نقّاد وسائل التواصل: الذكورية ورعب نسخ الأفلام العربية

28 يناير 2022
تعرضت الفنانة منى زكي لحملة تنمّر كبيرة (سيدريك ريبيريو/Getty)
+ الخط -

أثار فيلم "أصحاب... ولا أعز" موجة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، انقسمت فيها الآراء بين فريقين، الأول غالى بانتقاد صناع الفيلم وأبطاله، من منطلق أن الفيلم "يمثل خروجاً عن القيم المجتمعية المحافظة في العالم العربي"، بسبب الألفاظ النابية التي تضمنها الحوار، وبسبب "ترويجه للمثلية والانفلات الجنسي"، بحسب توصيف أصحاب هذا الرأي، الذين صبوا جام غضبهم على الممثلة المصرية منى زكي، بسبب مشهد يمر ببداية الفيلم تخلع فيه الـ"كيلوت" (لباسها الداخلي). أما الفريق الثاني، فقد دافع عن الفيلم وعن حرية الإبداع الفني، وسخر من الانتقادات الذكورية التي ربطت الشرف والقيم العربية باللباس الداخلي لمنى زكي.
الموقف الثاني تبنته نقابة المهن التمثيلية في مصر، التي أظهرت دعمها الكامل، وأكدت أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي اعتداء لفظي أو ترهيب معنوي لأي فنان مصري، كما تبناه معظم العاملين في الصحافة الفنية العربية، لتنتشر عشرات المقالات والتقارير التي تنتقد ازدواجية المعايير، ولا سيما أن الفيلم الإيطالي الأصلي، الذي استنسخ عنه فيلم "أصحاب... ولا أعز"، شارك قبل ستة أعوام في مهرجان القاهرة، وحصل على جائزة فيه. بهذا، نفهم أن الانتقادات التي انصبت على الفنانة المصرية، مرتبطة بالمفاهيم الذكورية السائدة، التي تعطي المجتمع حق الوصاية على المرأة، وليست مرتبطة بمحتوى الفيلم.
وفي هذه الضوضاء، جاء صوت اليوتيوبر المصري المعروف، محمد طاهر، الذي تم تكريسه أخيراً من خلال الاحتفاء به واستقباله في المهرجانات الفنية، ليغرد عالياً بصوته النشاز، ويدعم قطيع الأفكار الرجعية الشعبوية المحافظة، في الملخص الذي أعده للفيلم، تحت عنوان "الملوخية في زمن العلاقات الجنسية"، والذي يسيء فيه بشكل واضح لكل الممثلين المشاركين في الفيلم، وخصوصاً منى زكي، التي يذكر اسمها بدلاً من اسم الشخصية التي تؤديها، في سياق مشين، يرى فيه أنها خلعت شرفها مع الـ"كيلوت" في بداية الفيلم.
هذا الأمر أدى إلى انقلاب على محمد طاهر في الوسط الفني المصري، لينشر المخرج أحمد البرغوثي على "فيسبوك"، دعوة لعدم التساهل مع طاهر وعدم الاحتفاء به وتكريسه في المهرجانات والاحتفالات الفنية الكبرى، مشيراً إلى أن النجاح بحصد عدد كبير من اللايكات، لا يجعل من الشخص ناقداً فنياً. وبالفعل، يبدو أن هناك دعوى قضائية قد حركتها نقابة المهن التمثيلية ضده؛ إذ إن طاهر نشر، أخيراً، منشوراً يتراجع فيه بشكل ساخر عن انتقاداته للفيلم، حين ذكر أن فيلم "أصحاب... ولا أعز" يستحق الأوسكار.

النجاح بحصد عدد كبير من اللايكات لا يجعل من الشخص ناقداً فنياً

قد تكون هذه الضجة مناسبة لمناقشة أسلوب محمد طاهر في انتقاد الأعمال الدرامية وتلخيصها؛ فهذه ليست المرة الأولى التي يستند فيها إلى التعليقات الذكورية وإهانة النساء، وإنما هو يعتمد بشكل رئيسي على هذا الأسلوب للاستظراف وخلق الكوميديا؛ بل إن معظم الفيديوهات التي يصورها، لا تتضمن أي قيمة نقدية، وغالباً ما يكتفي بالخطاب المتنمر على الممثلات اللواتي يقدمن أدواراً جريئة، ليحاكمهن من منطلق اجتماعي محافظ، يفترض فيه أنه يمتلك الحق والوصاية على كل بنات بلده. ذلك يبدو أكثر وضوحاً من خلال المقارنة بين مراجعاته للأفلام المصرية ونظيراتها الأجنبية، التي تخف حدة السخط فيها، مع التزامه بالسخرية من كل الأفكار التي تدعو إلى التحرر وتقبل الآخرين، ولا سيما المثليين، الذين لا يوفر أي مناسبة للسخرية منهم.
هذا التوجه الفكري ليس حكراً على محمد طاهر، فهناك عدد كبير من الـ"يوتيوبرز" الذين يطلقون على أنفسهم صفة "ناقد فني" يملكون الفكر ذاته؛ منهم السوري عبد الرحمن دندشي، الذي يقدم برنامج "حمصوود"، والذي برر بحلقته الأخيرة انتقاد فيلم "أصحاب... ولا أعز"، والإعجاب بالفيلم الإيطالي الأصلي، باعتبار أن النسخة العربية لم يتم إعدادها بشكل يتناسب مع المجتمع العربي، ليصل بالفصام إلى أعلى درجة ممكنة؛ فصام ترجمه المخرج السوري الراحل، حاتم علي، في المشهد الوحيد الذي ظهر فيه بمسلسله "الفصول الأربعة"، عندما فسّر تهافت الجمهور على المسلسلات المكسيكية المدبلجة لكونها مسلسلات تقدّم باللغة العربية كل ما هو محظور في الدراما العربية.
هذه العقلية التي تبيح مشاهدة كل ما هو ممنوع إذا ما كان أجنبياً، ولا تقبله إذا قدمه العرب، هي عقلية قبلية تبني منطلقاتها على أعراف بدائية لمفهوم "الشرف". لكن محمد طاهر يبدو النموذج الأخطر بين جميع أصحاب هذا التوجه، لأنه الأكثر ظرافةً والأكثر إجادة لسرد القصة؛ وهو الأمر الذي جعل عددا كبيرا من الفنانين والمثقفين يتغاضون عن محتواه المؤذي بسبب موهبته بصياغة النكتة وقدرته على الإضحاك، إلى أن جاءت حكاية منى زكي التي يبدو أنها وضعت سقفاً له.

سينما ودراما
التحديثات الحية

وفي سياق متصل، علينا أن نشير إلى أن المواقف التي تبنتها نقابة المهن الموسيقية والتي تحولت لإنجاز يحتفي به رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ليست سوى الاستثناء الذي شذّ عن القاعدة؛ ففي مصر يتم تطبيق ذات المعايير الذكورية بالحكم على فتيات الـ"تيك توك"، وعلى الفنانات المغمورات اللواتي تُنشر لهن خصوصيات تتحوّل إلى "فضائح"، بسبب افتراض وجود وصاية اجتماعية تتحكم بأجساد جميع النساء. لكن الأمر يختلف في هذه القضية، بسبب المكانة التي تتمتع بها منى زكي، وربما كان موقف النقابة سيختلف، لو أن الدور ذاته قدمته ممثلة أخرى لا تحظى بذات المكانة.

المساهمون