Euphoria... المراهقون في إدمانهم على الحياة والموت

09 مارس 2022
العمل من بطولة زندايا (HBO)
+ الخط -

قبل أيام، بثت منصة HBO الأميركية، الحلقة الأخيرة من الجزء الثاني من المسلسل الاجتماعي والدرامي Euphoria، لمؤلفه سام ليفنسون (Sam Levinson)، بعد أن صدر الجزء الأول منه عام 2019.
يرصد العمل حياة مجموعة طلاب مراهقين في المرحلة الثانوية. من خلال هذه المجموعة، نتعرف على قضايا مجتمعية، أبرزها المخدرات والإدمان وتأثير الإنترنت والعلاقات الأسرية والعاطفية والجنسية على حياة المراهقين. شبكة من الأحداث المتسلسلة، تفتح لمحطات نفسية وإدراكية، يبلغها أبطال المسلسل بشكل متواتر ومتقاطع. يشتبك المشاهد مع شخصيات الحكاية ويألف طباعها وسلوكياتها. فبناء الشخصيات سيتوافق، من حيث البعد النفسي والبيئي، مع الدائرة الاجتماعية الأميركية المعتادة في الأفلام والمسلسلات. فهنا عمل من طراز تقليدي، لكن أسلوب ليفنسون، سينال العلامة الكبرى في طريقة طرحه لهذه المسائل ومعالجتها درامياً.
تروي رو (زندايا) بطلة المسلسل، على لسانها، قصتها وقصص الشخصيات المحيطة بحياتها وبمدرستها. فمع بداية كل حلقة، سنتعرف إلى ماضي كل شخصية وطباعها وانعكاس ماضيها على حاضرها. هذا الاختيار في توزيع الحكايات الخاصة بالممثلين (فلاش باك)، ثم العودة إلى الزمن الواقعي، سحب من شريط الأحداث رتابة كانت ستستنزف معها أجواء الحبكة العامة وتقوضها. فخيوط العمل ليست متفرعة ومتحررة أمام النطاق الخاص للقصة. وما من قصة جوهرية تبحث عن مفاتيح لها عبر شخصياتها. بل العكس، شخصيات تبني قصصها وتمرر أجوبتها، من دون مدركات درامية محددة وظاهرة، غير أنّ الانتقال بين قصص الشخصيات وماضيها والأحداث الناشئة في حاضرها، بقيت موجزة ومقتضبة، ما دفع بتركيبة الشخصيات وحجم انسجامها وتناسقها، إلى خلق توازنٍ لافتٍ غير مركبٍ أو مقحمٍ في سياقها السردي والتطوري.


الآثار النفسية وما يترتب على شكل الصراعات الدائرة في حياة المراهقين، لا سيما رو، الفتاة المدمنة على المخدرات والتي تلجأ إليها منذ وفاة والدها بمرض السرطان هرباً من هذه الحقيقة، نالت قسماً كبيراً من حركة الكاميرا.
ولا شك أنّ ليفنسون أصاب بعدسته ألواناً مزدوجة، فنرى قتامةً وسوداوية تحاكي أفكاراً وتخيلات دفينة تارةً، ومن ثم نضارةً وبريقاً تارة أخرى. وهو في دوره لم يبخل في تقديم بعض المقتطفات الشكسبيرية في تفسير حالات الضياع والتشتت والنكران، وغيرها من مشاعر مؤلمة وتائهة تبرمجها العدسة كما لو أنها منتشية. ناهيك عن محاكاة لأساليب بعض المخرجين العالميين، كجيمس كاميرون، وكذلك إنغمار بيرغمان المعروف بأسلوبه في التقاط الملامح وهالاتها وأدق تفاصيلها الطبيعية.
أضافت الموسيقى زخماً عاطفياً نلاحظه بقوة في أحداث الجزء الثاني. إذ إن أنماطًا عديدة تم تقديمها بين الجاز والروك آند رول والبوب والأوبرا، وتوظيف لأغانٍ فرنسية ساحرة، دفعت بمجملها إلى منح العمل زخماً درامياً عالي الوتيرة، أكثر من اللازم والطبيعي.
كما أنّه تم توظيف البطلة، إلى جانب أنها راوية، لتقوم بكسر الجدار الرابع في بعض المشاهد، وهذا أمر كان لا بد من تجاهله والاكتفاء بسلوكيات رو ونمط تصرفاتها الكافية لبناء تصورات ظاهرة، يحسن المشاهد ترجمتها وفهمها. ولكن، رغم ذلك، أضافت هذه الرؤية مرونة وخفةً حققتهما براعة زندايا في أداء شخصيتها.

سينما ودراما
التحديثات الحية

لا يقل عنصر الإضاءة شأنًا عن باقي العناصر في العمل. بقعٌ بيضاء وأخرى سوداء تناسب خصوصية الشخصيات النفسية وأزماتها التراكمية، وتصاعد وتيرة الصراع. معظم المشاهد تم توليفها لتتناسب مع خيالات ونشاطات الممثلين. وفي مكان آخر مع رسالة العمل التوجيهية في سعيها نحو تأزيم البعد النفسي والعاطفي المشترك، بين الممثل والمتفرج، أمام قضايا حساسة وشائعة في نسيج المجتمع الأميركي، خاصة مسألة الإدمان على المخدرات وما تعكسه هذه الآفة من هذيانٍ وهلوساتٍ تحطم متناوليها وتكسرهم نفسياً واجتماعياً.

المساهمون