طوى مهرجان جرش للثقافة والفنون دورته الـ36 مساء السبت الماضي، بعد 10 أيام من الفعاليات التي تنوعت بين شقيها الفني والثقافي، بمشاركة محلية بارزة وعربية خجولة، فيما كان الحضور الجماهيري للفعاليات محط استفهام كبير.
وفي الوقت الذي غرد فيه "جرش" وحيداً العام الماضي بين المهرجانات العربية متحدياً جائحة كورونا ومحققاً نجاحاً لافتاً على صعيد نوعية الفعاليات والحضور الجماهيري، عاش المهرجان هذا العام منافسة قوية من الفعاليات العربية التي أقيمت في التوقيت نفسه. كما أثرت الحفلات الفنية التي نظمتها شركات خاصة وأقيمت في عمّان على نوعية ومستوى الحضور الجماهيري الذي قل بشكل واضح عن الدورات الماضية.
مقاطعات وأزمة الترويج
أولى المشاكل التي أحاطت بدورة هذا العام من المهرجان كانت مقاطعة أبرز مغنيَين أردنيَين، أي عمر العبدللات وديانا كرزون، الفعاليات. وقد برر الفنانان قراراهما بسوء التعامل والتنسيق معهما وتفضيل الفنان العربي على الأردني واعتبار مشاركة الأخير تحصيلاً حاصلاً، بدلالة الإعلان عن برنامج المهرجان في مؤتمر صحافي عام قبل الاتفاق مع الفنانين الأردنيين، ما أدى إلى انسحاب فنانين آخرين، معتبرين أن إدارة المهرجان قامت بتهميشهم.
ولم تكد تنجو إدارة المهرجان من مأزق المقاطعة، حتى تصدّر وسم #مهرجان_جرش قائمة الأكثر تداولاً على موقع تويتر في الأردن أياماً عدة، بعدما طرحت إدارة المهرجان ملصقات حفلات نجوم الغناء الأردنيين والعرب المشاركين في الفعاليات، إذ خلت الملصقات من أي لمسات إبداعية، وتحولت إلى مادة للسخرية والتندر.
معضلة الحضور الجماهيري
من بين 10 حفلات رئيسية أقيمت على المسرح الجنوبي الذي يتسع لأربعة آلاف شخص، شارك فيها 22 مغنياً أردنياً وعربياً وفرقتان فلكلوريتان، حققت ثلاث حفلات فقط حضوراً كاملاً وهي التي يمكن وصفها بالناجحة جماهيرياً، فسجل الفنان المصري تامر حسني أعلى حضور جماهيري في مشاركته الثانية في جرش، بعدما كان قد شارك قبل 10 سنوات لأول مرة. ولم ينجُ حفل حسني من الانتقادات بعد منع أكثر من 700 شخص بينهم صحافيون من الدخول رغم شرائهم تذاكر العرض الفني، بحجة امتلاء المسرح.
ثاني الحفلات التي حققت حضوراً جماهيرياً كامل العدد هي حفلة "فرقة نادي الجيل للفلكلور الشركسي"، وهي الحفلة التي يخصصها المهرجان للفرق الشركسية الأردنية في عرف وتقليد سنوي ودرجت العادة أن يتابعه الجمهور الشركسي فقط. فيما حققت الفنانة الفلسطينية دلال أبو آمنة حضوراً جماهيرياً في مشاركتها الأولى فاق ثلاثة آلاف شخص.
وبدا واضحاً في الحفلات السبع الأخرى تباين الحضور الجماهيري الذي كان عدده ينحصر بين ألف وثلاثة آلاف شخص، علماً أنّ أسعار تذاكر الحفلات رمزية وموحدة تبلغ قيمتها 15 ديناراً أردنياً (22 دولاراً أميركياً)، تقدمها المغنيان السعوديان رابح صقر (غنى وحده في الحفلة) وماجد الرسلاني (شاركه المغني الأردني محمود الدعجة) في أول مشاركة لصقر والرسلاني حيث غلب حضور السياح الخليجيين على الجمهور.
وحظيت حفلتا اللبناني مروان خوري (شارك معه الأردنيان نجم السلمان وليندا حجازي) والعراقي محمود التركي (شارك معه المغنيان الأردنيان يحيى صويص وأسامة جبور) بحضور جماهيري أفضل من حفلتي اللبناني عاصي الحلاني (شارك معه الأردنيان جهاد سركيس وغادة العباسي) واللبناني زياد برجي (شارك معه الأردنيان طوني قطان ورامي شفيق).
ويمكن تقسيم الجمهور في معظم الحفلات إلى ثلاث فئات، الأولى: جمهور الفنان الحقيقي الذي ابتاع التذاكر، الثانية: الجمهور الذي حضر الحفلات من خلال هيئة تنشيط السياحة الأردنية وبرنامج "أردنا جنة" إذ كان يستطيع أي شخص شراء تذكرة قيمتها 10 دنانير أردنية (15.5 دولاراً أميركياً ونصف)، ضمن رزمة كاملة تشمل رحلة سياحية ووجبة غداء وحضور حفلة غنائية، وهو الأمر الذي أثر بشكل واضح على عدد حضور الوصلة الثالثة من كلّ الحفلات، التي كانت تبدأ عند الساعة الثامنة والنصف مساء بتوقيت الأردن الصيفي بسبب ضرورة مغادرة المشاركين في البرنامج السياحي عند الساعة العاشرة مساء، أما الفئة الثالثة فهي الحاضرون مجاناً ممن سهلت إدارة المهرجان دخولهم بهدف ملء المدرجات.
وفي الوقت الذي أنّت مدرجات المسرح الشمالي في المهرجان من قلة عدد الجمهور، حققت حفلات فرقة تكات السورية والمغنيين الأردنيين توفيق الدلو وأحمد الكردي، والفنان الأردني عيسى السقار والسورية فايا يونان، وفرقة جوقة سراج الفلسطينية، حضوراً جماهيرياً كامل العدد.
وتقاطعت انطلاقة مهرجان جرش مع تنظيم شركة خاصة حفلتين للفنانين كاظم الساهر وحسين الجسمي تحت شعار عمّان Live Nights 22، إذ حظيت الحفلتان بحضور جماهيري كامل العدد يقدر بخمسة آلاف شخص لكل منهما، رغم الفارق الكبير في أسعار التذاكر، إذ تراوحت أسعار حفلتي الساهر والجسمي ما بين 55 ديناراً (77 دولاراً أميركياً) في حدها الأدنى و500 دينار (706 دولارات) في حدها الأعلى. كما أقيمت في اليوم قبل الأخير للمهرجان حفلة أخرى في عمّان أحياها الفنانان المصري أحمد سعد واللبناني جوزيف عطية والدي جي أصيل، وحظيت كذلك بجمهور كامل العدد وتراوحت أسعار التذاكر فيها بين 40 ديناراً (57 دولاراً أميركياً) و100 دينار (141 دولاراً)، فيما ألغيت حفلة أخرى كانت مقررةً إقامتها في اليوم نفسه لمغنيي المهرجانات عمر كمال وحسن شاكوش بسبب قلة الإقبال الجماهيري.
الرابحون في جرش
حقق بعض الفنانين المشاركين في مهرجان جرش نجاحاً يضاف إلى سيرتهم الفنية، يأتي في مقدمتهم الفنان المصري تامر حسني الذي أثبت حجم جماهيريته في الأردن، وهو الأمر الذي ينطبق على الفنانة الفلسطينية دلال أبو آمنة، التي أثبتت حفلتها الجماهيرية مدى شعبية نوع الغناء الذي تقدمه.
كما تمثل مشاركة الفنانين مروان خوري وزياد برجي ومحمود التركي ورابح صقر وماجد الرسلاني قيمة فنية إضافية لهم، في حضورهم الجماهيري الأول في الأردن.
ويأتي نجاح حفلتي المغنيين الأردنيين عيسى السقار وتوفيق الدلو في المهرجان بمثابة تأكيد على نجاحهما السابق الذي تحقق العام الماضي، وهو الأمر الذي يفيدهما في مشوارهما الفني.
ومن بين الرابحين أيضاً، الموهبة الفنية الأردنية الشاب أحمد السلمان، الذي قدمه تامر حسني لجمهوره، ووصف صوته بالجميل مخاطباً الجمهور: "دلوقتي... عندكم تامر حسني الأردن، ادعموه"، وشارك السلمان تقديم أغنية "وانت بعيد" مع حسني، ولاقى تشجيعاً من قبل الحضور.
كما ربحت نقابة الفنانين الأردنيين، في اتفاقها مع إدارة المهرجان على إسناد مهمة الاتفاق مع الفنانين الأردنيين المشاركين في المهرجان إليها، وحصول النقابة على مبلغ 250 ألف دينار أردني (أكثر من 350 ألف دولار).
الخاسرون في جرش
تأتي في مقدمة الخاسرين في دورة هذا العام إدارة المهرجان نفسها التي وقعت في مطبات كثيرة، بسبب قلة الخبرة وسوء التنسيق والتصادم مراراً مع وسائل الإعلام والجمهور ومع الفنانين الأردنيين، فضلاً عن اختياراتها الضعيفة، إذ تعد الدورة الـ36 للمهرجان من أضعف الدورات.
كما خسر المهرجان ميزة حضور النجوم العرب، إذ تعامل معظمهم مع المهرجان وكأنهم يحيون حفلات خاصة، فمنهم من وصل قبل الحفلة بساعات وغنى وغادر من دون الالتقاء بوسائل الإعلام والجمهور، ومنهم من رفض إقامة مؤتمرات صحافية وهو تقليد معروف في المهرجانات الكبرى، ومنهم من فضل إجراء مقابلات خاصة مع فئة من وسائل الاعلام.
على صعيد الفنانين، خسر الفنان اللبناني عاصي الحلاني مرتين، الأولى: عندما وصل فجر يوم الحفلة وغنى وغادر مباشرة. والثانية: كان حضور الجمهور الذي لا يتناسب مع قيمته الفنية وخبرته ونجاحاته، ورد البعض ذلك إلى سببين، الأول حضور فنان بقيمة كاظم الساهر يغني في نفس الليلة وهو صاحب جماهيرية كبيرة في الأردن، والثاني أنّ أغنيات الحلاني الأخيرة لم تكن على مستوى أغانيه السابقة التي أمنت له نجاحاً كبيراً في السنوات الماضية.
كما خسرت الفنانة السورية فايا يونان، التي حققت نجاحات جماهيرية كبيرة في الأردن سابقاً، بعدما قبلت الغناء في حفلة على المسرح الشمالي الذي يعد أقل جماهيرية، في نفس الليلة التي غنت فيها الفنانة الفلسطينة دلال أبو آمنة على المسرح الجنوبي الأهم في المهرجان. كما أنّ يونان غنت في نفس الحفلة مع الفنان عيسى السقار الذي يعد "سفير الأغنية الشعبية" في الأردن، فسبقها في اعتلاء المسرح وغادر جمهوره معه بعد انتهاء وصلته.