يواجه الصحافي عبد المنعم أبو إدريس الذي انتخب أخيراً نقيباً للصحافيين السودانيين، مع مجلس النقابة، تحديات عدة، على رأسها دعم خيار الشعب في خلق دولة مدنية ديمقراطية، وتطوير بيئة العمل الصحافي والدفاع عن ممتهنيها.
الأسبوع الماضي، أعلنت لجنة مستقلة فوز عبد المنعم أبو إدريس (56 عاماً)، مراسل وكالة الأنباء الفرنسية، بالمنصب الأهم في انتخابات نقابة الصحافيين السودانيين، بعد 33 عاماً من حلّها بقرار من الرئيس المعزول عمر البشير، في اليوم الأول من انقلابه العسكري يوم 30 يونيو/حزيران عام 1989.
حظيت الانتخابات باهتمام محلي ودولي، وعارضتها سلطة الانقلاب العسكري الحالية، وأفتت بعدم مشروعيتها القانونية. لكن النقيب المنتخب يؤكد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن كل خطوات بناء النقابة تمّت على أساس اتفاقية دولية خاصة بتنظيم العمل النقابي صادقت عليها حكومة السودان في مارس/آذار 2021، وتحولت يومها لتشريع يتجاوز القوانين المحلية، وحتى الوثيقة الدستورية الحالية تنص بوضوح على حرية التنظيم النقابي. ويقول إن النقابة ستخوض معركة قانونية ونقابية طويلة، داخلية وخارجية، لتثبيت أركانها، و"هي معارك أجلناها رغبة في إكمال البناء الداخلي".
ويرى أبو إدريس أن الانتخابات التي جرت في 27 أغسطس/آب الماضي لم يكن الفوز فيها من نصيبه و39 صحافياً نالوا العضوية في مجلس النقابة فقط، بل هو "انتصار لكل الصحافيين السودانيين الذين قدموا نموذجاً فريداً في المنافسة الديمقراطية النزيهة والحرة". ويضيف: "هذا النموذج، بكل فخر، سيعبد الطريق أمام كل النقابات المهنية والعمالية لكي تمضي إلى الأمام في تكوين نفسها، ولتساهم جميعها في تحقيق هدف الدولة المدنية الديمقراطية المنشودة".
ويوضح أن البرنامج الذي خاض به الانتخابات مع بقية زملائه قائم على "بناء نقابة مهنية مستقلة غير منحازة لأي طرف من أطراف العملية السياسية، ولا لجهة واحدة من جهات السودان، ولا لمؤسسة رياضية أو ثقافية، بل تقف على مسافة واحدة من الجميع، لكنها في الوقت نفسه منحازة كلياً للثورة السودانية ومبادئها الكلية وأدبياتها التي بذل الشباب الدماء في سبيلها، وأهم ما في تلك الأدبيات هي الدولة الديمقراطية التي تلبي أشواق كل السودانيين، وتحديداً العائلة الصحافية التي لن تقوم بدورها كاملاً ولن تبدع إلا في ظل نظام ديمقراطي مدني".
وحول المرحلة المقبلة، يقول أبو إدريس إن النقابة ستعمل على إعداد خطة عمل لمدة 100 يوم، لإنجاز مشاريع عدة، أولها إيجاد مقر للنقابة، لأن سلطات نظام البشير صادرت مقرها عام 1989، وهي تحتفظ حالياً بمقر اتحاد الصحافيين السودانيين المحلول. وشدد على الحاجة الملحة لإيجاد مقر يجمع الصحافيين لإقامة أنشطتهم النقابية والثقافية والاجتماعية.
ومن أولويات برنامج المائة يوم أيضاً مضاعفة التواصل الخارجي مع النقابات والاتحادات، لاستعادة مكانة النقابة في المؤسسات الدولية والاقليمية، إذ لا تزال مجموعة من صحافيي الاتحاد المحلول بأمر الثورة تُمثل الصحافيين السودانيين وتدعي شرعيتها. كما ستسعى النقابة إلى لملمة شمل الصحافيين، لأن بعضهم لا يزال متشككاً أو متردداً في الانضمام للنقابة. وستعمل النقابة على تصحيح الأخطاء الإجرائية التي رافقت عملية البناء في مراحله المختلفة، و"كل ذلك حتى يتوحد الصحافيون ويقوى عودهم من أجل معارك شرسة في مجال الحريات الصحافية، وحق الحصول على المعلومة، وتحصين الصحافيين من الإجراءات القمعية، وتعديل القوانين المرتبطة بمهنة الصحافة التي أعاقت في السنوات الماضية تطورها".
وأبدى عبد المنعم أبو إدريس أسفه الشديد للحال التي وصل إليها زملاؤه وزميلاته، فهم الآن من الأقل أجراً في المنطقة، وغالبهم يعمل من دون تأمين صحي، وبعضهم من دون تأمين اجتماعي، و"يمارسون مهنتهم النبيلة في ظروف سيئة جداً لا تتوفر فيها أبسط الاحتياجات من وسائل اتصال ونقل ومكاتب مريحة والحماية وخلافه، بينما تعاني الصحافيات أكثر من زملائهن فيما يتعلق ببيئة العمل التي لا تراعي طبيعتهن رغم وجودهن القوى والمؤثر كماً وكيفاً في صالات التحرير والتغطيات الميدانية"، كما يقول.
يمضي النقيب، ويشير إلى أن للنقابة خطة واضحة وعريضة في مجال التدريب الداخلي والخارجي، "وهو أمر نريد توفيره للزملاء والزميلات بعدالة، وقد لا يقتصر فقط على الجوانب الصحافية، بل جوانب أخرى ذات صلة مثل العمل النقابي، وثقافة حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية، والتشريعات القانونية وغيرها، وهي خطة ستركز على الصحافيين العاملين في الولايات، وتحديداً تلك التي تشهد نزاعات".
يدرك نقيب الصحافيين السودانيين أن جملة من المصاعب والمتاريس ستعيق الطريق الوعر أصلاً، لكنه يراهن على إرث من الصمود والتضحية للصحافيين السودانيين سيقابلون به تلك المصاعب، وأولها عدم اعتراف السلطات الحالية بالنقابة، وثانيها الإمكانات المالية المحدودة التي تقلّ يوماً بعد يوم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وثالثها حداثة التجربة وما قد ينجم عنها من أخطاء، ورابعها المحاولات المستميتة لكثير من الجهات لاختطاف النقابة وتجييرها لمصالحها.
وفي رده على سؤال بشأن الاتهامات بسيطرة أحزاب سياسية معارضة على النقابة لجعلها مجرد واجهة من الواجهات، يقول أبو إدريس: "هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، فكل إجراءات البناء النقابي منذ الجمعية العمومية الأولى في مارس/ آذار، والجمعية العمومية الثانية في يوليو/تموز، وصولاً للعملية الانتخابية، تمت بإرادة حرة من الصحافيين، وأكثر من 90 في المائة من القائمة المنتخبة لا ينتمون لأي حزب سياسي، وجميعهم يدركون المبدأ والعرف النقابي المعلوم وهو أن لكل حزبه والنقابة للجميع"، مشيراً إلى أن ذلك الاتهام ستثبت الأيام عكسه تماماً بالأفعال لا بالأقوال.
كما نفى وجود أي تمويل لإجراءات قيام النقابة من أي جهة داخلية أو خارجية، "إنما اجتهد الصحافيون السودانيون في الداخل والخارج لتوفيره من مواردهم الذاتية، وأي شخص لديه ادعاءات غير ذلك فعليه إثباتها بالأدلة والمستندات، وإن فعل ذلك فنحن جاهزون للاستقالة اليوم قبل الغد".