أخيراً، أصدرت المغنية الفرنسية، سوزان، ألبوماً جديداً يحمل عنوان Caméo، وهو الإصدار الثاني في مسيرتها بعد Toi toi الذي حطّم كل الأرقام القياسية عام 2020، في فئة الألبوم الأول لمغنية في فرنسا.
في الإصدار الجديد، تتخلى سوزان عن زيها الأزرق والأسود الذي كان يميزها، وهو مستوحى من أزياء لويس الرابع عشر، وتظهر في غلاف الألبوم بأزياء أكثر عصرية، تمسك كاميرا وتلتقط لنفسها صورة سيلفي، لتشير منذ البداية أن العمل الجديد أكثر ذاتية؛ فهي لا ترغب بالتخفي أكثر في الزي الذي كان يجعلها تبدو كمقاتلة ترقص بحيوية، أثناء سردها للحكايات القاتمة عن الشخصيات والأنماط الاجتماعية التي تحاكيها بأغانيها. وإنما تريد أن تستثمر قدرتها على السرد، لتحكي حكايات أكثر شخصية وحميمية هذه المرة؛ فهي لم تعد تشعر إطلاقاً أنها بحاجة للتخفي وراء أقنعة أو أزياء فاقعة، أو حتى أسماء مستعارة.
هكذا، يبدأ الألبوم مع أغنية تحمل اسمها الحقيقي، Océane، التي تروي بها سوزان فصلاً خاصاً من حكايتها، فتبدأ: "الفتاة من الطبقة المتوسطة التي تحلم بحياة عظيمة. أعلم الآن أن السعادة لا نعثر عليها في الإنجازات الكبيرة. الحياة على السجادة الحمراء ليست أكثر وردية من الحياة التي كنت أعرفها. الشيء الوحيد الذي تغير، أنني أصبحت أجرؤ على الظهور كما أنا. أوشين.. اظهري للعالم من أنتِ".
كان ذلك واضحاً بالفعل في ألبومها الأول، بل كان واضحاً مع أغنيتها المنفردة الأولى التي أوصلتها لطريق الشهرة، L'Insatisfait. سوزان راوية قصص بارعة، تعرف كيف تختزل المشاعر وترقص على النصوص التي تستكشف بها العواطف المبطنة.
أغاني سوزان مليئة بالإيماءات إلى مواقف يشعر كثيرون بأنهم مروا بها أو شاهدوها في الواقع من قبل أو في فيلم سينمائي، والأفضل من ذلك أنها لا تسخر حكاياتها الموسيقية لتلقي علينا خطابات أخلاقية متعالية، ولا تقدم العبر التي تتوافق مع خطابات التنمية البشرية التي تتغلغل في كلمات الأغاني الفرنسية والعالمية اليوم. ولأن سوزان راقصة متمرسة أيضاً، فهي لا تنسى أبداً تزويد جميع أغانيها بإيقاعات تحفز على الرقص.
يبدو ألبوم Caméo وكأنه صدى لمسيرة سوزان المهنية، وهو امتداد منطقي للأغنية الوحيدة التي كانت تحمل صبغة ذاتية في ألبوم Toi Toi، والتي كانت تحمل اسم Suzane، وسردت بها حكاية تكوين هذا الاسم؛ المغنية التي كانت لسنوات تعمل نادلة في المطاعم، وتائهة في زحمة المدن الفرنسية.
ومن خلال الأغاني الست عشرة التي يتألف منها ألبومها الجديد، تواصل سوزان رسم معالم الحكاية، لتنشئ عالماً يتناقض فيه الرقص والطاقة مع الكلمات القاتمة، لنشاهد سوزان، المليئة بالطاقة والخيال، وهي تدافع عن قيمها من خلال عملها الفني. إنها امرأة نسوية وتؤمن بالعديد من القضايا، كضرورة الحفاظ على البيئة، لكنها لا تريد أن تضع نفسها بقالب أو خطاب جامد يحولها إلى صنم جديد.
لذلك، تروي بأغانيها وحكاياتها الذاتية، مواضيع أكثر تنوعاً من أي ألبوم ذاتي آخر؛ لنراها في أغنية Clit is Good تثير جانباً شعرياً خاصاً بالحديث عن العادة السرية، والمتعة الأنثوية الخاصة التي تفضلها، ونشاهدها في أغنية 90 تسترجع مرحلة التسعينيات التي عاشت بها عقداً من طفولتها، لتستعيد بصبغة نوستالجية العديد من العناصر الثقافية التي تندمج معاً لتساهم بتشكيل صورة أوضح عن هويتها.
وفي المسار الختامي الذي يحمل اسم الألبوم، Caméo، تختفي الموسيقى لتفسح المجال أمام صوت سوزان للتعبير عن أحلامها في الدقيقة الأخيرة؛ إنها لا تزال تملك موهبة الحلم، ولا يزال الرقص على خشبة المسرح هو الحلم الأوحد، لتخبرنا أنها تحلم بأن تحتل صدارة المشهد مثل أزنافور، وأن تموت على خشبة المسرح مثل داليدا.