في واقعة جديدة تعبّر عن حجم الأزمة التي يعيشها النظام المصري، في بحثه عن أطراف يصلحون للجلوس والتقاط الصورة الجماعية على طاولة الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في 26 إبريل/ نيسان الماضي، دعت الأكاديمية الوطنية للتدريب، التابعة لرئاسة الجمهورية، والمسؤولة عن تنفيذ مؤتمر الحوار الوطني، أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة، الدكتور أيمن منصور ندا، إلى طرح رؤيته. أيمن منصور ندا لا يزال موقوفاً عن عمله في جامعة القاهرة، وخرج من الحبس الاحتياطي قبل فترة وجيزة، على خلفية سلسلة مقالاته الحادة التي طاولت مجموعة أكاديمية وإعلامية مقربة من رأس السلطة. وجاء في الخطاب الموجّه إلى ندا: "ننتظر من سيادتكم إرسال هذه الرؤية خلال أسبوع من تاريخه، التي نأمل أن تشتمل على محاور الحوار ومحدداته وآليات عمله وأجندته، حتى يتسنى لنا البدء الفوري بتنفيذ جلسات الحوار الوطني، وفقاً لرؤية واضحة ومحاور عمل محددة". ورد ندا على الخطاب قائلاً: "يسعدني، ويشرفني".
عُرف ندا في الفترة الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي، بسلسلتين من المقالات الحادة التي تحلّت بأسلوب جذاب جعلت الكثير من المتابعين يتفاعلون معها. المقالات الصارخة حمّلت النظام السياسي مسؤولية إفساد التعليم والإعلام، عبر فرض شخصيات فاسدة في الجامعة المصرية، وشخصيات أخرى في وسائل الإعلام الموالية لا تقدم أداءً مهنياً وأخلاقياً يتناسب مع المسؤوليات الموكلة لها.
رئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت كان هدفاً لمقالات ندا الذي كشف فيها كمّاً كبيراً من المخالفات والفساد بالوثائق، واتهمه بإدارة الجامعة بأوامر من إحدى الجهات الأمنية، وبأنه عرض عليه مليون جنيه، وربما غازله بالترقية ليكون عميداً للكلية، إذا هو توقف عن مقالاته المزعجة. وبدلاً من تحقيق الجهات المسؤولة في المخالفات التي أعلنها ومراجعة المستندات والقرائن التي أشارت إليها المقالات، استجابت لبلاغات المتهمين بالفساد، وألقت القبض على صاحب المقالات. وكتب حينها: "يتم محاكمتي وفق قانون الإرهاب وترويع وتعطيل مؤسسات تابعة للدولة، وتم تجاهل التحقيق في البلاغات التي قدمتها ضد الخشت... هيقتلوني بتهمة الإرهاب... أنا في قسم أول التجمع وجاري عرضي على قاضي التحقيقات بكره (غداً) لحبسي 15 يوم".
كذلك انتقد نوعية الأداء الذي يقدمه عدد من الإعلاميين المفروضين على الشاشة، كما في مقال عنوانه "رسالة مفتوحة إلى رئيس تحرير مصر"، أشار فيها إلى بعض عيوب هذا الإعلام الموجّه، وحمَّل المسؤولية لمَن وصفه بـ "العقيد أحمد شعبان بتاع المخابرات المسؤول عن موبايل سامسونغ". وتعرّض ندا لبعض رموز الإعلام التابعين للسلطة في مقالات صارخة وهازئة، مثل واحد حمل عنوان "إعلام البغال"، و"كرم جبر... أنا تهت مني... أنا مش عارفني"، و"يا عزيزي كلنا إعلاميون... زمن أحمد موسى"، و"عمرو أديب بين الاستمرار والاعتزال". في تلك المقالات، كان تحريضه للنظام على هؤلاء الإعلاميين مباشراً، مثل قوله في مقال "إعلام الثقوب السوداء": "إلى المسؤول عن النظام الإعلامي في مصر: غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ. الثقوب السوداء تتسع، وخروم المصداقية تتعمق، والمسافات تزداد بعداً، والعاقل من يتعظ بغيره، غيروا أعتاب بيوتكم ترزقون".
واجه ندا حينها اتهامات بأن ما يكتبه ليس إلا تعبيراً عن صراع داخلي بين أجنحة نافذة في السلطة، وبأنه يمثل أداة جناح مدير مكتب السيسي اللواء محسن عبد النبي، للتشهير بجناح اللواء عباس كامل والرائد أحمد شعبان.
الجماهير التي التفت حول أيمن منصور ندا وساندته في معاركه الشرسة انقلبت عليه أخيراً، حين نُشرت له صور لقاء مصالحة مع كرم جبر وأحمد موسى ونشأت الديهي، في أحد فنادق القاهرة، في 28 إبريل، وذلك بعد فصول طويلة من الشتائم المتبادلة والمحاكم والقضايا. حاول امتصاص الهجوم عليه والتأكيد أن صراعه لم يكن شخصياً، بل مهنياً، وأنه لم يتخلّ عن أفكاره ورؤيته التي طرحها في مقالاته، وذلك بعد أن صرّح بأنه تلقى عشرات الاتصالات والرسائل المستفسرة والمستنكرة. في حواره الأخير يوم 8 مايو/ أيار على قناة بي بي سي العربية، غازل النظام المصري، وأكد أنه يصدّق السيسي ويقدّر العديد من إجراءاته، مثل الإفراج عن عدد من معتقلي الرأي. ورداً على اتهامه السابق للإعلام المصري بأنه يخضع لأجهزة سيادية تتحكم في المشهد الإعلامي من وراء الستار، لم ينكر، بل قال: "إن من يدفع للزمار يحدد له اللحن"، زاعماً أنه لا يتحدث عن ظاهرة مصرية، بل عالمية. وأضاف مبرراً هذا التصور: "وسائل الإعلام أكثر خطورة من أن تُترك للإعلاميين وحدهم". وزعم أن اختلافه مع الواقع الإعلامي ومقالاته الحادة كانت حول درجة التدخل وأساليبه، وليس في المبدأ نفسه.
أما على جانب النظام السياسي، فيبدو واضحاً أنّ الأزمة أكبر من احتوائها، وأنّ الكارثة المحدقة التي تتجلى في المأزق الاقتصادي واقعة لا محالة، ولهذا كان لا بد من حوار وطني. وهذا الحوار يقتضي ضرورة استدعاء شخصيات يمكن إقناعها، وبدأت مرحلة الإعداد بإظهار بعضها مثل حمدين صباحي وخالد داود وخالد يوسف، وها هو ندا، في انتظار إكمال بقية المقاعد الفارغة حول الرئيس، لتوقيع محضر الجلسة الختامية المعدّ سلفاً.