هكذا تهدد السياسة الدوليّة استقرار الإنترنت

11 اغسطس 2021
النزاع للسيطرة على الإنترنت قد يؤدي إلى تجزئتها (Getty)
+ الخط -

تواجه الإنترنت مخاطر متعددة بعضها متناقض. فمن ناحية هناك خطر التوحيد الكامل، وعلى الجانب الآخر هناك مخاطر التجزئة، بحسب ما يقوله الباحث في جامعة كاليفورنيا، نيك ميريل، عبر موقع "ذا كونفيرسيشن". ويرى ميريل أن السيطرة على الإنترنت تركزت بشكل متزايد، وبشكل أساسي، في أيدي عدد قليل من المنظمات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، بينما تهدد محاولات روسيا والصين بزعزعة استقرار الإنترنت على مستوى العالم.

منذ عام 2015 على الأقل، أصبحت الخدمات الأساسية التي تشغل الإنترنت مركزيّةً بشكل متزايد في أيدي الشركات الأميركية. يمكن للشركات الأميركية والمنظمات غير الربحية والوكالات الحكومية حظر 96 بالمائة من المحتوى على الإنترنت العالمية. ولطالما استخدمت وزارة العدل الأميركية أوامر المحكمة التي تستهدف مزودي التكنولوجيا لحظر الوصول العالمي إلى المحتوى غير القانوني في الولايات المتحدة، مثل انتهاكات حقوق الطبع والنشر. لكن في الآونة الأخيرة، استفادت الحكومة الفيدرالية الأميركية من اختصاصها بشكل أكثر قوة. ففي يونيو/حزيران الماضي، استخدمت وزارة العدل أمر محكمة لمصادرة مواقع إخبارية إيرانية أو "تابعة لإيران"، بحسب ما قالته، مضيفةً أنها تعتمد التضليل.

يمكن للشركات الأميركية والمنظمات غير الربحية والوكالات الحكومية حظر 96 بالمائة من المحتوى على الإنترنت العالمية

وبسبب التبعيات المتشابكة على الويب، مثل شبكات توصيل المحتوى، يمكن أن تؤدي خطوة خاطئة واحدة في تطبيق هذه التقنية إلى تدمير جزء أساسي من البنية التحتية للإنترنت، مما يزيد من احتمالية حدوث انقطاع على نطاق واسع. فقد أدى انقطاع الخدمة في شبكة توصيل المحتوى Fastly في 8 يونيو/حزيران 2021 إلى قطع الوصول لفترة وجيزة إلى مواقع الويب مثل "أمازون" و"سي أن أن" و"باي بال" و"سبوتيفاي" و"نيويورك تايمز" وحكومة المملكة المتحدة.

وفي الوقت نفسه، تخاطر شركات التكنولوجيا التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها بإحداث فوضى، وهو ما يندرج في إطاره الخلاف الأخير بين أستراليا و"فيسبوك" بشأن الدفع للمؤسسات الإعلامية مقابل محتواها. في مرحلة ما، حظر "فيسبوك" جميع الأخبار على منصته في أستراليا. كانت إحدى النتائج أن العديد من الأشخاص في فيجي وناورو وبابوا غينيا الجديدة وساموا وتونغا وفانواتو فقدوا مؤقتاً مصدراً إخبارياً رئيسياً لأنهم يعتمدون على الهواتف المحمولة للوصول إلى الخصومات الخاصة باستخدام "فيسبوك".

مع زيادة وتيرة المناوشات، من المحتمل أن تعاني البلدان في جميع أنحاء العالم من اضطرابات في الوصول إلى الإنترنت

مع زيادة وتيرة مثل هذه المناوشات، من المحتمل أن تعاني البلدان في جميع أنحاء العالم من اضطرابات في الوصول إلى الإنترنت. وبطبيعة الحال، ليس الجميع سعداء بهذه الإنترنت التي تقودها الولايات المتحدة. روسيا تخنق حركة "تويتر" والصين تمنع الوصول إلى "غوغل"، فيما تغلق الهند الإنترنت بشكل منتظم على المستوى الإقليمي أثناء الاضطرابات المدنية، وكذلك تفعل إيران وغيرها من الدول. 

تهدد الإنترنت المجزأة التعبير والتجارة والتعاون العالمي في العلوم، كما تزيد من مخاطر الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الأساسية للإنترنت، وهو أصلاً ما يتكرّر منذ بداية العام الحالي، في تهديداتٍ باتت تعامل برتبة "إرهاب" في الولايات المتحدة الأميركية. إذ قد يؤدي هجوم معقد ضد شركة أميركية إلى انقطاع الإنترنت على نطاق واسع، وهو فعلاً ما حصل قبل شهر، حين تم الهجوم على شركة "كاسيا" ما أدى إلى تضرّر أكثر من 1500 شركة حول العالم.

تهدد الإنترنت المجزأة التعبير والتجارة والتعاون العالمي في العلوم، كما تزيد من مخاطر الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الأساسية للإنترنت


ففي شبكة الإنترنت العالمية، تضر الهجمات على البنية التحتية بالجميع، لكن شبكات الإنترنت الوطنية المحصورة تغيّر تلك الحسابات. على سبيل المثال، تمتلك روسيا القدرة على فصل نفسها عن بقية الإنترنت في العالم مع الحفاظ على الخدمة محلياً، بشبكة يُطلق عليها اسم "الرونت السيادي". بهذه الطريقة، يمكنها مهاجمة البنية التحتية العالمية الأساسية للإنترنت مع مخاطر أقل.

خلال معظم تاريخه، كان يمكن الوصول إلى المحتوى على الإنترنت في أي مكان عبر الحدود، فيما يعتقد البعض أنّ هذا يعود إلى هيمنة الولايات المتحدة على الإنترنت. لكن سواء أكانت هذه النظرية صحيحة أم لا، فمن غير المرجح أن تستمر هيمنة أميركا على الإنترنت. إذ يواجه الوضع الراهن تحديات من خصوم الولايات المتحدة وحلفائها وشركات التكنولوجيا المحلية الخاصة بها. في غياب العمل، سيُترك العالم مع مزيج من القوة الأميركية غير المضبوطة والمناوشات اللامركزية. وفي هذا السياق، يرى ميريل أنّ بناء إنترنت مستقرة وعابرة للحدود الوطنية للأجيال القادمة، في هذه البيئة، يمثّل تحدياً كبيراً.

المساهمون