هل انتهى دور مواقع التواصل في الاحتجاجات الشعبية؟

21 أكتوبر 2022
قد يكون العدد غير مهم بعد الآن (محمود همس/Getty)
+ الخط -

لعقود طويلة كانت الاحتجاجات الشعبية سلاحاً فعالاً في وجه الأزمات الاقتصادية والقمع السياسي والفساد. لكن دراسات جديدة لاحظت أن احتمال نجاح هذه الاحتجاجات قد تراجع في جميع أنحاء العالم، رغم صعود مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها. بل إن باحثين في جامعة هارفرد الأميركية ذهبوا أبعد من ذلك، مرجحين فشل الحراكات السلمية اليوم أكثر من أي وقت مضى، وذلك بعد تحليل مجموعة من البيانات.

نجاح الاحتجاجات بين الأمس واليوم

خلال معظم القرن العشرين، باتت الاحتجاجات الجماهيرية أكثر فعالية وقابلية للنجاح، فأطاحت حكاماً وساهمت في تحقيق هامش أكبر من الديمقراطية في العالم. وبحلول أوائل العقد الأول من القرن الـ21، حققت اثنتان من كل ثلاث حركات احتجاجية تطالب بالتغيير، النجاح وفقاً لبيانات الجامعة الأميركية.
لكن عند منتصف العقد بدأ الاتجاه يتغيّر. بحلول نهاية 2010، وعلى الرغم من استمرار انتشار الاحتجاجات، انخفض المعدل إلى نجاح واحد فقط من كل ثلاثة احتجاجات. 

وتشير البيانات التي تعود إلى أوائل عام 2020 إلى أن النسبة ربما انخفضت بالفعل إلى نصف آخر، أي إلى نجاح واحد فقط من كل ستة احتجاجات. وكتبت الباحثة في العلوم السياسية التي تشرف على مشروع تتبع الاحتجاجات، إيريكا تشينويث، في الورقة البحثية: "تشهد الحملات السلمية أدنى معدلات نجاح لها منذ أكثر من قرن". وأضافت أن عامي 2020 و2021 "كانا أسوأ أعوام مسجلة لقوة الشعب".

مواقع التواصل سهلت الاحتجاجات لكن لم تزد فرص نجاحها

أسباب هذا التراجع لا تزال قيد النقاش، لكن الخبراء اتفقوا على مجموعة من المشاكل الثابتة والمشتركة في أكثر من بلد، أبرزها ثغرات مواقع التواصل.  
وتسمح وسائل التواصل الاجتماعي للمتظاهرين بتخطي الخطوات الأولى الصعبة، أي حشد الناس وتنظيم التجمعات، ما يحفز على العمل بأقل قدر ممكن من المنشورات. والنتيجة تجمعات حاشدة تضع آلاف أو ملايين الناس في الشوارع بين عشية وضحاها، لكنها غالباً ما تتلاشى بالسرعة نفسها.
ففي الحقبة التي سبقت انتشار مواقع التواصل، كان الناشطون والمعارضون السياسيون يقضون شهوراً أو سنوات في بناء الهياكل التنظيمية والعلاقات اللازمة على الأرض لإطلاق احتجاج جماهيري، وهو ما جعل الحركات دائمة وتملك إطاراً من الانضباط وتسلسلاً للقيادة. فمن دون هذه البنية التحتية التقليدية للناشطين، ستكون احتجاجات وسائل التواصل الاجتماعي أقل استعداداً لتحمّل القمع الحكومي ومن دون قائد حقيقي.
وكانت الاحتجاجات تقليدياً مجرد أداة واحدة من ضمن حملة أوسع للضغط على الحكومات، جنباً إلى جنب مع مفاوضات الغرف الخلفية مع القادة السياسيين أو بناء تحالف مع جهات فاعلة قوية. 
لكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ساهم بتوجيه الطاقة الشعبية بعيداً عن هذا التنظيم، وباتت الاحتجاجات الآن الأداة الوحيدة، وعادة ما تكون غير فعّالة وحدها.

استخدام الأنظمة للمواقع

تعلمت الأنظمة الاستبدادية، رداً على الثورات الشعبية في الدول العربية ودول الاتحاد السوفييتي السابق في بداية هذا القرن، تقويض الحركات الجماهيرية بأساليب أكثر دقة من القوة الغاشمة وحدها. وكتبت تشينويث: "إننا نعيش في عصر الاستبداد الرقمي". فقد طورت الديكتاتوريات، التي تستولي على الإنترنت والأدوات الأخرى، أساليب جديدة "مثل المراقبة المباشرة لاتصالات الناشطين والمضايقة والترهيب عبر الإنترنت والانتشار السريع لدعاية الدولة ووضع المعارضين تحت الرقابة".
ولكي تنتصر الأنظمة، تحتاج فقط إلى خلق ما يكفي من الشك أو الانقسام أو التشاؤم، الذي يمنع المتظاهرين من تشكيل كتلة صلبة تدعم بعضها.
وتجد الحكومات بشكل متزايد حلفاء ضد الاحتجاجات بين مواطنيها. تتجلى المواقف غير الليبرالية المتزايدة، التي غالباً ما ترى حكم الرجل القوي على أنه أمر مرغوب فيه، والاحتجاجات على أنها خروج عن القانون، على أنها دعم شعبي لقمع الحكومة لتلك الحركات.

نجاح الاحتجاجات... العدد لم يعد يهم

ترى تشينويث أن إحدى نتائج هذه التغييرات هي أن نجاح الاحتجاجات لم يعد محدداً بحجم الجماهير. بدلاً من ذلك، قد يكون العامل الأكثر أهمية هو مهارة الحركة في إقناع أو الضغط على أصحاب النفوذ الرئيسيين في بلد ما، للانفصال عن الحكومة.
وعلى سبيل المثال، واجه المتظاهرون في تشيلي في عام 2019 قمعاً عنيفاً، لكنهم كسبوا حلفاء في المستويات العليا من النظام السياسي، الذين وجهوا غضبهم نحو مطالب ملموسة ثم ساعدوا في تحقيقها.

ولكن ما قد يبدو أحياناً أنه انتفاضة مواطنين ناجحة، بمجرد أن يهدأ الغبار، قد يتحول إلى خلق مجموعة من الخصوم السياسيين الذين يستغلون الاضطرابات للاستيلاء على السلطة لأنفسهم.
وفي زيمبابوي في عام 2017، على سبيل المثال، عزل القادة العسكريون وشخصيات أخرى حاكم البلاد منذ فترة طويلة، روبرت موغابي، بدعوى تحقيق التغيير نيابة عن المحتجين. لكن الحكومة الجديدة، بمجرد توليها السلطة، تجاهلت المتظاهرين أو قمعتهم. حدث الشيء نفسه بعد عامين في السودان.

 

المساهمون