نيويورك في قلب الانقسام حول العدوان على غزة

03 فبراير 2024
مناصرون لفلسطين في نيويورك (فاتح أكتاش/ الأناضول)
+ الخط -

خلال الأشهر الماضية، فصل مستشفى مرموق في نيويورك الأميركية طبيبين على خلفية منشورات لهما على منصات التواصل الاجتماعي، عن العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة. الطبيب الأول، وهو باحث بارز في مجال السرطان في الستينيات من عمره، دافع صراحة عن الاحتلال الإسرائيلي، ونشر مجموعة رسوم كاريكاتيرية معادية لحركة حماس، وبعضها مهين وعنصري إزاء العرب عامة. أما الثاني، وهو طبيب متدرب شاب في بداية حياته المهنية، فقد اتُهم بنشر رسالة على منصة إنستغرام، دافع فيها عن عملية طوفان الأقصى التي نفذها مقاومو القسّام، الجناح المسلح لحركة حماس، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

فصل الطبيبين جرّ مستشفيات NYU Langone Health، التابعة لجامعة نيويورك، إلى الجدل الحادّ الدائر في الولايات المتحدة الأميركية حول طرد الأشخاص من وظائفهم لتعبيرهم عن آرائهم، وتحديداً أولئك المتضامنين مع القضية الفلسطينية، منذ شن الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة على الفلسطينيين في غزة.

بعد مضي 3 أشهر على فصل الطبيبين، تباينت مصائرهما.

وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، فإن الطبيب الستيني بنيامين نيل أقحم نفسه في دعوى قضائية ضد جامعة نيويورك وNYU Langone Health. ويتبادل الأطراف الثلاثة اتهامات بالنفاق والانتقام وسوء السلوك الأكاديمي.

لا يزال نيل أستاذاً ثابتاً في كلية الطب في جامعة نيويورك، حيث يتقاضى راتباً سنوياً قدره 585 ألف دولار. ولكن بعد منشوراته عبر الإنترنت حول العدوان، فُصل من منصبه مديراً لمركز السرطان في جامعة نيويورك، حيث كان يتقاضى راتباً إضافياً قدره 1,037,700 دولار، وفقاً لخطاب إنهاء الخدمة المؤرخ في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

أما الطبيب الشاب زكي مسعود فأعيد إلى وظيفته في المستشفى في لونغ آيلاند، هذا وفقاً لمزاعم بنيامين نيل. لم يصرح مسعود نفسه أو المستشفى عن عودته إلى وظيفته أو عدمها، وفقاً لتقرير صحيفة نيويورك تايمز المنشور الخميس.

لكن كلية الطب في جامعة نيويورك أشارت في ملفها القانوني، الأسبوع الماضي، إلى أن نيل "أساء الحكم بشدة حين نشر منشورات مسيئة عنصرياً وإثنياً بشكل خبيث على وسائل التواصل الاجتماعي من دون النظر إلى تأثيرها المحتمل على الآخرين".

الدعوى القضائية التي رفعها نيل تثير سؤالاً قانونياً "مثيراً للاهتمام"، وفق وصف "نيويورك تايمز"؛ على الرغم من انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في كل مكان، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان قانون نيويورك يحمي العمال من الطرد بسبب منشوراتهم خارج ساعات العمل. فرضت بعض الولايات قيوداً صريحة على أصحاب العمل في ما يتعلق بطرد العمال بسبب آرائهم أو خطابهم. في نيويورك، يحظر قانون الولاية على أصحاب العمل فصل الموظفين بسبب "الأنشطة الترفيهية القانونية"، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، الرياضة والهوايات ومشاهدة الأفلام. لكن، هل تنطبق هذه الحماية على المنشورات عبر الإنترنت التي تحتوي على "خطاب مثير للجدل"؟ يقول الخبراء القانونيون إنه سؤال مفتوح على أكثر من جواب.

في ملف قانوني للرد على دعوى نيل، قال محاميا جامعة نيويورك إن "فعل النشر أو إعادة النشر أو التعليق على منشورات وسائل التواصل الاجتماعي لا يتناسب مع تعريف النشاط الترفيهي". وأكدا أن نيل لم يُطرد من عمله "بسبب النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، بل بسبب محتوى منشوراته".

في المقابل، يدّعي نيل، في دعواه القضائية، أن منشوراته عبر الإنترنت تُعتبر "نشاطاً ترفيهياً" وأن دعمه للاحتلال الإسرائيلي "هو أحد مكونات هويته اليهودية"، مما يجعل قرار طرده نابعاً من "التمييز الديني".

من جهة ثانية، وقّع 98 ألف شخص على عريضة تطالب بإعادة مسعود إلى منصبه، واعتبروا إقالته "مثيرة للقلق، ويبدو أنها متجذرة في الممارسات التمييزية". وشددوا على أنه "من الضروري الاعتراف بأن التعبير عن التضامن مع فلسطين لا يعني أي شكل من أشكال الكراهية تجاه المجتمع اليهودي ولا يساوي معاداة السامية". هذه العريضة، كما يزعم نيل في أوراقه القانونية، هي السبب وراء "إعادة مسعود خلسة" إلى وظيفته.

وفي ملف قانوني جديد قدمه نيل الخميس، اتهم المركز الطبي وكلية الطب في جامعة نيويورك بشن "حملة انتقامية غير قانونية ضده". وقال إن جامعة نيويورك "قوضت مختبره عن طريق حجب تمويل قدره 500 ألف دولار". يزعم نيل أيضاً أن جامعة نيويورك، و"كجزء من انتقامها منه"، فتحت تحقيقاً في ما إذا كان قد ارتكب سوء سلوك أكاديمياً. يتعلق التحقيق بمزاعم وجود بيانات مزيفة أو ملفقة في ورقة بحثية صدرت عام 2019 حول سرطان المبيض التي شارك نيل في تأليفها. وشملت الدراسة الأورام في الفئران. ظهرت المخاوف بشأن البيانات لأول مرة في أوائل عام 2023. ادعى نيل، في الأوراق القانونية، أن أحد زملائه قام بالبحث وبإعداد البيانات وأن دوره كان إشرافياً. ويقول إن جامعة نيويورك صعدت الأمر إلى تحقيق رسمي في سوء السلوك فقط بعد منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي.

في مقابل قضية نيل، يُذكر أن العشرات فقدوا وظائفهم في الولايات المتحدة إلى الآن لتعبيرهم عن تضامنهم مع فلسطين. تراجعت مثلاً شركة المحاماة ونستون أند ستراون عن عرض توظيف قدمته للرئيسة السابقة لنقابة المحامين الطلابية في كلية الحقوق في جامعة نيويورك رينا ووركمان، بعدما عبرت عن "تضامنها الراسخ والمطلق مع الفلسطينيين في مقاومتهم القمع"، وحملت الاحتلال الإسرائيلي "المسؤولية كاملة عن الخسائر الفادحة في الأرواح".

طلاب في كليتي الحقوق في جامعتي هارفارد وكولومبيا سُحبت عروض توظيفهم أيضاً بسبب تضامنهم مع الفلسطينيين. الملياردير بيل أكمان، والرئيس التنفيذي لسلسلة مطاعم "سويتغرين" جوناثان نيمان، طالبا بنشر أسماء هؤلاء الطلاب ووضعهم على القائمة السوداء لمنع حصولهم على وظائف.

رئيسة تحرير مجلة هاربرز بازار أميركا سميرة نصر كتبت على "إنستغرام" أن قطع إسرائيل المياه والكهرباء عن غزة هو "أكثر فعل لا إنساني شهدته في حياتها"، فواجهت حملة شرسة لدرجة دفعتها إلى الاعتذار. ووفقاً لـ"ذا نيويورك بوست"، إن سميرة نصر تكافح حالياً كي لا تخسر وظيفتها.

وكيلة المواهب لدى وكالة "سي إيه إيه" البارزة في هوليوود، مهى دخيل جاكسون، اضطرت إلى الاستقالة من مجلس الإدارة، بعد مشاركتها منشورات حول "الإبادة الجماعية" للشعب الفلسطيني.

رئيس التحرير في "آرتفوروم" ديفيد فيلاسكو طُرد من عمله، بعد نشر المجلة رسالة موقعة من آلاف الفنانين والقيمين تدعم تحرير فلسطين. قال فيلاسكو، في رسالة بالبريد الإلكتروني، إنّه "ليس نادماً"، لكنّه عبّر عن "خيبة أمله"، لأنّ "المجلة التي دافعت دائماً عن حرية التعبير وأصوات الفنانين خضعت للضغوط الخارجية". الرسالة دعمت التحرّر الفلسطيني، وانتقدت صمت المؤسسات الثقافية تجاه القصف الإسرائيلي لغزة.

واستقال الأيرلندي بادي كوسغريف، مؤسّس قمة الويب، وهو مؤتمر بارز للتكنولوجيا، بعدما أدان كبار الصناعة منشوره له على "إكس" (تويتر سابقاً) تحدث فيه عن "جرائم الحرب" التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي. كوسغريف قدم استقالته بعد انسحاب شركات التكنولوجيا الكبرى مثل "ميتا" و"غوغل" و"إنتل" من الحدث بسبب تعليقاته بشأن إسرائيل.

المساهمون