وعد الخطيب: "إلى سما" هو سبب نجاتي نفسياً في سورية

24 اغسطس 2024
وعد الخطيب: تبقى الثورة لحظة أمل مستمرّة (تريستان فيوينغز/ Getty)
+ الخط -

بعد اختتام الألعاب الأولمبية في باريس، يعود الاهتمام بالفيلم الوثائقي للمخرجة والصحافية السورية وعد الخطيب "تجرّأنا على الحلم" الذي يسرد قصص خمسة لاجئين تحدّوا الظروف الصعبة وشاركوا في الأولمبياد. لاقت جرأة وعد الخطيب في توثيق الحرب في سورية اهتماماً في وسائل إعلام بارزة، مثل القناة الرابعة البريطانية و"ذا غارديان" و"نيويورك تايمز" و"بي بي سي"، كما استقطبت اهتماماً دولياً وإشادة شخصيات بارزة، مثل الممثلة أنجلينا جولي.

في حديث وعد الخطيب إلى "العربي الجديد"، تتطرّق إلى مشاريعها وأهدافها، وتستعرض تأثير أعمالها على الساحة العالمية، وكيفية الاستمرار في تسليط الضوء على القضايا الإنسانية.

ما هي اللحظة الحاسمة التي دفعتك إلى بدء توثيق الحدث السوري وتجربتك الشخصية في حلب؟ وكيف أثرت هذه اللحظة في مسيرتك المهنية؟

مع انطلاق الثورة، شعرت بأمل كبير وبانتماء حقيقي لم أشعر به من قبل إلى سورية، وحتى اللحظة تبقى الثورة لحظة أمل مستمرّة. شعرت حينها بأنني أسجل تاريخاً لا يمكن لأحد إنكاره في ما بعد. أذكر اللحظة التي بدأت فيها استخدام الهاتف المحمول لتصوير الأحداث. وأدركت أن هذه هي لحظة اللاعودة إلى حياتنا السابقة في سورية. كان الانتقال من دراسة الاقتصاد إلى التصوير والإخراج رحلة طويلة استمرت سنوات، إذ أدركنا أنه لا يوجد شيء يمكنه مقاومة الظلم الذي كنا نعيشه بقدر توثيق ما يحدث. تعلّمت التصوير والمونتاج بنفسي وبمساعدة أشخاص من حولي، حتى اكتسبت الخبرة وقرّرت العمل على فيلم "إلى سما". كنت مصرّة على الاستمرار في توثيق ما يجري بعيوننا، وليس بعيون النظام أو الإعلام الغربي أو الناس خارج سورية.

قلتِ إنّك لم تشعري بالإنتماء إلى سورية قبل الثورة. لماذا؟

كان هناك العديد من الأسباب التي أثرت في حياتنا اليومية. كان النظام دائماً يمثل اليد الخفية السيئة التي تمثّل سورية في محور الممانعة والمقاومة والمؤامرات الدولية وغيرها، بينما يظهر بهيئة الطرف الجيد الذي يعيش مواطنوه في أفضل حالاتهم. ولكن، في الوقت نفسه، كنا نحن السوريين ندرك حجم الدمار والقتل والمجازر التي ارتكبها. ورغم هذا الوعي، لم نتحرّك بسبب الخوف الكبير من النظام. الثورة منحتني الأمل في تغيير هذه الصورة عن سورية، لتصبح سورية الحقيقية بدلاً من سورية الأسد.

كيف تطورت رؤيتك لفيلم "إلى سما" من الفكرة الأولى إلى الإنتاج النهائي؟ وما هي أبرز اللحظات التي غيّرت مسار العمل؟

في البداية، كان التوثيق عبارة عن مجهود فردي، ولم أتخيل يوماً أنني سأُخرج هذا الفيلم. كنت أشعر باستمرار أنني لن أنجو من هذه المحرقة. لذلك، بدأت بتصوير اللحظات العائلية كي تبقى ذكرى يوماً ما لمن تصل إليه من عائلتي أو أصدقائي. وكان هذا المبدأ متعارفاً عليه نوعاً ما في مجتمعنا في ذلك المكان. لم يخطر في بالي إطلاقاً أن أُهجّر قسرياً من حلب، لكن ذلك حدث عام 2016، ولا أزال أشعر أن خسارة مدينتي جرح عميق لم يلتئم. وبعد يأس وألم، قررت أن أنفّذ عملاً عن حلب. كنت أعمل حينها مع القناة الرابعة البريطانية من داخل حلب لمدة عام تقريباً، وعندما التقيت بهم بدأت بنشر المواد الشخصية التي يمكن استخدامها سينمائياً وليس كأخبار يومية.

كيف أثر العمل على "إلى سما" في حياتك الشخصية والعائلية، في ظل الظروف القاسية التي كنت تعانين منها أثناء التوثيق؟

بصراحة، لم أكن خائفة على نفسي بقدر خوفي على أهلي الذين كانوا في مناطق النظام. وفكرة الموت كانت نوعاً ما مقبولة عندي. عاطفياً، لأنني امرأة، أعتقد أننا نحن النساء نستنزف أكثر من الرجال. كنت أحاول التصرف وكأن الأمور طبيعية، مثل زواجي من حمزة وعلاقتي مع سما في ظل ظروف القصف والحصار وانقطاع الدواء، وحملي مرة أخرى. من التحديات أيضاً افتقاري إلى الخبرة في التصوير، فكنت أحاول العمل انطلاقاً من الصفر. الفيلم ساعدني في الحفاظ على جزء من حلب، وكان وسيلة لأستمر في الحديث عنها كما أراها. حلب الجميلة والحب الموجود بين ناسها. سبب نجاتي نفسياً هو الفيلم.

ما الذي ألهمك التركيز على قصص الرياضيين من سورية وإيران وجنوب السودان والكاميرون في فيلم "تجرّأنا على الحلم"؟ وأي من قصص الرياضيين كانت الأكثر تأثيراً عليك شخصياً؟

لفت انتباهي موضوع الرياضيين، وتأثرت بقصة لاعبة إيرانية بعد أن رأيت منشوراً لها على حسابها في "إنستغرام". مسّتني كلماتها بعمق، وبكيت وشعرت أن هذه القصة تمثلني رغم اختلاف التجربة. كان هناك رابط إنساني جمعني بها. قرّرت أن أعمل على هذا الفيلم، وكانت تجربة جميلة وعاطفية وصعبة، فكنت أشاهد ألمي بأشكال مختلفة ومن خلال أشخاص مختلفين. أعتقد أن هذه التجربة ستبقى من بين أفضل التجارب السينمائية والفنية التي عشتها أو سأختبرها في حياتي.

سينما ودراما
التحديثات الحية

كيف بدأت فكرة التعاون مع أنجلينا جولي، وما الذي جعلك تشعرين بأنها الشريك المناسب لهذا المشروع؟

تعرفت إلى أنجلينا جولي عند صدور فيلم "إلى سما" بفضل تقديم الممثلة كيت بلانشيت. أثناء العمل على فيلم "تجرأنا على الحلم"، شاهدت مقابلة لجولي تدعم اللاجئين في أولمبياد ريو 2016، فكتبت لها رسالة أكّدت فيها نقاط اهتمامنا المشتركة. كان ردها إيجابياً وعرضت مساعدتها، وبدأنا في تبادل الأفكار حول الفيلم. بعد صدور الفيلم، انضمّت إلى فريق العمل، وكان دعمها حاسماً بفضل تأثيرها الكبير في قضايا اللاجئين. أتمنى أن أواصل الحصول على دعم من شخصيات ذات تأثير إنساني، لأن الوصول إلى أكبر عدد من الناس هو الهدف الأساسي لأي فيلم.

ما هو الأثر الذي تأملين أن يتركه فيلم "تجرّأنا على الحلم" في الجمهور؟ هل هناك رسائل محددة تودين إيصالها إلى صناع القرار والجمهور؟

نحن اللاجئين نجونا من صعوبات هائلة في حياتنا. ولا أريد القول إننا نستحق الفرص، بل نحن نخلقها لأنفسنا بغض النظر عمّا يراه الآخرون. وفي الوقت نفسه، نحن لسنا أبطالاً ولا ضحايا، بل أشخاص مرّوا بظروف صعبة ونحاول النهوض والاستمرار قدر الإمكان. للأسف، يُستخدم اللاجئون أحياناً ورقةَ ضغط سياسية، والحياة أثبتت أن أي شخص يمكن أن يصبح لاجئاً بسبب الحرب أو السياسات أو الظروف المناخية. لذلك، من المهم أن نفهم ظروف بعضنا بعضاً.

ما هي أكثر ردود الفعل التي تلقيتها من الجمهور بعد عرض فيلم "تجرّأنا على الحلم"؟ وكيف أثرت هذه الردود في رؤيتك لعملك؟

كانت الردود جميلة للغاية، وأحسست أنّ اللاجئين الذين شاهدوه، لمسوا قصصاً تمثّلهم بشكل أو بآخر. عُرض الفيلم في العديد من الأماكن حول العالم، مثل "يورو سبورت" في أوروبا. هذا الفيلم منحني نوعاً من السعادة والأمل، فبالرغم من الجوائز العديدة التي حصل عليها فيلم "إلى سما"، لم أشعر بالإحساس نفسه، لأن القصة كانت حزينة ومؤلمة. أما هذا الفيلم فأعطاني القوة والإلهام، وكان تجربة مختلفة تماماً.

هل تعتقدين أن الحرب السورية أبرزت صوت المرأة السورية أكثر؟

هذا سؤال معقد ولا يمكن الإجابة عنه بسهولة. بالتأكيد، هناك نساء تمكنَّ من الظهور والقيام بأدوار مهمة خلال الصراع، وقد سلطت الأضواء على جهودهن وتضحياتهن. ومع ذلك، من الضروري أن ندرك أن الكثيرات منهن تعرضن إلى أمور سيئة للغاية، مثل الاضطهاد والاعتقال في مجتمع يواجه ظلماً كبيراً. المرأة كانت جزءاً لا يتجزأ من هذا الصراع، وقدمت تضحيات كبيرة وعانت بشدّة. في الوقت نفسه، هي جزء من المجتمع الذي يدفع الثمن الباهظ نتيجة ظروف الحرب. قد يبدو جوابي متناقضاً، لكن هذه هي الحقيقة المعقدة التي تواجهها النساء في ظل هذه الأزمات. قد يتطلب الأمر سنوات طويلة لتقييم الأثر الكامل لهذا الصراع على دور المرأة السورية وصوتها في المجتمع.

ما هي المشاريع التي تعملين عليها حالياً، وهل هناك مواضيع أو قضايا معينة تخططين لاستكشافها في المستقبل؟

حالياً، أركز على فيلمي الجديد "موت بلا هوادة"، الذي صدر في يونيو/حزيران في بريطانيا، ومن المتوقع عرضه في سبتمبر/أيلول في أميركا. يتناول الفيلم الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية عام 2023، ويسلط الضوء على معاناة عائلتين سوريتين لاجئتين في تركيا. يتناول العمل تجربة فادي الحلبي، الإعلامي الذي فقد 13 من أفراد عائلته، وفؤاد وزوجته صفا، اللذين فقدا ابنهما قتيبة. عمل فادي وفؤاد في الفيلم جنباً إلى جنب معي ومع مجموعة من الأشخاص. الفيلم يعرض حالياً في صالات سينما خاصة في بريطانيا، وسيتاح عبر MTV Paramount Plus في أميركا في سبتمبر. نحن الآن في مرحلة توزيع الفيلم، إذ نرتّب العروض السينمائية المقبلة في بريطانيا وأميركا. في ما يتعلق بالمشاريع المستقبلية، أحتاج حالياً إلى وقت لتقييم الخطوات القادمة بعد "موت بلا هوادة".

المساهمون