة للمشاهدة العائلية؛ فهو لا يحصل على تمويل، والخط التجاري السائد يريد أبطالاً ومنتقمين وحيوانات تتكلم. وعلى الرغم من استحالة العمل على المشروع في بعض الأحيان، فإن مساعدة استديو ليو سانشيز واستديو Pinkman.tv ساهما في إنتاج فيلم ممول ذاتياً، وصناعه مستقلون.

قد تواجه صناعة الرسوم المتحركة بداية حقبة ذهبية بعد توجه المنتجين والمستثمرين لهذا النوع من المشاريع، كونها وصلت إلى أوسكار، فتبقى التحسينات عبر الديجيتال خياراً، والتقنيات هي سبيل لنزين سرد حكايتنا، وحكاية ألبيرتو ميلغو الذاتية عن الحب موجودة مجاناً على اليوتيوب، لإعطائها حياة أكبر، وتحقيق سبب خلقها الأساسي؛ أي مشاهدتها.

المساهمون