ما هي أوجه التشابه بين عصابات الياكوزا وربات المنازل؟ ربما، تبدو هذه مقارنة مستحيلة، لكننا نراها مقدمة في مسلسل الأنمي الياباني القصير، The Way of the Househusband. استناداً على مانغا صدرت عام 2018، تحمل العنوان نفسه، للمانغاكا كوسوكي أنو، أنتجت نتفليكس مع استوديو j.c. staff للأنمي واحداً من أفضل المسلسلات الكوميدية لهذا العام، من إخراج تشياكي كون. يتكون العمل من خمس حلقات، وكل حلقة مقسمة كلوحات قصيرة تعرض يوميات عضو الياكوزا السابق، تاتسو، الذي كان واحداً من أكبر رجال العصابات في اليابان، وكان لقبه "التنين الأزلي". يتزوج تاتسو من مصممة تعمل بدوام كامل، ولا تملك وقتاً كافياً للمنزل، لذا يقوم تاتسو بأمور التدبير المنزلي.
لا تتطور القصة كثيراً خلال المسلسل، فمنذ البداية، نرى تاتسو كرب منزل يحافظ على نظافة بيته، ويهتم بأمور التسوق والتنزيلات والطبخ، وحتى حضور دروس الطبخ مع ربات المنازل، ويظهر مهارة عالية في الأعمال المنزلية، وسبب هذه المهارة هو عمله السابق في الياكوزا.
الدقة، والالتزام، والعمل الشاق، أمور تعلّمها تاتسو سابقاً، ويطبقها في عمله الجديد. وهنا، تكون الكوميديا، إذ يقوم تاتسو بأعماله المنزلية كرجل عصابة، يمكن أن يميّزه الآخرون من بعيد من خلال وشوم الياكوزا، وطريقة مشيته وملامحه المخيفة. هذه المفارقات، صنعت كوميديا خفيفة من دون اللجوء إلى أي مبالغات فنية، بل على العكس تماماً.
حاز العمل إعجاب كثيرين ممن رأوا فيه مادة نسوية تضيء واقع عمل ربات البيوت الشاق، من دون أن يتم التقليل من شأن عملهن. باستخدام شخصية كانت تمثل العنف والإجرام وذكورية العصابات، حرص العمل على إظهار كم العمل الشاق الذي تقوم به ربّات المنازل، والوقت الطويل الذي يقضينه في هذا العمل. رغم أن الكوميديا في المسلسل تنطلق من مفارقة "رجل عصابات يقوم بعمل أنثوي"، إلا أنه لم يسخر أبداً من هذا العمل؛ إذ يثبت البطل تاتسو لرجال العصابات كمّ المهارة المطلوبة للقيام بأمور كهذه، وسط عجزهم عن القيام بأبسط الأعمال المنزلية، فينضم إليه أحد تابعيه السابقين بعد أن فهم الأمر، بدلاً من أن يكون مجرد عضو ياكوزا بلا عمل.
بالإضافة إلى الأعمال المنزلية، يهتم تاتسو بعيد ميلاد زوجته، وأصول الضيافة، والعلاقات الطيبة مع الجيران. رغم أنه ما يزال يبدو بمظهر مخيف، إلا أنه تحسن كثيراً منذ لقاء زوجته به أول مرة، حسب قولها.
وعن قصد أو من دونه، يعكس العمل واقع الياكوزا في اليابان بطريقة ما. في السنوات الأخيرة، بدأت تتراجع سطوة عصابات الياكوزا في اليابان، بعد تدابير اتخذتها الحكومة للتقليل من تعامل الناس مع رجال العصابات، كما أن العديد من أعضاء الياكوزا استقالوا من عملهم بعد حصولهم على أبناء، أو خوفاً من دخول السجن. مع ذلك، يواجه رجال الياكوزا السابقون مشكلة الاندماج في المجتمع، بسبب عدم رغبة الكثير في توظيف رجال عصابات سابقين، وإن حدث يواجهون معاملة تمييزية واتهامات مستمرة في حال وقوع حادث سرقة في مكان العمل، وهذا يعيد بعضهم إلى عالم الجريمة بشكل أسوأ من السابق.
وبحسب موقع نيبون بالعربية، قادت محافظة فوكوؤكا عام 2016 اتفاقية بين مجموعة مؤلفة من 14 محافظة إقليمية، بشأن حزمة تدابير سياسية لدعم عملية إعادة الاندماج في المجتمع لأعضاء الياكوزا السابقين، تتضمن دفع إعانات للشركات التي توظفهم. ويذكر المقال أن إجراءات كهذه ليست كافية، بل يجب تدعيمها بحملة لتغيير السلوكيات ضد أعضاء الياكوزا السابقين. عمل كهذا قد يكون داعماً لمحاولة دمج رجال العصابات السابقين في المجتمع، خصوصاً وأن نسخة الأنمي ليست الوحيدة، ففي عام 2020 تم اقتباس المانغا لمسلسل live action.
فنياً، ورغم التطور الذي وصلت إليه أعمال الأنيميشن، تم تقديم المسلسل بأكثر الطرق بدائية وبساطة. إذ يعتمد على لوحات ثابتة مع تحريك بسيط جداً، حتى أن البعض وصفه بأنه أقرب إلى عرض باور بوينت.
إلا أن هذا الخيار لم يكن لتخفيض الميزانية كما قد يبدو للمشاهد، إنما كان هذا الأسلوب "الرخيص" متعمداً من المنتج، ليكون أقرب إلى المانغا، لتعزيز الكوميديا البصرية التي يتمثل أغلبها في وجه تاتسو الجامد والمخيف كوجه أي رجل عصابة خطير.
الحركة الكثيرة قد تؤثر سلباً على الكوميديا في العمل، وتعطيه طابعاً أكثر جدية، بينما بهذه الطريقة يبدو العمل كله أقرب إلى مزحة تثير الضحك. أثار هذا انزعاج الكثير من محبي الأنمي الذين توقعوا أن نتفليكس ستنتج أنمي مع الكثير من الإبهار البصري كالعادة، خصوصاً وأن العمل يحتوي على العديد من المشاهد القتالية، والتي يجب أن يتم إبرازها بالحركة، لكنهم تفاجأوا بعرض لا يختلف كثيراً عن المانغا إلا من ناحية الألوان وبعض التحريك البسيط. مع ذلك، تمكّن العمل من بث الروح في هذه المشاهد، من خلال الأداء الصوتي الذي استطاع أن يقدم التعبير المطلوب، خصوصاً في اللهجة الدرامية التي يتكلم بها تاتسو مع حفاظه على لهجة الياكوزا ومصطلحاتهم