صوّت مجلس إدارة ضاحية ميتي في العاصمة الألمانية برلين، يوم الثلاثاء الماضي، لصالح استمرار عرض تمثال مثير للجدل، يخلد ذكرى النساء اللواتي احتجزتهن اليابان كرقيق جنس خلال الحرب العالمية الثانية، بعد طلب مسؤولين يابانيين إزالته.
واعتمد قرار إبقاء التمثال معروضاً بأغلبية 24 مقابل 5 أصوات في اجتماع مسؤولي ضاحية ميتي. وكانت إدارة ميتي ألغت، في وقت سابق من هذا العام، الإذن بتركيب التمثال الذي صممته مجموعة مدنية مؤيدة لكوريا الجنوبية في ألمانيا، احتجاجاً على موقف اليابان من قضية "نساء المتعة".
لكن بعد التصويت، من المتوقع أن تعكس السلطات المحلية مسارها وتوافق على بقاء النصب التذكاري. والقرار هذا أعاد إغضاب المسؤولين اليابانيين، إذ قال كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني كاتسونوبو كاتو، خلال مؤتمر صحافي دوري، إن قرار الإبقاء على عرض التمثال "يتعارض مع موقف الحكومة اليابانية ونهجها"، واصفاً إياه بـ"المؤسف للغاية"، ومؤكداً أن الحكومة ستواصل المطالبة بإزالته، وفق ما نقلت صحيفة "ذا جابان تايمز".
التمثال المثير للجدل هو مجسم برونزي لشابة تجلس بسكينة على كرسي وترتدي زياً كورياً تقليدياً، وعلى رأسها إكليل من الورود وطائر صغير يجلس على كتفها. وقد أثار توتراً دبلوماسياً منذ كشف النقاب عنه، في سبتمبر/أيلول الماضي.
طلب سؤولون يابانيون من إدارة ضاحية ميتي في العاصمة الألمانية برلين إزالة تمثال يخلد ذكرى "نساء المتعة"
تؤكد طوكيو أن اليابان وكوريا الجنوبية حسمتا بالفعل قضايا زمن الحرب، عندما وقعتا اتفاقية ثنائية عام 1965، بينما يعتقد الكثيرون في كوريا الجنوبية أن اليابان لم تكفر بما يكفي عن ممارسات حكمها الاستعماري لشبه الجزيرة الكورية في الفترة من 1910 إلى 1945، بما في ذلك قضية "نساء المتعة".
عشرات الآلاف من النساء الكوريات تم إغراؤهن أو إجبارهن على الاسترقاق الجنسي في بيوت الدعارة التي كان يديرها الجيش الياباني، عندما كانت شبه الجزيرة الكورية تحت الحكم الاستعماري الياباني، وفقاً للمؤرخين.
ويقدر ناشطون كوريون جنوبيون عدد النساء اللاتي أجبرن على العمل في بيوت للدعارة للجيش الياباني بنحو مائتي ألف امرأة يعتقد أن معظمهن من كوريا، فيما تعود أصول أخريات إلى الصين وإندونيسيا والفيليبين وتايوان. وهناك نساء كثر غيرهن جلبن من دول أخرى احتلتها اليابان، مثل ميانمار وتايلاند وفيتنام وماليزيا والصين ومنغوليا وتايوان وإندونيسيا وتيمور الشرقية وبابوا غينيا.
وأصدرت الأمم المتحدة، عام 1996، تقريراً أكدت فيه أن النساء كن "مسترقات جنسياً" خلال عمل عسكري، لكن اليابان ترفض هذا التقرير.
عشرات آلاف النساء الكوريات تم إغراؤهن أو إجبارهن على الاسترقاق الجنسي في بيوت دعارة أدارها الجيش الياباني
وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2015، اعتذرت اليابان للنساء، وخصصت نحو مليار ين (8.75 مليون دولار أميركي) لمساعدة الضحايا. لكن عام 2018 عادت القضية إلى الواجهة، بعدما قالت لجنة كورية جنوبية تشكلت لمراجعة اتفاق عام 2015 إنه لا يلبي احتياجاتهن.
ووصف حينها رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي، استغلال اليابان لـ"نساء المتعة"، خلال الحرب العالمية الثانية، بأنه "جريمة ضد الإنسانية". وأضاف مون "لحل قضية نساء المتعة يجب ألا تقول حكومة اليابان، وهي الجاني، إن القضية أغلقت (...) قضية جريمة ضد الإنسانية ارتكبت في زمن الحرب لا يمكن إغلاقها بكلمة. الحل الحقيقي لتاريخ مؤسف هو تذكره واستخلاص العبر منه"، وفق ما نقلت "رويترز".
وكانت وزيرة خارجية كوريا الجنوبية، كانغ كيونغ-هوا، قالت إن دولتها لا تسعى لإعادة التفاوض حول اتفاق 2015، مضيفة أنها كانت تأمل لو أن اليابان بذلت مزيداً من الجهود لمساعدة النساء على "مداواة الجراح التي أدمت قلوبهن"، وفقاً لـ"رويترز".
وفي يوليو/تموز عام 2017، نشرت كوريا الجنوبية ما تقول إنه أول مقطع فيديو مصور لـ"نساء المتعة"، بعدما عثر عليه باحثون تمولهم حكومة كوريا الجنوبية، في "جامعة سيول الوطنية". ويظهر المقطع الذي يستغرق عرضه 18 ثانية عدداً من النساء يصطففن في طابور ويتحدثن مع جندي.
أصدرت الأمم المتحدة تقريراً أكدت فيه أن النساء كن "مسترقات جنسياً" خلال الحرب العالمية الثانية
وعام 2019، كشفت وثائق رسمية بعضها دمغ عليه بـ "السري" أن الجيش الياباني كان قد طلب تزويده بنساء للجنس بمعدل امرأة لكل 70 جندياً. ويعود تاريخ هذه الوثائق إلى عام 1938، ونشرتها وكالة "يونهاب" للأنباء الكورية الجنوبية.
وضمت الوثائق رسالة من القنصلية اليابانية في مدينة جينان الصينية (شرق) إلى وزارة خارجية طوكيو، تحذّر فيها من ارتفاع "أنشطة الدعارة" في المناطق التي تحتلها اليابان في كوريا الجنوبية، إبان الحرب العالمية الثانية.