هاني السعدي... عودة إلى الدراما السورية بعد 13 عاماً من الغياب

03 ابريل 2022
يعود السعدي عبر "فرسان الظلام" الذي ينتمي إلى نمط الفانتازيا التاريخيّة (تويتر)
+ الخط -

عام 2009 قدم الكاتب الفلسطيني السوري هاني السعدي آخر عملين له، الأول عنوانه "سفر الحجارة" من إخراج يوسف رزق، وتناول فيه القضية الفلسطينية، والثاني عنوانه "آخر أيام الحب" الذي أخرجه الممثل والمخرج السوري وائل رمضان، ويتحدث عن قصة حب خلال زمن الجمهورية العربية المتحدة (الوحدة بين سورية ومصر) في الفترة ما بين 1958 – 1961.

هذان العملان ليسا نموذجين حصريين لنورد ما نحن بصدد إيراده حول الكاتب السعدي ورؤيته وأسلوبه وإنجازاته. فكاتبنا لا شك في أنه أثرى الدراما السورية بعشرات الأعمال الناجحة التي لاقت شهرة واسعة محلياً وعربياً. دراما كان لها أثر كبير في تغذية الوعي الجمعي للمجتمع السوري في التسعينيات وبداية الألفية الثالثة.

هناك غياب دام لنحو ثلاثة عشر عاماً، أي قبل اندلاع الثورة في سورية (2011) بعامين، وبعدها بأحد عشر عاماً. إذ أعلن السعدي، قبل أقل من شهر، عودته بنص جديد عنوانه "فرسان الظلام". وبحسب ما تداولته مواقع إعلامية محلية نقلًا عنه، فإن النص من نمط الفانتازيا التاريخية، ويتكون من ثلاثين حلقة تصور حاليًا. تلفت انتباهنا تلك المدة التي غابها السعدي، ولا يستثير فضولنا عنوان النص الجديد، وهاتان النقطتان هما مربط الفرس في حديثنا عن السعدي.

ابتعاد السعدي عن واقع الدراما السورية لا يعني ابتعاده عن الواقع السوري نفسه. عقد ونيف من الزمن جرت فيه وقائع وأحداث وتبدلات في الشكل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري للبلاد، كان كفيلاً بتحريك قلم أقل الكتّاب مهارة، فكيف بكاتب طبعت أعماله اسمه لسنوات فوق سطح الشاشة الصغيرة، وطبعت مسلسلاته ذاكرة جيل كامل من عموم الشعب السوري بمختلف أطيافه وشرائحه، في وقت لم تشهد الذاكرة السياسية للبلاد أحداثاً كالتي تمر فيها سورية اليوم. ثلاثة عشر عاماً آثر فيها السعدي الغياب والاختفاء عن الساحة الفنية. وغاب قلمه الذي كان يلفظ، أقله، عملاً درامياً كل عام. هذه حقيقة مكشوفة وباتت تقليدية، لن نخوض فيها ونحن نعلم مغبة الرأي والقلم أمام رقابة الدولة، ونظامها الأمني، وتحديدًاً على صناع الكلمة والصورة في سورية.

العودة صدحت أخبارها على منصات التواصل والصحف والمحطات التلفزيونية المحلية. يرافق الصدح ذاكرة يعلمها المتابع السوري خاصة والعربي عامة. ذاكرة مرتبطة بالقيم والمشاعر الإنسانية والوطنية والقومية التي كانت تبثها نصوص السعدي في صدور وعقول المشاهدين. نصوص حاولت قراءة الواقع العربي من منظور عاطفي، لتنشئ على إثرها في المخيال السوري هوية الدولة السورية المناضلة في محاربة ودحر الأعداء ولمّ شمل الأفرقاء العرب. هذه قراءة لن نعجز عن لمسها وتحسسها في نصوص السعدي التي اعتادت الوقوف عند معاناة الشعوب العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، موجهاً خطاباته العاطفية، من خلالها، كما لو أنها أحلام درامية – قومية، ستتوج بنصر عربي.

بالطبع، هذه وصفة مثالية وتنم عن حس وطني وقومي يعتمل في صدر الكاتب لولا أنه لم يتخذ من شخصياته الدرامية مرآة تعكس انتماءً جوهرياً وموضوعياً لعائلة الأسد منذ عهد الأب حتى الابن. وهذا أمر لا نغفل عنه في شكل العلاقة بين الفنان والنظام السوري المبني على الطاعة والتبجيل والمديح، وارتداد هذه العلاقة على المواطن السوري المغلوب في هواجسه وأفكاره لجهة آل الأسد وأفراد عائلته وحاشيته، من خلال تعبئته ببطولات وشعارات مجوفة استثمرتها نصوص السعدي بشكل كبير في تلك الفترة تحديداً.

نجد ذلك بداية في مسلسل الفانتازيا التاريخية "البركان" الذي أخرجه محمد عزيزية عام 1989. ويجسد الصراع التاريخي بين العرب والرومان. شخصية البطل التي حمل لواءها الممثل رشيد عساف بدور "ورد" هي حلقة الوصل في ما أشرنا إليه آنفاً. البطل المقدام المنتخب من قبل القبائل العربية ليقود جيش العرب لمهاجمة الروم. ستبرز خطوط السيناريو في الجزء الثاني للعمل الذي صدر بعد عشرة أعوام تحت عنوان "الفوارس – فرسان النار"، وهو أيضاً من إخراج عزيزية. سيعدّل السعدي شخصياته في هذا الجزء، لتتناسب مع الحكاية، من دون أن تشذ عن دورها الأساسي في الجزء السابق.

ولا يسعنا ذكر جميع التعديلات، لكن تكفينا شخصية عساف التي تحولت من "ورد" إلى "صقر". ولهذا الاسم دلالات اعتمدتها الحكومة السورية على اعتبار أنه "رمز العزة وحارس السماء في الحضارة الفرعونية"، فصار نقشاً رسمياً متعارفاً عليه في العملات المعدنية المحلية. وظف السعدي هذه الدلالة لتخدم فكرة النص وتبنى عليها مآلات الحكاية حول ثلاثة أطراف: "الروم" (أميركا)، وعشيرة "ابن آوى" (الاحتلال الاسرائيلي) ثم العرب بقيادة "صقر" (حافظ الأسد).

لا بد من الإشارة إلى أن أعمال السعدي تنوعت بين الدراما الرومنسية والاجتماعية، مثل "أبناء القهر" و"عصر الجنون"، ولكن أكثرها حضوراً تلك المتعلقة بالفانتازيا التاريخية التي تخصص في إخراجها إلى جانب محمد عزيزية، والمخرج وعضو مجلس الشعب السوري نجدة إسماعيل أنزور الذي ارتبط اسمه مع السعدي في هذا النوع من الأعمال، مثلما ارتبط اسم الأخير مع التاريخ العربي وصراعاته في الدفاع عن العرب والقضية الفلسطينية في معظم أعماله التي آثرت استحضار التاريخ السياسي في المنطقة العربية بقالب درامي عاطفي.

من هذه الأعمال: "الجوارح" و"الكواسر" والبواسل" وأيضاً "الموت القادم إلى الشرق" الذي صدر عام 1997، ويحكي عن مجموعة من قطاع الطرق التي تستولي على إحدى المدن العربية المسالمة وتتغلغل في مجتمعها وسياستها حتى تستولي على الحكم بذكائها وحنكتها، في إشارة واضحة إلى العدو الإسرائيلي وطريقة تغلغله في فلسطين واحتلاله لها.

المساهمون