لم يكن إخلاء سبيل صانع المحتوى الفرنسي نورمان تافو نهايةً لتداول اسمه في الإعلام. ثالث أشهر نجم على "يوتيوب" في فرنسا احتجز في بداية الأسبوع الماضي، للتحقيق معه في قضايا استغلال جنسي لقاصرات واغتصاب، ثم أفرج عنه بعد 36 ساعة. إلى الآن، لم توجه أي تهمة إليه، لكن التحقيقات مستمرّة، مع انتشار شهادات لضحايا جدد.
فور انتشار الخبر، علقت منصة ويبيديا، المسؤولة عن إنتاج محتوى أشهر نجوم "يوتيوب" في فرنسا، تعاونها مع تافو. واتخذت منصة يوتيوب قراراً يقضي بإيقاف المدخول الإعلاني من فيديوهات حساب الشاب. هذا القرار تناقله الإعلام الفرنسي قبل أن تؤكده "يوتيوب" رسمياً. عند زيارة حساب تافو الآن، يمكن مشاهدة الفيديوهات المنشورة، من دون أن يتخلّلها أي عروض إعلانية، كما كان الحال سابقاً.
العقوبة التي اتخذتها "يوتيوب" بحق قناة تافو التي يتابعها 12 مليون شخص لا إطار زمنيا لها، فهي سارية "إلى أجل غير مسمّى، ولكن من الممكن إعادة النظر فيها". وفقاً لقناة بي إف إم التلفزيونية، تُقدّر عائدات تافو، من "يوتيوب" وما يرافقها، بنحو 400 ألف يورو سنويّاً، ما يعني أن قرار المنصة يعني وقف الدخل شبه الرئيسي للشاب الذي ستتعرّض نشاطاته خارج الإنترنت للضرر أيضاً.
قرار إيقاف العائدات الإعلانية ينطلق من مبدأ ادانة الشركة لكل أنواع التحرش، وهو ينسحب على مضمون ما يُنشر على الموقع: "إذا أبلغ عن محتوى غير لائق موجود على يوتيوب، فإننا نزيل الفيديوهات و/أو التعليقات. وفقاً لسياستنا، يُمكننا أيضاً إغلاق الحسابات المعنيّة".
في فرنسا، هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها "يوتيوب" إلى هذا النوع من القرارات، إذ أوقفت سابقاً العائدات الإعلانية لحسابي صانعي المحتوى الفرنسيين، "إكسبريمنت بوي" ExperimentBoy عام 2020، و"مارفل فتنس" Marvel Fitness عام 2021. صاحبا الحسابين أيضاً وُجهّت إليهما تهم الاستغلال الجنسي والتحرش.
بعيداً من قضية تافو، فإن موضوع العائدات الإعلانية عبر "يوتيوب" قيد النقاش منذ سنوات. تعتمد الشركة على بعض الخوارزميّات وعلى فريق متخصّص لديها، لتحديد الفيديوهات التي تسمح لأصحابها بجني الأرباح. لكنها متهمة بتحديدها أيضاً لمجموعة من الكلمات التي، وبمجرّد إدراجها في المحتوى، تتوقف العائدات الإعلانية على الفيديوهات أو الحسابات المعنيّة تلقائياً.
للتأكّد من الأمر، قامت مجموعة من صانعي المحتوى البصري بتجربة لمعرفة المحتوى الذي تلتقطه الخوارزميات وتضعه خارج التداول. نشروا على منصة محايدة 15 ألف فيديو، وأرفقوها بمجموعة من الكلمات أو العبارات. تمكّنوا عبر هذه التجربة من تحديد مجموعة كلمات تؤدي إلى وقف التداول بالفيديو، وهي كلمات تتعلّق أحياناً بمواضيع اجتماعية يبدو أن المُعلنين لا يودّون الغوص فيها، مثل "الإجهاض" و"التحرّش" و"حمالة صدر" و"صدر" و"اغتصاب".
هذه الاستعانة من أغلب مواقع التواصل الاجتماعي بالخوارزميات لتقرير مصير المحتوى يعتبرها كثيرون تجربة قاصرة ومُجحفة في كثير من الأحيان. اذ لا يُمكن استبدال العقل البشري بالذكاء الاصطناعي، من أجل تحديد مصير المحتوى على الإنترنت. غالباً ما يحتاج الأمر إلى الغوص في المضمون لفهم المعنى العام، وليس الاكتفاء بلائحة ممنوعات كفيلة بحجب الكثير من المحتوى. هذا الجدل اشتدّ خلال فترة انتشار جائحة كوفيد-19، واتهم كثيرون "يوتيوب" بحجب أي فيديو يتطرّق إلى فيروس كورونا، وذلك من دون التأكّد ممّا إذا كان المضمون علميّاً أم لا. لهذا، ما زال النقاش جارياً حول ضرورة عدم ترك الخوارزميات وحيدة في هذا النوع من المهمات.