من المتوقع ألا تخلو سلسلة Untold، التي تروي حكايات من عالم الرياضة، من القصة التي عصفت بالدوري الأميركي لكرة السلة (NBA) عام 2007. رغم أن الفضيحة هذه تتصل بعالم الرياضة بشكلٍ رئيسي، إلا أنها استطاعت لما فيها من إثارة أن تنال اهتمام الجماهير الرياضية وغير الرياضية على حدٍّ سواء. فتلك القصة التي تشبه في مناخاتها المافيويّة الأفلام الروائية التي تتناول عوالم الجريمة والعصابات، بطلها هو تيم دوناغي، الحكم الذي بات اسمه يتردد على كل فضائية أميركية، وكل وسيلة إعلام معنية بأخبار الرياضة في العالم، يعود ذلك لكونه غرس سكيناً في قلب مهنيته.
حلم دوناغي بأن يكون حكماً في الدوري الأميركي لكرة السلة للمحترفين، واستطاع تحقيق حلمه، لا سيما وأنه نشأ في كنف أبيه جيري دوناغي، الذي عمِل كحكم جامعي في مقاطعة ديلاوير في بنسلفانيا، المكان الذي أنتج عدداً لا بأس به من الحكام المحترفين، لذلك لم يكن ارتقاء تيم إلى قمة مهنته مفاجئاً، خصوصاً حين رفع في أولى مبارياته بطاقة بوجه ريجي ميلر، نجم إنديانا بيسرز، وأثار بتصرفه الجريء ذاك ضجة كبيرة في الملعب.
لم تبدأ الحكاية من هنا، بل حين اكتشف دوناغي أن مهنته تدر أموالاً طائلة، إذ رتب له صديقه توم مارتينو لقاءً مع المقامر جيمي باتيستا. وبعد القليل من الأخذ والرد، اتضح للاثنين أن لقاءهما كان مثمراً، فبدأ تيم بطي صفحات حياته كحكم نزيه، وخط فصولاً جديدة يعمل فيها مع شبكات المراهنة على المباريات، عن طريق تسريب معلومات من كواليس الملعب لهم أو ربما تزوير النتائج.
السلسلة التي تنتجها "نتفليكس"، قدمت في موسمها الثاني Untold: Operation Flagrant Foul في قالب وثائقي أقرب إلى السرد القصصي منه إلى الاستقصاء الصحافي. حادثة شهيرة تعد من أكبر الفضائح في تاريخ الدوري الأميركي للمحترفين، أعاد صناع الفيلم فتحها في خطوة وجدت الرابطة الوطنية لكرة السلّة في تعليقها على الوثائقي أن "لا جدوى منها"، كونها هي الأخرى متهمة بالتواطؤ مع هذه المافيات.
بمعزل عما تناقلته وسائل الإعلام، وضع صناع الفيلم دوناغي في مواجهة مباشرة وأعطوه الحق أخيراً وبعد سنوات سجنه، التي لملمت خيوط القضية، بالتصريح عن روايته بتفاصيلها. يبدي الرجل ندمه ويحمل نفسه مسؤولية الحادثة تارةً، ويتهم شريكيه، باتيستا ومارتينو، بتهديده وإجباره على العمل لصالحهما تارةً أخرى. فما حقيقة ما حدث؟ هل تورط تيم دوناغي مرغماً تحت التهديد؟ أم استدرجه بريق الثروة ليغامر بمهنيته؟
يطرح الفيلم سلسلة من الأسئلة، تنطلق من تورط تيم وتنتهي بالتساؤل عن تواطؤ الدوري الأميركي للمحترفين. يحاول صناع العمل عبثاً الإجابة عن هذه الأسئلة. وهنا يتضح تضارب الأقوال بينهم، فعن تورط دوناغي، يؤكد أن تعاونه لم يكن إلا تحت الإكراه، وأن باتيستا قد وجه تهديدات لإجباره على المشاركة. باتيستا، من جانبه، يسخر من ادعاءات توم مشيراً إلى أن الأخير كان سعيداً للغاية بالعمل مع المقامرين، بهدف كسب المال. ويبقى السؤال الذي يتردد مراراً وتكراراً: هل زوّر دوناغي نتائج المباريات؟
يصرّ باتيستا من دون أي خجل "لقد أصلحهم اللعين، هذا هو الشيء الإيجابي الوحيد الذي يمكنني قوله عنه"، بينما لا يفتأ دوناغي يراوغ، محاولاً رفع التهمة عن نفسه، في ظل عدم وجود أدلة جازمة لإدانته أو تبرئته. لم يتمكن الفيلم من إيضاح حقيقة وقوع عدد من حكام الدوري في فخ المراهنات بمن فيهم المفوض ديفيد ستيرن، الذي بقي يراوغ ويحمل دوناغي وحده كامل مسؤولية فساد الدوري.
سرعان ما اكتشف مكتب التحقيق الفيدرالي الأمر، فباشر بتحرياته. كُشف الأمر؛ فسلّم دوناغي نفسه على أمل التعاون مع التحقيق لتخفيف العقوبة، ووضع معهم خطة لفضح دائرة الفساد في الدوري. لكن بمجرد أن تلقف مفوض الدوري الاميركي للمحترفين آنذاك القصة، تم تسريبها إلى وسائل الإعلام. رويداً رويداً، كُشف عن متواطئين جدد حتى تحولت أصابع الاتهام نحو ستيرن ومحققي المكتب الفيدرالي الذين تولوا القضية.
تتشابك خيوط القصة من خلال الشهادات المدرجة في الفيلم لتعطي المشاهد من موقعه فرصة إطلاق حكمه الخاص على الحادثة التي يرويها، كل من منظوره، دوناغي وباتيستا ومارينو، وطليقة دوناغي التي هجرته بعد الفضيحة، إضافة إلى عناصر مكتب التحقيق الفيدرالي الذين أدلو برواياتهم عن الحادثة.
خلال شريط يمتد على مدار ست وسبعين دقيقة، يعالج المخرج ديفيد تيري فاين قضية لا يزال الغموض يلفها، مركزاً اهتمامه بشكل لافت على عرض تناقضات شخصيات العمل عن طريق تصوير سينمائي مميز، وسرد خطيّ للقصة يجعلها أكثر تشويقاً، لكن الأسئلة التي طرحها لا تزال معلقة.