أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو)، اليوم الخميس، في العاصمة المغربية الرباط، الراي في قائمة التراث العالمي غير المادي للإنسانية.
وجاء ذلك خلال الاجتماع الـ17 للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي لليونيسكو المنعقدة بالرباط إلى غاية 3 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
والراي فن نشأ وترعرع في الحضرات الصوفية والزوايا، حيث كان يجتمع مريدو هذه الطرق في المدن والقرى الجزائرية، خصوصاً في وهران والمناطق الشرقية، التي تُعدّ منبع الراي.
وكانت مواضيع معظم هذه الأغاني دينية، اتخذت أسلوب "المدائح النبوية"، وكان يُطلَق عليها اسم "الملحون".
وإبّان الاحتلال الفرنسي للجزائر في عام 1830، وبعدما تخلّى الأتراك عن حمايتها، أخذ الجزائريون على عاتقهم مسؤولية الدفاع عن أنفسهم، فأعلن شيوخ الطرق الصوفية التعبئة العامة، وانطلقت ثورة "الظهرة" في عام 1845 لمواجهة المحتلّين.
في تلك الفترة، بدأ الراي يتحوّل إلى لون من الأغنيات الشعبية، وكان للشيخ حمادة محمد السنوسي وأتباعه، المناهضين للاحتلال الفرنسي، اليد الطولى في صناعة أغنيات الشارع في وهران وسيدي بلعباس.
ولم تقتصر موضوعاتها على المدائح النبوية، بل أخذت تتنوّع مضامينها لتعبّر عن أفكار الثورة ومعاناة السكان من الفقر والبؤس والمرض، والاعتقالات التعسّفية ومضايقات الشرطة الاستعمارية، ولذلك حرّضت بشكل غير مباشر على الثورة.
ومع صعود المنظمات الثورية في الجزائر خلال ثلاثينيّات القرن الـ20، كان الراي قد صار مزيجاً هجيناً من الموسيقى البدوية وأغنيات الريف الجبلية، وخرج من خليط لون "الغناوا" الأفريقي، والفلامينكو الإسباني، وأغاني اللهو الفرنسية.
وكان "الشيخ الهاشمي" أوّل من سجّل هذه الموسيقى في عام 1906، وأُدخِلَت إليها في ما بعد آلات جديدة مثل "السنثسيزر" و"الساكسو".
كما استخدم مغنّو الراي كلمات بذيئة في تلك الفترة من دون تحفّظ، فأطلق على فنّهم اسم "الفنّ الممنوع"، وتعرّض للقمع من الجهات الرسمية لاحقاً، بعد إعلان حكومة الاستقلال. والسبب هو تجرّؤ الراي على انتقاد النظام السياسي والواقع الاجتماعي.
وعانى الموسيقيون من التضييق، بحجز جوازات سفرهم، كما تعرّض بعضهم للتهديد والخطف والاغتيال على أيدي مناصرين لـ"الجماعة الإسلامية السلفية" بالجزائر.
وفي 29 سبتمبر/أيلول 1994، اغتيل الشاب حسني، مغنّي الراي الأشهر في الجزائر، ثم اختطفت الجماعة نفسها المغني القبائلي معطوب الوناس، واغتيل منتج الراي رشيد بابا أحمد في مدينة وهران عام 1995.
وكان المنع الرسمي والمحاربة غير الرسمية، من قبل "الجماعة الإسلامية"، من الأسباب الأساسية التي ساهمت في تزايد شعبية الراي في الجزائر وخارجها.
وتضاعفت مبيعات أشرطة الراي، ولقي اهتماماً متصاعداً من قبل الصحافة الأوروبية والعالمية.
وبقي الراي على هذه الحالة حتى عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، الذي أعلن انفتاحاً اقتصادياً ليبرالياً اجتماعياً في عام 1979، وكان من نتائج هذا الانفتاح أن اعترفت وزارة الثقافة الجزائرية بالراي كنوع غنائي فلكلوري، يعبّر عن ثقافة المكان.
ثم أُقِيمِ أوّل مهرجان لأغنيات الراي في الجزائر في عام 1986، بمشاركة فرقة "راينا راي"، التي تأسّست في سبعينيّات القرن الماضي في مدينة بلعباس بعد استقلال الجزائر. وهي تُعتَبَر أوّل فرقة ذات طابع عالمي لهذا اللون الغنائي.
ويلاحظ أن مغني الراي دائماً اسمه مسبوق بكلمة "الشاب"، مثل "الشاب خالد" و"الشاب مامي" و"الشاب حسني"، وهي ظاهرة تعود إلى بداية الثمانينيّات، عندما أُقِيمَت مسابقة تلفزيونية للمغنّين الشباب في الجزائر، وتمّ تعريف المشاركين بلقب "الشاب".
وفاز في تلك المسابقة مغنّي الراي "الشاب مامي"، وانسحب اللقب على مغنّي الراي جميعهم، في الجزائر وبلدان المهجر الأوروبية.
يمكن لمستمعي الراي أن يلاحظوا الأثر العميق للطرق الصوفية ورجالها على هذا اللون الموسيقي، فما زالت كلمات الراي تتغنّى بأقطاب ومشايخ الصوفية، كما هو الحال في أغنية الشاب خالد ذائعة الصيت "عبد القادر يا بو علَام"، مناجياً المتصوّف الشهير "عبد القادر الجيلاني".
وفي الأغنية نفسها: "سيدي بو مدين"، أي الشيخ الصوفي أبو مدين التلمساني، و"سيدي عبد الرحمن"، المقصود به الشيخ محمد بن عبد الرحمن الأزهري، الشهير بـ"أبي قبرين".