نقيب الصحافيين التونسيين لـ"العربي الجديد": لا نخفي خوفنا على الحريات

06 اغسطس 2021
يطالب الجلاصي بإصلاحات عدة في الإعلام الرسمي (جديدي وسيم/ Getty)
+ الخط -

ما تعيشه تونس، بعد قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد بتجميد عمل مجلس نواب الشعب وإقالة رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي واستئثاره بالسلطتين التشريعية والتنفيذية، أعاد سؤال حرية الصحافة والتعبير إلى الواجهة.

عن حرية الصحافة والتعبير والتحولات التي تشهدها تونس كان لـ"العربي الجديد" لقاء مع نقيب الصحافيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي الذي عرّج على لقائه بالرئيس التونسي وغلق مكتب شبكة "الجزيرة" في البلاد واحتجاز صحافيي "نيويورك تايمز".

تأويل مبالغ فيه للفصل 80 من الدستور

اعتبر نقيب الصحافيين التونسيين أن ما أقدم عليه الرئيس قيس سعيد، في 25 يوليو/ تموز الماضي، "تأويل واسع ومبالغ فيه للفصل 80 من الدستور التونسي"، دفع إليه واقع سياسي عانى منه التونسيون، وكان من أبرز خصائصه تفشي الفساد والمحسوبية واحتكار السلطة من قبل أطراف تدافع عن مصالح فئات ضيقة من المجتمع التونسي، مما ولّد حالة من الغضب نتيجة الأزمة الاقتصادية، زادت في حدتها الأزمة الصحية وفشل الحكومة التونسية في اتخاذ إجراءات عملية لحماية التونسيين من الجائحة التي تسببت في خسائر بشرية كبيرة.

ليس صكاً على بياض

وعن لقائه وممثلي منظمتي "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" و"المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" بالرئيس قيس سعيد، في 26 يوليو/ تموز، أكد محمد ياسين الجلاصي أن "اللقاء عموماً كان إيجابياً، وامتد لما يناهز الساعة والنصف، قدم فيها الرئيس التونسي الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ هذه الخطوة. وكان النقاش أساساً حول احترام حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية وحرية الصحافة والتعبير. وتعهد الرئيس باحترام هذه الحريات، "لكن ذلك لا يعني أن النقابة منحت الرئيس صكاً على بياض، بل ستظل متيقظة ومراقبة لما يحصل على أرض الواقع، ونحن لا نخفي تخوفاتنا على حرية الصحافة والتعبير، وهي للأمانة تخوفات ليست بالجديدة، لأن الفترة السابقة لـ25 يوليو/ تموز الماضي شهدت اعتداءات على حرية الصحافة والتعبير في مناسبات عدة"، وفقاً له.

الجلاصي لم يخف تخوفه أيضاً من حالة الهستيريا الجماعية التي تعرفها البلاد في هذه الفترة، والتي جعلت الإعلام في مرمى الاتهام من قبل المساندين للرئيس التونسي والمعارضين له، كما لم يخف تخوفه من إطلاق يد المؤسسة الأمنية تحت مسمى الحالة الاستثنائية، وهو ما قد يؤدي إلى نتائج عكسية مثلما حصل يوم 26 يوليو/ تموز أمام البرلمان التونسي، عندما اعتدى الأمن التونسي على الصحافيين، وصادر هواتفهم الشخصية؛ وسيلة عملهم، وهو ما رأى فيه الجلاصي تجاوزاً غير مقبول.

كما اعتبر أن ما حصل في التلفزيون التونسي، يوم 28 يوليو/ تموز، من منع لضيوف من الدخول والمشاركة في برنامج سياسي، خطوة مرفوضة، وأشار إلى أن النقابة طلبت من رئاسة الدولة فتح تحقيق في الأمر وتحميل كل طرف مسؤوليته، خاصة أن المدير العام للتلفزيون المقال أكد أنه تلقى تعليمات، وهو ما تنفيه رئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع.

غلق مكتب "الجزيرة" إساءة لصورة تونس

وحول قرار غلق مكتب "الجزيرة" في تونس، يوم 26 يوليو/ تموز الماضي، من قبل الأمن التونسي، قال نقيب الصحافيين التونسيين إن "ما حصل إساءة لصورة تونس، بعد سنوات اعتبرت فيها نموذجاً ومثالاً لحرية الصحافة في المنطقة العربية، وهو ما يؤكده ترتيبها في مجال حرية الصحافة الذي تعده المنظمات العالمية". وأضاف "طرحت المسألة على الرئيس قيس سعيد، وكانت إجابته أن مكتب (الجزيرة) سيعود للعمل، ونحن ننتظر ذلك".

وأشار إلى أن "غلق مكتب وسيلة إعلام لا معنى له اليوم، في ظل التطور التكنولوجي"، موضحاً أن النقابة منحت العاملين في "الجزيرة" قاعة كبيرة داخل مقرها، "حتى يعملوا فيها بكل حرية، مع ضرورة التأكيد على الابتعاد عن التحريض ونشر خطاب الكراهية والعنف". وأشار "اتصلت بالأطراف كلها، ولا أحد تحمل مسؤولية ما حصل وقدم تبريراً له، وحتى عندما تحدثت مع مدير مكتب (الجزيرة) في تونس الزميل لطفي حجي، أكد لي أنه لا يعلم السبب الحقيقي الذي دفع السلطات التونسية لغلق المكتب، ونحن نرجو أن يحقق الرئيس قيس سعيد ما وعد به، وأن يعود المكتب إلى العمل بشكل طبيعي".

كانت "منظمة العفو الدولية" دانت الإغلاق القسري لمكاتب قناة "الجزيرة" الإخبارية، واصفة الأمر بأنه "شائن". واعتبرت أن الإغلاق "سابقة مقلقة للغاية تظهر أن حقوق الإنسان بخطر". كذلك، دانت منظمة "مراسلون بلا حدود" إغلاق قوات الأمن التونسية مكاتب القناة.

الصحافية في "نيويورك تايمز" غالطت الرأي العام؟

وحول ما يتعلق بما حصل مع صحافيين من صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، من منع عن العمل وحجز في مركز شرطة يوم الأربعاء الماضي، مثلما قالت الصحافية فيفيان يي، وبشكل متشنج نوعاً ما، قال نقيب الصحافيين "ما حصل فيه مغالطة غير مقبولة، فالصحافية وزميلها قدما للعمل في تونس من دون احترام القوانين التونسية، فالمطلوب مثلما يحصل في كل دول العالم طلب اعتماد للعمل وترخيص للتصوير. الصحافية ذهبت إلى حي التضامن، وشرعت في التصوير، وهنا تدخل الأمن، وطلب منها مرافقته لمركز الشرطة، للاستظهار بترخيص التصوير، وتم إعلامنا بالأمر في النقابة، فتدخلنا بشكل عاجل، وحسمت المسألة في وقت قياسي، ولم تتعرض الصحافية لأي شكل من المضايقات، بل لإجراء إداري روتيني لا غير".

وأوضح أن اللقاء الذي تم بين صحافيي "نيويورك تايمز" وقيس سعيد لم يدبر عن طريق نقابة الصحافيين التونسيين، بل عبر رئاسة الجمهورية التونسية مباشرة.

كانت يي قد كتبت، بعد اللقاء مع سعيد يوم الجمعة الماضي، أن "الرئيس التونسي ألقى عليها وزميلين لها من الصحيفة نفسها محاضرة عن الدستور الأميركي، وتعهد بحماية الحريات الصحافية، إلا أنه لم يسمح لهم بطرح أي سؤال".

واقع الإعلام التونسي رديء

وصف نقيب الصحافيين التونسيين واقع الإعلام التونسي بالرديء، مشيراً إلى أن "البعض، من قبل 25 يوليو، يحاول السيطرة على الإعلام الذي استشرى فيه الفساد، فهل يعقل أن حصصاً تلفزيونية سياسية تصبح مجالاً للبيع والشراء والمحاصصة الحزبية في الإعلام الخاص؟ وهل من المعقول أن يتحول سياسيون ووزراء سابقون إلى محللين سياسيين؟ هذا أسميه انحرافاً عن الأدوار التي يفترض أن يلعبها الإعلام في إنارة الرأي العام".

ولفت الجلاصي إلى أن الإعلام الرسمي "يعرف صعوبات كبرى، ويجب إصلاحه بشكل يستجيب لتطلعات دافعي الضرائب الذين يمولون هذا الإعلام". وأفاد بأن اجتماعاً عقدته النقابة يوم الاثنين، مع "الهيئة العليا المستقلة للإعلام" و"النقابة العامة للإعلام"، سعى لتقديم تصور للخروج بمؤسسات الإعلام العمومي من الوضعية التي يعيشها".

مهدي الجلاصي عبّر عن ألمه من غياب التضامن بين العاملين في القطاع الإعلامي في البلاد، وهو ما يسهل عملية اختراقه، على عكس القطاعات الأخرى، مبيناً أن السؤال المركزي الذي يجب طرحه اليوم والبحث عن حلول قانونية للحسم فيه هو: من هو الصحافي؟

المساهمون