هدم "دار المعارف" ومبانٍ تراثية على نيل القاهرة

02 يناير 2022
من أشهر إصدارات مؤسسة "دار المعارف": "مجلة أكتوبر" و"سلسلة اقرأ" (فيسبوك)
+ الخط -

كشف مصدر مطلع في "الهيئة الوطنية للصحافة" في مصر، المسؤولة عن الأداء الاقتصادي والإداري للمؤسسات الصحافية المملوكة للدولة، أن مجلس الوزراء أبلغ الهيئة رسمياً بقرار هدم سبعة مبانٍ تراثية تقع على كورنيش النيل وسط العاصمة القاهرة، منها مبنى مؤسسة "دار المعارف" للطباعة والنشر، ضمن أعمال المرحلة الأخيرة من مخطط تطوير "مثلث ماسبيرو".
وقال المصدر في حديث خاص مع "العربي الجديد" إنّ المباني المقررة إزالتها هي الواقعة بين الهيئة الوطنية للإعلام (مبنى ماسبيرو) وفندق "رمسيس هيلتون"، ومن المقرر هدمها بالكامل خلال النصف الأول من عام 2022، للبدء بتنفيذ مشروع الأبراج المطلة مباشرة على النيل، والمعروف باسم "أبراج النيل ماسبيرو" في مخطط التطوير. وتابع بأنّ هذا المشروع يضم ثلاثة أبراج سكنية تجارية ترفيهية على ارتفاع 30 طابقاً لكل منها، بحيث تطل هذه الأبراج مباشرة على النيل بعد إزالة المباني السبعة الموجودة حالياً على كورنيش القاهرة، فضلاً عن إنشاء محطة كهرباء لخدمة منطقة "مثلث ماسبيرو" بالكامل بعد الانتهاء من تنفيذ مخطط تطويرها.
ومن أشهر إصدارات مؤسسة "دار المعارف" المطلة على نيل القاهرة: "مجلة أكتوبر" و"سلسلة اقرأ" و"مجلة سندباد" و"مكتبة الدراسات الأدبية"، وأنشأها اللبناني نجيب متري في عام 1890، لتلعب دوراً مهماً في نشر الثقافة والتنوير في العالم العربي من خلال طبع آلاف المؤلفات لكبار الكتاب، مثل عميد الأدب العربي طه حسين، والرئيس السابق لمجمع اللغة العربية شوقي ضيف، والمفكرة والكاتبة عائشة عبد الرحمن.
وأضاف المصدر أنّ هدم مبنى مؤسسة "دار المعارف" سيعقبه دمج الدار مع مؤسسة "أخبار اليوم" الصحافية، ونقل جميع العاملين فيها من صحافيين وإداريين وعمال إلى الأخيرة بذات درجاتهم الوظيفية والمالية، في إطار خطة الحكومة بشأن ترشيد الإنفاق، واستغلال أصول تلك المؤسسات التاريخية في تقليص مديونياتها لدى الدولة، ممثلة بمصلحة الضرائب وهيئة التأمينات الاجتماعية. وعزا المصدر إزالة المباني التراثية السبعة إلى حجبها مشروع تطوير "مثلث ماسبيرو" عن كورنيش النيل، المستهدف ربطه مع مشروع "ممشى أهل مصر"، الذي يجري العمل فيه بوتيرة متسارعة على النيل مباشرة، بغرض إقامة 19 مبنىً تضم 5 مطاعم، و5 كافتيريات (مقاهٍ)، و56 محلاً تجارياً، ومسرحاً مكشوفاً للحفلات الغنائية، بالإضافة إلى 3 ساحات انتظار بسعة إجمالية 180 سيارة.

المباني المقررة إزالتها هي الواقعة بين الهيئة الوطنية للإعلام (مبنى ماسبيرو) وفندق "رمسيس هيلتون"

ويرى خبراء معماريون أن ارتفاع الأبراج الجديدة في "مثلث ماسبيرو" إلى أكثر من 20 و30 طابقاً، يعد بمثابة "قنبلة يجري زرعها في قلب القاهرة"، لأن شوارع الجلاء و26 يوليو وكورنيش النيل تشهد اختناقاً مرورياً طوال الوقت، وبالتالي ستتحول إلى "كراج كبير" بعد الانتهاء من مخطط تطوير المنطقة، خصوصاً أن البرج الواحد يضم 18 دوراً سكنياً على الأقل بإجمالي 468 وحدة.
ونفذت محافظة القاهرة عمليات إخلاء قسري لأكثر من 4537 أسرة بسيطة كانت تقطن في "مثلث ماسبيرو"، بدعوى أنها منطقة عشوائية، مع صرف تعويضات هزيلة لنحو 2880 أسرة، ونقل 437 أسرة أخرى إلى حيّ "الأسمرات"، مع إبداء 936 أسرة رغبتها في العودة إلى المنطقة بعد تطويرها في برجين مخصصين للسكن البديل، وغموض الموقف بالنسبة إلى 284 أسرة. واشترطت المحافظة امتلاك الأهالي "كشف عوائد" لإثبات الملكية في منطقة "مثلث ماسبيرو"، وحصولهم على التعويضات التي قررتها بواقع مائة ألف جنيه عن كل غرفة، أو تملك وحدة سكنية في حيّ "الأسمرات"، أو أربعين ألف جنيه (الدولار=15.70 جنيهاً) لاستئجار مسكن بديل، إلى حين استكمال أعمال تطوير المنطقة.
وحظر الدستور المصري "التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله"، واعتبر أن "مخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم". فيما اختارت الحكومة تسع شركات خليجية ومصرية لإقامة مشاريع سياحية واستثمارية ضمن مخطط التطوير، بعدما قدرت إجمالي التعويضات للأهالي بمبلغ 443 مليون جنيه فقط، رغم تثمين أراضي المنطقة بواسطة خبراء بنحو 120 مليار جنيه.

علوم وآثار
التحديثات الحية

وحسب الأرقام الحكومية، بلغت تكلفة مشروع تطوير "مثلث ماسبيرو" حوالى مليار و650 مليون جنيه، وهي المنطقة الممتدة على الشريط الطولي الموازي لكورنيش النيل، بين وزارة الخارجية ومبنى التلفزيون المصري، بإجمالي مساحة تتجاوز 51 فداناً. وكان عضو مجلس النواب تامر عبد القادر، قد تقدم بطلب إحاطة إلى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أعرب فيه عن رفضه التام لمحاولة هدم مبنى مؤسسة "دار المعارف"، ضمن المرحلة الثالثة لمخطط تطوير "مثلث ماسبيرو"، بوصفها إحدى منارات الثقافة في الوطن العربي.
وقال عبد القادر، في الطلب، الذي تجاهلت الحكومة الرد عليه، إن ما يحدث محاولة وأد تاريخ إحدى أقدم مؤسسات النشر العربية، بما تتضمنه من مركز للبحوث والإدارة، ومتحف يحوي تاريخاً وإرثاً ثقافياً يشهد له الجميع، مستطرداً بأنّ "دار المعارف" فيها مطابع لا تقلّ قيمتها السوقية عن 450 مليون جنيه، وفي حال نقلها إلى مكان آخر، ستُباع بنظام "الخردة".

المساهمون