"ميتا"... "أخطاءٌ" لا تقمع إلا الفلسطينيين

21 أكتوبر 2023
يواصل الاحتلال ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين (محمود الهمص/ فرانس برس)
+ الخط -

يستثمر عمالقة التكنولوجيا نفوذهم كله في دعم الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه المتواصلة، فيضيقون على المحتوى الفلسطيني، ويصنفون مؤيدي القضية الفلسطينية بأنهم "إرهابيون"، ويتكرر حصول ما يصفونها بـ"الأخطاء" في كل مرة يواجه فيها الفلسطينيون عدواناً، وتحديداً على المنصات المملوكة لشركة ميتا.

الشركتان العملاقتان ميتا وغوغل أعلنتا، الجمعة، انسحابهما من قمة الويب في لشبونة، وهي واحد من أكبر الأحداث السنوية في قطاع التكنولوجيا، بعد انتقاد أحد المنظمين إسرائيل.

كان رجل الأعمال الأيرلندي بادي كوسغريف، المؤسس المشارك لقمة الويب، قد كتب على منصة إكس (تويتر سابقاً)، في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، أنه "مصدوم من خطاب وأفعال العديد من قادة الغرب وحكوماته". وأضاف كوسغريف: "جرائم الحرب تبقى جرائم حرب، حتى لو ارتكبها حلفاء، ويجب أن يُندّد بها".

كان غاري تان، وهو واحد من الشخصيات البارزة في "وادي السيليكون" من شركة Y-Combinator، أول المقاطعين، وسرعان ما حذت حذوه أسماء كبيرة في القطاع، بينها شركتا إنتل وسيمنز، والأميركيتان الكوميديتان إيمي بولر والممثلة جيليان أندرسن.

واضطر كوسغريف إلى الاعتذار الثلاثاء الماضي، وقال في بيان: "أتفهم أن ما قلته والتوقيت والأسلوب سبّب أذى عميقاً للكثيرين. ولكل من جرحته كلماتي، أعتذر بشدة". وأضاف: "المطلوب في هذا الوقت هو التعاطف..."، ثم تابع مؤكداً أنه يدين "بلا تحفظ" هجوم حركة حماس "الشرير والمثير للاشمئزاز والوحشي" على إسرائيل، ويدعم "بشكل لا لبس فيه" حق إسرائيل في الوجود والدفاع عن نفسها. وأردف أن إسرائيل يجب أن تلتزم باتفاقيات جنيف، "أي عدم ارتكاب جرائم حرب".

وعلى منصات التواصل الاجتماعي التي يملكها عمالقة القطاع، يتواصل حصار الفلسطينيين وكل المؤيدين لقضيتهم وحقهم في الحرية والمقاومة. في 19 أكتوبر، اعتذرت "ميتا" بعد إدراج كلمة "إرهابي" في السيرة الذاتية لبعض مستخدمي منصتها إنستغرام من الفلسطينيين، وزعمت أنه خطأ في ميزة الترجمة التلقائية.

هذا "الخطأ" المزعوم طاول حسابات مستخدمين كتبوا كلمة فلسطيني بالإنكليزية في المساحة المخصصة للتعريف عن أنفسهم عبر حساباتهم على "إنستغرام"، وأولئك الذين استخدموا الرمز التعبيري لعلم فلسطين، وكل من كتب "الحمد لله" باللغة العربية. الترجمة التلقائية من العربية للإنكليزية لـ"الحمد لله" كانت كالتالي: Praise be to god, Palestinian terrorists are fighting for their freedom (الحمد لله، الإرهابيون الفلسطينيون يقاتلون من أجل حريتهم).

بعد الانتقادات التي واجهتها "ميتا"، أكدت أنها حلّت "المشكلة" خلال الأسبوع الحالي، وقال متحدث باسمها لصحيفة ذا غارديان أستراليا: "أصلحنا مشكلة تسببت لفترة وجيزة في ظهور ترجمات عربية غير مناسبة في بعض خدماتنا. نحن نعتذر بشدة عن حدوث ذلك". وفي تدوينة الأربعاء، كشفت "ميتا" أنها اتخذت إجراءات جديدة منذ بدء الحرب "لمعالجة الارتفاع الكبير في المحتوى الضار، والذي يحتمل أن يكون ضاراً، على منصاتها"، وزعمت أن لا صحة للاتهامات الموجهة إليها بقمع المستخدمين المؤيدين لفلسطين. وادعت أن الحد من الوصول إلى محتوى معين خلال الأسبوع الحالي لم يقتصر على المنشورات المتعلقة بإسرائيل وغزة.

وجاءت ادعاءات "ميتا" رغم أنها كشفت أنه خلال الأيام الثلاثة التي أعقبت بدء عملية طوفان الأقصى، في 7 أكتوبر، حذفت أو غطت برسائل تحذيرية نحو 795 ألف رسالة باللغتين العربية والعبرية. ومعظم المحتوى المستهدف هو ذلك المؤيد للفلسطينيين والمدين لوحشية الاحتلال الإسرائيلي. هذا الانحياز دفع الخبير في منصات التواصل الاجتماعي، التونسي أحمد قوبعة، الأربعاء الماضي، إلى الاستقالة من عضوية هيئة القادة في الشرق الأوسط وأفريقيا التابعة لـ"ميتا".

صحيح أنه من الصعب إثبات تقييد وصول المحتوى والحدّ من ظهوره أمام آخرين، وهو ما يسمى shadow-banning، لكن المستخدمين في أنحاء العالم كافة أكدوا أن أي منشورات ذات محتوى فلسطيني، أو تشير إلى غزة، تحصل على عدد مشاهدات وتفاعل منخفض على نحو غير معتاد. في بعض الحالات، لم يُسمح لمستخدمي "إنستغرام" بالتعليق على منشورات أخرى، وانبثقت رسالة أمامهم نصها: "نحن نقيد نشاطاً معيناً لحماية مجتمعنا. بناءً على استخدامك، لن يكون هذا الإجراء متاحاً لك حتى [التاريخ]. أخبرنا إذا كنت تعتقد أننا ارتكبنا خطأ".

سينما ودراما
التحديثات الحية

اختارت صحيفة طهران تايمز نشر صفحتها الأولى باللون الأسود الخميس، حداداً على ضحايا الاستهداف الهمجي الإسرائيلي على المستشفى المعمداني وسط غزة. لكن الصحيفة مُنعت من نشر صورة للصفحة الأولى على "إنستغرام". الأحد الماضي، شاركت مولي كرابابل، وهي فنانة ومؤلفة مقيمة في نيويورك، منشوراً من البرنامج التلفزيوني الإخباري "الديمقراطية الآن!"، يوثق توزيع إسرائيل للأسلحة على المستوطنين في الضفة الغربية، فتلقت إشعاراً نصه: "لا يمكن إظهار حسابك لغير المتابعين". ذكر الإشعار أن حسابها لن يظهر في الاستكشاف أو البحث أو الاقتراحات أو فيديوهات "ريلز". ووصفت كرابابل ذلك بأنها "محاولة خطيرة لخنق المعلومات".

وبدأ بعض المستخدمين بنشر نصائح حول كيفية التحايل على التضييق، مثل إضافة ملصقات، واستطلاعات رأي، واستخدام الرموز بدلاً من الحروف (p@le$tine، على سبيل المثال).

وسبق أن اتُهمت "ميتا" بقمع الأصوات الفلسطينية، وأكد تقرير مستقل حدوث ذلك، وتحديداً خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في مايو/ أيار 2021. أعدّت التقرير شركة الاستشارات المستقلة بزنس فور سوشال ريسبونسيبيليتي (بي إس آر)، بتكليف من "ميتا"، وركز على الرقابة التي فرضتها الشركة والاتهامات بالتحيز التي وجهت لها خلال هبّات الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال عام 2021.

وجاء في التقرير الذي نشر العام الماضي: "يبدو أن الإجراءات التي اتخذتها ميتا في مايو 2021 كان لها تأثير سلبي على حقوق الإنسان، وتحديداً على حق المستخدمين الفلسطينيين بحرية التعبير والتجمع والمشاركة السياسية وعدم الخضوع للتمييز، وبالتالي على قدرتهم على مشاركة المعلومات ورؤيتهم للتجارب التي عاشوها في وقت حدوثها".

شن الاحتلال حملة قمع وحشية وعنيفة استهدفت الفلسطينيين الذين تصدوا لمحاولات الإخلاء القسري في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، ثم أطلق عدواناً على قطاع غزة، أسفر عن استشهاد العشرات.

وفقاً للتقرير نفسه، حذفت "ميتا" حينها منشورات بالعربية حول العدوان بمعدّل أعلى بكثير من حذفها المنشورات بالعبرية. وعزت شركة الاستشارات الاختلاف الكبير في التعاطي مع المنشورات الفلسطينية مقارنة بالإسرائيلية إلى نفس الأسباب التي كانت قد أشارت إليها مؤسسات حقوق الإنسان والمبلغون عن المخالفات والباحثون، وعلى رأسها النقص الفاضح في الخبرة.

ولا يواجه المستخدمون الفلسطينيون فقط خوارزمية تستثني الإسرائيليين، وهي تقنية لتحديد "الخطاب المعادي باللغة العربية" غير موجودة بالعبرية، بل يُستهدفون أيضاً بالنظام العربي المعتمد في "ميتا" الذي يبدو أنه لا يعمل كما يجب. فوفقاً للشركة التي أعدّت التقرير، "من المحتمل أن تكون المصنفات العربية أقل دقة للغة العربية واللهجة الفلسطينية، وذلك لأنها أقل شيوعاً، ولأن بيانات التدريب - التي تستند إلى تقييمات المشرفين - من المحتمل أن تعيد إنتاج أخطاء المشرفين، بسبب نقص الكفاءة اللغوية والثقافية".

أشار التقرير أيضاً إلى سياسات "ميتا" المتعلقة بـ"الأفراد والمنظمات الخطرة"، وهي قائمة بآلاف الأشخاص والمجموعات التي لا يستطيع المليارات من المستخدمين "الثناء عليها" أو "دعمها" أو "تمثيلها". أظهرت القائمة الكاملة المعتمدة من "ميتا" أنها تركز تحديداً على الكيانات الإسلامية والشرق أوسطية، وقد اتهمها النقّاد بالانحياز العرقي والديني الصارخ.

المساهمون