كشفت مجلة فانيتي فير، في تقرير صدر الأربعاء، عن ضغوط مورست من قبل إدارة صحيفة نيويورك تايمز الأميركية على الصحافية جازمين هيوز في وقتٍ سابقٍ من الشهر الحالي لدفعها للاستقالة، بعد أن وقّعت على رسالة تدعو إلى وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة.
وكانت جازمين هيوز، التي انضمت إلى الصحيفة عام 2015 وفازت بعدد من الجوائز الوطنية الخاصة بالصحافيين، أحد أبرز الموقعين على بيان نشرته مجموعة "كُتّاب ضد الحرب على غزة" أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، واتهم الاحتلال الإسرائيلي باستهداف الصحافيين وقتل آلاف الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر.
وأشار الموقعون على البيان إلى أن "إسرائيل دولة فصل عنصري، قامت على أساس تمييز المواطنين اليهود على حساب الفلسطينيين، بغضّ النظر عن موقف الكثير من اليهود، سواء في إسرائيل أو في الشتات، الذين يعارضون تجنيدهم في مشروع قومي عرقي". كذلك انتقد البيان بشكل واضح افتتاحية نشرتها صحيفة نيويورك تايمز في الأيام الأولى لبدء العدوان وأيّدت الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل.
ونتيجة لذلك، أعلنت الصحيفة في مذكّرة داخلية لموظفيها، في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، استقالة هيوز من عملها، بسبب "انتهاكها سياسة غرفة الأخبار"، في ظلّ حملة عنيفة تشنها وسائل الإعلام الغربية على أي عامل أو صحافي فيها يظهر موقفاً متعاطفاً مع الفلسطينيين في وجه الحرب الوحشية التي يرتكبها الاحتلال.
لكن بريداً إلكترونياً وصل من نقابة موظفي الصحيفة بعدها بأيام أثار الشكوك حول ظروف تخلي هيوز عن وظيفتها.
وأشارت النقابة في رسالة إلى موظفي الصحيفة إلى أنّها ستتقدّم بتظلمٍ ضد إدارة "نيويورك تايمز"، بعد كلام رئيس التحرير جيك سيلفرشتاين في مذكرة إعلان استقالة هيوز.
وكان سيلفرشتاين قد قال: "على الرغم من أنني أحترم امتلاك هيوز قناعات راسخة، إلا أن توقيعها على البيان كان انتهاكاً واضحاً لسياسة المؤسسة بشأن الاحتجاج العام"، مشيرةً إلى أن الصحافية انتهكت هذه السياسة أيضاً في وقت سابق من العام، عندما وقّعت على خطاب مفتوح احتجاجاً على تغطية "نيويورك تايمز" قضايا المتحولين جنسياً.
وأضاف: "لقد أبلغتها أن رغبتها في الانخراط بالاحتجاجات العامة لا تتوافق مع كونها صحافية في هذه المؤسسة، وتوصلنا معاً إلى ضرورة استقالتها".
ورأت النقابة أنّ كلام سيلفرشتاين يشير ضمنياً إلى أنّ "توقيع عريضة أو عريضتين قد يؤدي إلى إفقادك وظيفتك على الفور، لكن ذلك غير صحيح".
ولم تتخذ النقابة في رسالتها موقفاً ممّا إذا كان ينبغي على هيوز توقيع العريضة أم لا، لكنّها ركزت على أن طريقة التعامل مع استقالتها لم تكن سليمة، كما شددت على حق الأعضاء في اتباع الإجراءات القانونية المناسبة للحصول على معاملة عادلة.
كذلك، ضمّت رسالة النقابة بياناً من هيوز، التي قالت إن "عملية استقالتها من نيويورك تايمز كانت تحت الضغط"، وإنها "حرمت إلى حد كبير من الاستعانة بدعم نقابة الموظفين".
وأشارت "فانيتي فير" إلى أنّ هيوز أبلغت سيلفرشتاين، خلال مناقشة مطلع نوفمبر تبعت توقيعها العريضة، استعدادها لتقديم استقالتها من الصحيفة. بعدها بيوم، عاد رئيس التحرير وأبلغها أنّه مع كبار المسؤولين والمدراء في الصحيفة قرروا أن عليها تقديم استقالتها بحلول اليوم التالي.
عندها تواصلت هيوز مع ممثلي النقابة، أبلغوها بأنّها ليست مضطرة لإرسال بيان استقالة، ودعوها لإخبار سيلفرشتاين بأنها تجري محادثة مع النقابة. وفي الثالث من نوفمبر، أجرت هيوز اجتماعاً افتراضياً مع ممثل من النقابة وسيلفرشتاين، لكن الأخير غادر الاجتماع بشكل مفاجئ، وطلب من الصحافية أن تظلّ المفاوضات محصورة بينهما من دون تدخل نقابي.
ورغم محاولات الصحافية الحصول على مزيد من الوقت للتشاور مع النقابة، إلّا أنّ سيلفرشتاين أبلغها بضرورة استقالتها قبل نهاية اليوم، وإلّا فستتعرض للإقالة، معللاً إصراره بالاستفسارات الداخلية والخارجية التي بدأت صحيفة التايمز في تلقيها حول وضعها.
في النهاية، اضطرت الصحافية إلى تقديم استقالتها من دون الحصول على أيّ تعويض لقاء إنهاء خدماتها.
من جهتها، ردّت المتحدثة باسم "نيويورك تايمز" دانييل رودس ها بالقول لـ"فانيتي فير" إنّ "هيوز اختارت تقديم الاستقالة وقبلها المدراء"، مضيفةً: "لم تتعرض هيوز للضغط لعدم التواصل مع النقابة في أي وقت".
وتخشى نقابة العاملين في الصحيفة من تزايد الضغوطات على الصحافيين لمنعهم من التعبير عن آرائهم، خاصة بعد توجيه الإدارة تعليمات للعاملين في المؤسسة الصحافية، تنصّ على أنّه من غير المقبول أن ينضم الصحافيون بشكل علني إلى مجموعات مناصرة، أو انتقاد عمل زملاء آخرين في المؤسسة.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، اتّخذت "نيويورك تايمز" موقفاً منحازاً لإسرائيل، حالها في ذلك من حال معظم وسائل الإعلام الغربية التي اختارت الترويج لدعاية الاحتلال من دون تدقيق.
وعرّض ذلك الصحيفة إلى حملة انتقادات واسعة، بلغت ذروتها في اعتصام نظمه متظاهرون مناصرون للقضية الفلسطينية في ردهة مقر "نيويورك تايمز" في العاشر من نوفمبر.
وقاد هذه المجموعة عاملون في القطاع الإعلامي يطلقون على أنفسهم اسم Writers Bloc، وبقوا في ردهة المقر أكثر من ساعة قرأوا خلالها أسماء آلاف الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا جراء العدوان الإسرائيلي. كما وزعوا أعداداً من صحيفة جعلوا عنوانها The New York War Crimes (جرائم حرب نيويورك)، اتهموا فيها المؤسسات الإعلامية بـ"التواطؤ في تبييض الإبادة الجماعية". كما دعوا هيئة تحرير الصحيفة إلى دعم وقف إطلاق النار في غزة علناً.