بات الروبوت الجوال "برسيفيرانس" التابع لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) بعد هبوطه الخميس بنجاح على سطح المريخ، خامس مركبة من هذا النوع تحقق إنجاز الرحلة إلى الكوكب الأحمر.
العلماء العرب
شارك في هذه المهمة عالمان عربيان في "ناسا"، هما المصري عصام حجي، ومهمته تحليل بيانات جهاز الرادار الموجود على المركبة. أما العالم الثاني، فهو التونسي محمد عبيد، نائب كبير المهندسين الميكانيكيين في مشروع "المريخ 2020" التابع للناسا، وقد أسهم في تطوير مركبة "برسيفيرانس".
دور الإنسان
دور الإنسان لم يحِن بعد في الوصول إلى الكوكب الأحمر. ومن غير المتوقع أن يكون الموعد قريباً، مع أن الرحلات البشرية إلى هذه الوجهة الفضائية هدف قديم وُضِع منذ عقود.
وقال مدير ناسا بالإنابة، ستيف جورشيك، الخميس: "بحلول منتصف العقد الثالث من القرن الحالي، قد نبدأ باستخدام الوسائل التي نستخدمها للوصول إلى القمر لإرسال رواد فضاء إلى المريخ".
وإذا كانت الصعوبات التكنولوجية الكبيرة قد عولجت تقريباً، فإن عوامل كثيرة لا تزال غائبة عن المعادلة.
فالرحلة إلى المريخ تستغرق نحو سبعة أشهر، وعلى رواد الفضاء أن يمضوا هناك 30 يوماً في البداية، بحسب ناسا. ويبلغ متوسط درجة الحرارة 63 درجة مئوية تحت الصفر، فضلاً عن أن الإشعاعات كثيرة، والجو يحتوي على 95 في المئة من ثاني أوكسيد الكربون.
أما الجاذبية، فلا تتعدى 38 في المئة من جاذبية الأرض. لكنّ جي سكوت هابارد الذي كان يعمل في ناسا، وقاد أول برنامج يتعلق بالمريخ، قال: "تعلمنا الكثير عن الجاذبية الصغرى بفضل محطة الفضاء الدولية". إلّا أن تقنيات ومعدات كثيرة لا تزال بحاجة إلى الاختبار.
وحمل "برسيفيرانس" إلى المريخ أدوات عدة بهدف التحضير للبعثات البشرية في المستقبل، من أبرزها جهاز بحجم بطارية سيارة سمي "موكسي" سيحاول إنتاج الأوكسجين مباشرة في الموقع، من طريق امتصاص ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي للمريخ، على غرار ما تفعل النباتات. وهذا الأوكسجين سيمكّن مستوطنين بشريين مستقبلاً من التنفس، وسيُستخدَم كذلك كوقود.
ويُعتبَر برنامج أرتيميس الذي تركّز ناسا جهودها عليه اليوم بهدف إعادة إرسال رواد فضاء إلى القمر، حقل تجارب لإرسال بعثات بشرية إلى المريخ.
وسيجري على القمر اختبار بزة فضائية جديدة تتيح قدرة حركية أفضل وتقي من درجات الحرارة المتدنية جداً. كذلك تشمل الاختبارات محطة طاقة نووية صغيرة لإنتاج الكهرباء، بما في ذلك خلال العواصف الترابية التي يمكن أن تحجب الشمس لأشهر على المريخ، ما يدفع إلى صرف النظر عن استخدام الألواح الشمسية.
وتكمن الفائدة من اختبار كل شيء أولاً على سطح القمر في إمكان إرسال المساعدة إليه. وقال جوناثان ماكدويل من مركز هارفارد سميثسونيان للفيزياء الفلكية لوكالة "فرانس برس": "إذا ساءت الأمور (على المريخ)، فهو بعيد مسافة سنوات" عن الأرض.
رأت المحللة في قطاع الفضاء لورا فورشيك، أن إرسال بشر إلى كوكب المريخ "قابل للتحقيق"، لكنّها شددت على أن "إرسال روبوتات في الوقت الراهن أكثر أماناً" إذ إن معايير السلامة المطلوبة تكون أقل.
ولم تثمر وعود مماثلة أطلقها ثلاثة رؤساء خلفوه (جورج بوش الابن وباراك أوباما ودونالد ترامب) أي برنامج ملموس. هل يتحقق الهدف في ثلاثينيات القرن الجاري؟ أجاب جي سكوت هابارد: "هذا ممكن (...) ولكن من دون الإرادة السياسية للإدارة والكونغرس، لن يحدث ذلك".
ولم يعين الرئيس جو بايدن بعد مديراً أصيلاً لناسا، ولم يعلن رؤيته الفضائية في الوقت الراهن. واكتفى الناطق باسمه بتأكيد "دعم" برنامج أرتميس.
وتوقعت لورا فورشيك "تأخيراً" عن الموعد المحدد في 2024 لتحقيق هدف عودة رواد الفضاء إلى القمر، ما سيؤدي بفعل "تأثير الدومينو" إلى تأخير مماثل لبرنامج المريخ، معتبرة أن ثمة صدقية أكبر في التطلع إلى تحقيق هدف إرسال بشر إلى الكوكب الأحمر خلال أربعينيات القرن الجاري.
وراهنت وكالة الفضاء الأميركية على صاروخها "إس إل إس" (نظام الإطلاق الفضائي) لتنفيذ الرحلة، وهو سيخضع للاختبار في نهاية سنة 2021 على أقرب تقدير، ولن يكون مأهولاً. وقد عانى المشروع من ارتفاع كلفته وتأخيرات إضافية، بينها فشل اختبار المحركات في كانون الأول/ يناير.
أما "سبايس إكس"، فتسعى إلى تطوير الصاروخ "ستارشيب" الذي تحطم نموذجان منه أخيراً خلال اختبارهما، محدثَين كرتي لهب كبيرتين.
وعلى عكس الوكالات الممولة من دافعي الضرائب، يستثمر إيلون ماسك أمواله الخاصة، وبالتالي يمكنه أن يجازف بقدر ما يشاء.
وقال جي سكوت هابارد الذي يرأس لجنة خبراء في مجال الأمن في الشركة ، إن "سبايس إكس" قد تتمكن بفضل "نهجها السريع"، من امتلاك "مركبة فضائية جاهزة قبل وكالة ناسا". لكنه أوضح أن جعل بشر يشاركون في الرحلة "يحتاج إلى معدات متطورة" تبقيهم على قيد الحياة، وهو ما استثمرت فيه ناسا لعقود.
من هنا، قد تنتقل ناسا و"سبايس إكس" من المنافسة إلى الشراكة لتحقيق هذا الإنجاز بعد طول انتظار.
(العربي الجديد، فرانس برس)