يونس مجاهد: نحاول صون أخلاقيات الصحافة في المغرب

22 نوفمبر 2021
عمل في جريدة "الاتحاد الاشتراكي" ثم كمراسلٍ لوكالة الأنباء الإسبانية (فيسبوك)
+ الخط -

لسنوات طويلة عمل الصحافي المغربي يونس مجاهد صحافياً بجريدة الاتحاد الاشتراكي، ثم مراسلاً لوكالة الأنباء الإسبانية، قبل أنْ يصبح مديراً لـ"المجلس الوطني للصحافة" بالرباط. مسار طويل تبوأ من خلاله يونس مجاهد مكانة داخل الإعلام المغربي، في وقتٍ ظلّ فيه مُشاركاً في صناعة الرأي داخل الخطاب الإعلامي ومن المُؤثّرين بمقولاتهم وسجالاتهم داخل الصحافة المغربيّة. 

يرتكز عمل المجلس الذي يترأس إدارته وتسييره على تنظيم مهنة الصحافة والدفاع عن أخلاقيات الصحافة وحريّة التعبير والقيام بتأهيل الصحافة، حتّى تكون في خضم التحوّلات التي تشهدها المهنة عربياً. ورغم النقد الشرس الذي يُوجّه للمجلس في كل حدث إعلامي، فإنّه في الآونة الأخيرة بدا موقعه هامّاً في تنظيم قطاع الصحافة ولعب دور الوساطة بين المهنيين واقتراح بعض الإجراءات التي تهدف إلى تنظيم القطاع وتحديثه. وهي مهمّات صعبة بالنسبة لإدارة وهياكل المجلس للقيام بهذه المهمّات، التي تأخذ وقتاً وصبراً ونقاشاً مع القطاع الإعلامي في المغرب.

في هذا الحوار الخاصّ، تلتقي "العربي الجديد" بالصحافي يونس مجاهد مدير "المجلس الوطني للصحافة" في المغرب في أسئلة حول مهام المجلس وضوابطه وموقع حريّة التعبير داخل أجنداته:

ما الصورة التي ترسمها اليوم لـ "المجلس الوطني للصحافة" ووظيفته، أمام التحوّلات التي تعرفها الصحافة المغربيّة من تضييق وخناق؟

المجلس الوطني للصحافة هيئة وطنية، مستقلة، وظيفتها الرئيسية تطوير ممارسة مهنة الصحافة، عبر العديد من الأدوات، من أهمها السهر على احترام أخلاقيات الصحافة، ثم تحصين الولوج إلى المهنة والعمل على تأهيل المقاولة الصحافية، بالإضافة إلى أدوار أخرى، لا تقل أهمية، مثل الوساطة والتحكيم في المنازعات بين الصحافيين وأرباب الصحف، والتكوين والدراسات والتقارير. لذلك، من الطبيعي أن يهتم المجلس بالتحولات التي تعرفها الساحة الوطنية والدولية، في كلّ مجالات الصحافة والإعلام، لأنّه من غير الممكن أن يقوم بوظائفه بشكل ناجع، من دون أن يتفاعل مع محيطه الداخلي والخارجي. من بين القضايا التي يتفاعل معها المجلس، كلّ ما يتعلق بحرية الصحافة، حيث إن المجلس مطالب بمتابعة هذا الملف وإصدار تقرير حول ممارسة حرية الصحافة ووضعيتها وأوضاع الصحافيين.

وقد عمم المجلس بلاغات حول بعض القضايا التي اعتبر أنها تتطلب تدخله، كما أصدر تقارير، من المفترض أن تنشر في الجريدة الرسمية، كما ينص على ذلك القانون. وفي هذه التقارير يقدم تقييمه لوضعية حرية الصحافة بالمغرب، إذ يعترف بأنّه حصل تقدم في العديد من المجالات، كما يسجل أيضا نواقص في القانون والممارسة، وهو ما يستدعي مواصلة الإصلاحات. 

غير أنّه بالإضافة إلى الإصلاحات الضرورية في القوانين، نعتبر في المجلس، أنّ تطوير حرية الصحافة يتطلب مقاولات بموارد مالية وإمكانات الانتشار، وصحافيين وعاملين يتوفرون على فرص تأدية واجبهم بشكل جيد. قد يتوفر بلد ما على قوانين جيدة في الصحافة والإعلام، وهذا مهم، لكن إذا كان لا يتوفر على مؤسسات قوية وموارد بشرية ذات كفاءة عالية، وعلى تقاليد صحافية متقدمة وتجربة واحترام للأخلاقيات وتنظيمات مهنية متجذرة... فإنّ جودة الصحافة تظل متعثرة.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

لا تتوقّف مهام المجلس على مسألة التنظيم وحقوق الصحافي، بل الدفاع أيضاً عن أخلاقات المهنة وتكريس حريّة التعبير كأوّل شرطٍ ضروري لتحقيق التواصل مع القارئ. كيف تعملون كمجلس وطني على حماية هذا الشرط الوجودي بالنسبة للجسم الصحافي؟

عندما تنتهك أخلاقيات الصحافة، فهذا يعني الاعتداء على حرية التعبير، أي أن هذا الحق المقدس والمكسب الكبير يشوه ويتم التلاعب به، لذلك فإنّ الدفاع عن حرية الصحافة وعن الحق في التعبير الحر، يتكامل مع احترام الأخلاقيات، ونحن في المجلس عندما نسهر على حماية حقوق الناس في شرفهم وذمتهم وصورتهم، ضد من يعمل على التهجم والتحامل عليها، فإننا ندافع عن حق إنساني، لا ثمن له، وهو الكرامة، كما ندافع عن حرية التعبير. صحافة الجودة ترتكز على الأخلاقيات، أي على مقومات العمل المهني الجيد. 

وبالإضافة إلى القرارات التأديبية التي اتخذها المجلس، فإنه نظم لقاءات دراسية، حول هذا الموضوع، ومقبل على مبادرات أخرى، في إطار التحسيس بالأهمية القصوى لهذا الجانب، كما يشتغل على ملف التربية على الإعلام، بتنسيق مع وزارة التربية الوطنية، وهو مشروع يهم المجتمع برمته، وخاصة الناشئة.


ثمّة ارتباك حاصل داخل الصحافة، بين فئة تُؤيّد قرارات المجلس وأخرى تُعارض دوماً مساره الهام في تنظيم مهنة الصحافة وتأهيل المُقاولات الإعلامية للانخراط في يوميات المجتمع. إلى حد الآن، ما الذي حقّقتموه بعد انفراج الحجر الصحي؟ 

من الطبيعي أن يكون الأمر على هذه الشاكلة، ونحن في السنوات الأولى لهذه التجربة، وعلينا أن نثبت أنها مؤسسة تقدم قيمة مضافة للصحافة، في المغرب. ورغم ظروف التأسيس، حيث لم نكن نتوفر على مقر وإمكانات، وكنا مكبلي الأيدي بغياب نظام داخلي، يسمح لنا بالعمل، ورغم أننا بعد تجاوز هذه العقبات، واجهنا ظروف الجائحة، إلا أنّ المجلس تقدم في العديد من الواجهات، من بينها حرصه على تنظيم الولوج للمهنة، حيث يطور باستمرار ضبط شروط الحصول على بطاقة الصحافة، كما أنه اتخذ قرارات وأصدر أحكاما في قضايا معروضة عليه، في الأخلاقيات والمنازعات بين الصحافيين ومالكي المؤسسات، ونظم المجلس عشرات الورش التدريبية في مختلف المدن المغربية، كما أنجز دراسات حول القطاع، تهم الصحافيين والمقاولات، وهو مقبل على تفعيل اتفاقيات للتعاون مع منظمات مغربية ودولية، تشمل مجالات اختصاصه، وهناك العديد من الأمثلة التي يمكن تقديمها، في ميادين العمل الإشعاعي، أهمها الندوة الدولية التي نظمها بطنجة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، لأهم مجالس الصحافة في العالم.

اشتغلت لسنوات صحافياً داخل جريدة الاتحاد الاشتراكي، ثم كمراسلٍ لوكالة الأنباء الإسبانية. ما الدوافع الخفيّة التي قادتك إلى ولوج عالم النقابة والمجلس بالنسبة لصحافي متمرّس في مهنة الكتابة والنقد؟

عند بداية اشتغالي في الصحافة، نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وجدت أن الصحافيين لا يتوفرون على نقابة خاصة بهم، كما هو الشأن في أغلب المهن الأخرى التي كانت منظمة، وقد دخلت في نقاشات مع العديد من الزميلات والزملاء، لنتوصل في النهاية إلى الالتحاق بالنقابة الوطنية للصحافة المغربية، التي كانت تضم الناشرين آنذاك... تطلب الأمر مفاوضات وصيرورة طويلة حتى تحولت هذه النقابة، كلها، للصحافيين. كان من الضروري أن يكون للصحافيين تمثيلية نقابية، وقد اشتغلت طيلة مساري المهني في هذا الإطار، الذي تعلمت منه الكثير. ليس هناك أي تناقض بين ممارسة الصحافة والكتابة من جهة، والنضال النقابي. لقد آمنت دائماً بأنّ الصحافة والكتابة التزام مع الضمير ومع المجتمع، وأن التضامن بين الصحافيين، يتطلب التنظيم، وأن الدفاع عن الحقوق والحريات، لا يمكن أن يكون ناجعا بدون أداة نقابية. هذا ما يحصل في كل تجارب البلدان المتقدمة في العالم. نقابات الصحافيين، الأكثر حضورا وقوة، توجد في البلدان المتقدمة في الديمقراطية وهي التي تتوفر على أعراف وتاريخ في مهنة الصحافة.

المسؤولية التي أتحملها في المجلس الوطني للصحافة، هي عمليا تكريس لهذا المسار. وقد تم التوافق بين التنظيمات المهنية للصحافيين والناشرين، الأكثر تمثيلية، منذ أكثر من عشرين سنة، على ضرورة خلق هيئة وطنية لتطوير المهنة وتحصينها أخلاقيا، وهو ما أدى إلى صيغة المجلس الحالية، لأن بلادنا في حاجة إلى صحافة قوية، تحمي الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، وتمارس البحث والتقصي، وتمنح للمواطن منتوجا يقارب انتظاراته. فلسفة إنشاء المجلس تستمد روحها من ثقافة ديمقراطية تقضي بأن يعالج المهنيون إشكالات مهنتهم بأنفسهم، لذلك فهو إطار للتنظيم الذاتي، تجاوز في صلاحياته ما هو متعارف عليه في تجارب التنظيم الذاتي، لكن هذا اختيار مغربي، فرضه المهنيون، صحافيون وناشرون، هدفه الارتقاء بالصحافة والإعلام.

لكن، ما الذي تطمحون إلى تحقيقه بعد تشكيل الحكومة الجديدة؟

علاقتنا بالحكومة محدودة، لكنها أيضاً ضرورية في بعض المجالات. إذ لا يمكننا العمل إلا بتعاون وتنسيق معها، مثل ما يرتبط بالمجالات القانونية والتنظيمية، ونحن ننتظر من الحكومة الحالية، أن تتجاوز الخطأ الذي كانت ترتكبه الحكومة السابقة، حيث تجاهلت المجلس في العديد من المحطات، التي كان من الممكن أن تأخذ رأيه في مشاريع قوانين وإجراءات تهم الصحافة، كما ينص على ذلك القانون. سنخاطب الحكومة الجديدة في العديد من الملفات التي نعتبر أنه من الممكن التعاون لمعالجتها. هناك الإصلاحات القانونية التي نعتبر أنه من الضروري القيام بها، ونخص بالذكر القوانين المؤطرة للصحافة والنشر والصحافيين المهنيين والمجلس والحق في الخبر... بالإضافة إلى إصلاحات في مجال تكوين الصحافيين والإعلاميين والوضع العام للصناعة الإعلامية... وعدد آخر من المقترحات، التي تسير كلها في اتجاه تكريس حرية الصحافة وتعزيز الممارسة المهنية.

كلّما تم الإعلان عن تقديم وفتح باب الحصول على البطاقة المهنية للصحافة، إلا وتُرافقها موجة من الاحتجاجات العارمة داخل الصحافة المغربيّة. ألا ترى أنّ الجدل الذي يُرافق هذه العملية التنظيمية، قد يُعطّلنا عن قضايا حقيقية تشهدها الصحافة العربيّة اليوم؟

الاحتجاجات نسجلها فقط لدى بعض الفئات، أما الأغلبية الساحقة من المهنيين، فهم على العكس، يطالبون المجلس بالتشدد في منح بطاقة الصحافة. يتلقى المجلس أكثر من 5000 طلب للحصول على البطاقة، ولا يقبل إلا حوالي الثلثين منها، معنى ذلك، أن الطلبات المرفوضة، هي ملفات ناقصة لا تتوفر فيها شروط الولوج لمهنة الصحافة. وقد كنا حريصين، قبل تأسيس المجلس، في منظماتنا المهنية، على أن نرتقي بالولوج لمهنة الصحافة، طبقا لشروط لا بد أن تتوفر فيمن يرغب العمل بالصحافة، وحتى لا تتحول إلى مهنة من لا مهنة له. الأمر ليس سهلا، ولا يمكن أن ندعي أننا نجحنا في هذه المهمة، لكننا نتقدم سنة بعد سنة.

ليس هدفنا التضييق على الراغبين في العمل بالصحافة، لكننا نسعى إلى أن تظل المهنة شريفة ونبيلة، وأن يشتغل بها من هو أهل لها، حتى يقدم للمجتمع ما ينتظره من الصحافة والإعلام، هذا هو النقاش الحقيقي. ما تحتاجه الصحافة المغربية، هو أن تتوفر على مقاولات قوية، قادرة على أن تؤدي الأدوار المتعارف عليها في عالم الصحافة، وهو البحث والتقصي والتحاليل الجيدة والتعاليق المحترمة والترفيه الراقي... وهذا هو مطلب غالبية الصحافيين الذين تتوفر فيهم الشروط.

كيف يسعى يونس مجاهد إلى تحقيق آلية الحوار الفعّال بين المجلس وباقي العاملين في الصحافة المغربيّة، على مستوى تقديم ورش وإعداد ندوات ومقترحاتٍ تهمّ واقع الصحافة؟

نحن في المجلس نشتغل كفريق منسجم، لجان المجلس هي التي تضع البرامج وتعرضها على الجمعية العمومية، وبعد ذلك نعمل جميعا على تفعيلها. وقد نظمنا حوارات مع المعنيين بالقطاع، خاصة حول مستقبل المقاولة الصحافية، ولدينا برنامج لفتح حوار مع المهنيين عبر هيئاتهم ومع منظمات المجتمع المدني، وأطراف أخرى، قد تساهم في تطوير الصحافة. حقيقة، إنّ ظروف كورونا عرقلت الكثير من قدرتنا على التحرك، لكن لدينا في الشهور المقبلة برنامج متكامل بإشراك كل من يمكنه أن يساهم في تطوير الصحافة المغربية، لأننا نعتبر أن حرية الصحافة ومستقبلها، شأن مجتمعي، وليس حكرا على أي طرف، كما أن دورها حاسم في الديمقراطية، لذلك على الجميع أن يساهم في تحسين أدائها، هذه هي الرسالة التي نريد ترسيخها.

المساهمون